عن مشهد أمريكي "إسرائيلي" محتمل سليمان تقي الدين كل الذين يراهنون على نتائج حرب تشنها “إسرائيل" على لبنان وسوريا، لإحداث تغيير في معادلات المنطقة، يراهنون على أوهام. هناك من يعتقد في الإدارة الأمريكية أن مثل هذه الحرب ستكون بديلة من حرب مباشرة مع إيران، وأن حرباً كهذه ستؤدي عدَّة وظائف في آن معاً: أن تعزل تأثير إيران عن العالم العربي، فتقضي على حلقة الاتصال بينها وبين حزب الله وحماس، وأنها لن تبقي لإيران حلفاء عرباً، وستزيد من اندفاع دول ما يسمّى “الاعتدال العربي" إلى الاقتراب بخطوات أسرع نحو “إسرائيل" بعد انخفاض صوت سوريا، وأن مثل هذه الحرب ستحسم وجهة المشرق العربي كله فيتحول إلى منظومة من الحكومات المتعاونة مع المشروع الأمريكي. إن هذا المشهد المتخيّل لنتائج حرب “إسرائيلية"، هو بائس جداً لأنه يفترض وجود لاعب أمريكي “إسرائيلي" ولا شيء في مقابله. قد تكون هذه الحرب، التي يخطط لها كثيرون ويتمناها بعض المراهنين، مدخلاً لمتغيرات كبيرة، لكنها قطعاً لن تكون مدخلاً للاستقرار. فهي اذا نجحت في توجيه ضربة عسكرية مدمرة تستدعي أشكالاً من المقاومة مصحوبة بفوضى عارمة، وإذا فشلت فسيكون الثمن مكلفاً جداً لكل القوى ولصراعات غير مضبوطة لتسوية نتائجها السياسية. لقد كابر المكابرون في قراءة نتائج حرب تموز لتوظيفها سياسياً، فقد كان مطلوباً تحجيم الدلالات الكبرى لهذه الحرب من حيث خلخلة قواعد الأمن “الإسرائيلي". لكن من الغباء المطبق إنكار معنى هذا التحول في طبيعة المواجهة، وما يعنيه من قدرات عربية على نقل المعركة بشكل أو بآخر إلى الداخل “الإسرائيلي". إِن معركة الصواريخ غير القابلة للردع ستكون لها مفاعيل، في إطار معركة شاملة للبنان وسوريا، أكبر بكثير مما يتوقع البعض. فضلاً عن أن الحرب البرية سوف تحمل ل “اسرائيل" مفاجآت تتعلق بإطالة أمد المواجهة وتفتح آفاقاً أوسع لحرب العصابات التي تستنزفها. أما الذين يعتقدون أنهم يستطيعون إِشغال المقاومة على خطوط خلفية بالفوضى، فسيدركون أن الفوضى سيف ذو حدين، وأن إسقاط حرمة الوقوف في وجه العدو “الإسرائيلي" سوف يغرق الجبهة الداخلية بعنف لا قواعد له ولا ضوابط. لن تكون الحرب “الإسرائيلية" إِذاً وسيلة لإعادة ترتيب الأوضاع السياسية بما يكفل استتباب السلطة لهذا الفريق المراهن على ذلك. ولن يكون في مقدور أحد أن يَلُمَّ نتائجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد خَبِرَ اللبنانيون طبيعة الاختراق “الإسرائيلي" لبنيتهم السياسية الداخلية. لقد احتلت “إسرائيل" بيروت وفرضت نظاماً موالياً لها وخرجت من لبنان مهزومة ومعها مشروعها السياسي. هل يمكن لعاقل أن يرتجي حلولاً سياسية واستقراراً أمنياً من بوابة “إسرائيل" ولو إن مثل هذا الكلام يأتي بلغة واقعية مسقطاً من الحساب كل القيم الوطنية والأخلاقية؟ من المؤكد أن القرار الأمريكي “الإسرائيلي" ليس في يد أي من الفرقاء العرب، لكن ليس هناك من قرار أمريكي “إسرائيلي" إلاّ ويأخذ في الحساب الموقف العربي. أخطر ما يجري الآن أن يشجع البعض أمريكا و"إسرائيل" على ارتكاب مثل هذه الحماقة التي ينطوي عليها المشهد المذكور أعلاه، ليس بصفته خدمة مجانية ل “اسرائيل"، بل بوصفه جريمة كبرى بحق الشعبين اللبناني والسوري. إِن الحروب لن تحلّ أياً من مشكلات المنطقة. على العكس من ذلك سوف توسع من جبهة المواجهة، وسوف تستدعي المزيد من التدخلات الخارجية والمصالح، وتعطي مشروعية غير مسبوقة للعنف سواء كان مقاومة أو إرهاباً. لو كان لأمريكا أصدقاء في المنطقة وليس اتباعاً لكانوا يصارحون الأمريكيين بالقول إِن سياسات البطش والقوة لن تخدم على المدى البعيد بناء علاقات طبيعية بين العرب وأمريكا. لم يسبق للسياسات الأمريكية ان كانت موضوع كراهية بهذا المستوى والحجم لدى شعوب المنطقة. ان تطويع بعض الأنظمة السياسية لقبول سياسات مناقضة لحقوق شعوبها لم يَدُم في التاريخ، ولن يدوم الآن. لقد أسس الاحتلال الأمريكي للعراق في ذاكرة المنطقة إرثاً استعمارياً أمريكياً غير مسبوق، ولسوف يظل يؤثر في العلاقات العربية الأمريكية إلى أمد طويل. عن صحيفة الخليج الاماراتية 19/11/2007