لبنان الصغير ودوره الكبير د. عبدالله السويجي من المقرر أن يجتمع مجلس النواب اللبناني بعد غد لانتخاب رئيس للبنان، بعد أن انشغل العالم كله بهذه القضية، ابتداء من الدول الكبرى والأمين العام لمجلس الأمن، ومروراً بدول الجوار والمنطقة ومن بينها تركيا وسوريا ومصر، وصولا وانتهاء وابتداء بالطوائف والأحزاب والتجمعات والجماعات والتنظيمات. فلماذا يكتسب اختيار رئيس للبنان كل هذه الضجة والاهتمام؟ وماذا سيترتب على هذا الاختيار؟ رغم أن الرئيس اللبناني وفق الدستور لا يمتلك صلاحيات واسعة، شأنه شأن دول كثيرة، ورئيس الوزراء ورئيس المجلس النيابي هما من يديران الأمور ويتخذان القرار، وهذه الصلاحيات والتنازع عليها، ظلت مثار أخذ ورد بين رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري حتى آخر يوم في وزارته. حين نشبت حرب تموز/ يوليو في العام الماضي، صرحت كوندوليزا رايس أنها ترى بداية مخاض الشرق الأوسط الجديد يتشكل، وبنت موقفها على أن الكيان الصهيوني سيحسم المعركة ضد حزب الله، وبالتالي، سيتم نزع سلاح الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها، وسيوقع لبنان اتفاقية صلح مع الكيان الصهيوني، وستصبح الدولة العبرية محاطة بثلاث دول (صديقة)، تربطها علاقة جوار، وسيكون أمام سوريا خياران، الأول توقيع معاهدة صلح أو سلام مع الكيان الصهيوني، أو خوض حرب تكون نتيجتها هزيمة سوريا، كما حدث مع العراق، وبذلك يتم تحقيق الشرق الأوسط الجديد، الخالي من العداء للصهيونية ولوجود دولة الكيان العنصرية، وسيكون هذا الترتيب مقدمة لاعتراف من تبقى من الدول العربية بالكيان الصهيوني، وإقامة علاقات دبلوماسية، معلنا بداية التطبيع الشامل بين العرب وأعدائهم التاريخيين. إلا أن أحلام كوندوليزا رايس تكسرت فوق تراب الجنوب اللبناني وصخوره، الأمر الذي أدى إلى فشل فكرة الشرق الأوسط الجديد. هكذا نرى أهمية لبنان الحقيقية، بوابة السياسة الأمريكية نحو فرض حل في المنطقة لمصلحة الكيان الصهيوني، أما من يسد هذه البوابة فيتحول إلى عدو لأمريكا وإلى إرهابي من الطراز الأول. وعلينا ألا نفهم أننا نشير إلى المعسكر الآخر (تيار المستقبل) على أنه يسير في الركب الصهيوني أو الأمريكي، رغم أن النائب وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي أعلنها صراحة أنه يفخر بأن يكون جزءاً من المعسكر الأمريكي، ولكننا ننقل ما يقولون من أن لبنان دفع ضريبة باهظة من استقراره واقتصاده ومجتمعه في صراعه مع الكيان الصهيوني. وبعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وبيروت على الأخص، ظل التواجد السوري عميقاً ومكثفاً ومسيطراً، وكان يتحكم بصعود رئيس للبلاد وهبوط آخر، ومع خروج سوريا، عادت الأجواء والمنازعات من جديد، وعاد لبنان طائفياً قبلياً، ومن جهة أخرى، عاد مقسماً بين المقاومة الوطنية اللبنانية بزعامة حزب الله، الذي حرر الجنوب، وبين السلطة اللبنانية الرسمية، والمتحفظين من القوى المسيحية. هكذا تبدو الخريطة اللبنانية معقدة إلى درجة تحتاج إلى مقالات وصفحات وكتب للإحاطة بدهاليزها ومخارجها ومناطقها، لكن لا بد من القول إن صمود حزب الله خلال حرب تموز/ يوليو، قلب الموازين من جديد، إذ لم تكد صواريخ المقاومة تربض مكانها، ولم تكد الطائرات الصهيونية تتوقف عن نشر الموت والدمار، حتى خرجت أصوات تنتقد حزب الله وتحمله مسؤولية دمار البلد وكانت أشد تلك الأصوات قساوة صوت النائب وليد جنبلاط. وقد سبقت تصريحات جنبلاط تصريحات من دول عربية انتقدت ما قام به حزب الله من أسر وقتل للجنود الصهاينة، واعتبرته مغامرة غير مدروسة، الأمر الذي قسم الموقف العربي إلى مؤيد ومعارض ومتحفظ، ولكنه عاد فتوحد إعلاميا على الأقل، حين اجتمع وزراء خارجية الدول العربية في أثناء الحرب، ذاك الاجتماع الذي شهد دموع فؤاد السنيورة وهو يحث العرب للوقوف إلى جانب بلاده، مؤكدا انتماء لبنان للعروبة. من الصعوبة بمكان الحديث عن مشكلة انتخاب رئيس لجمهورية لبنان بمعزل عن هذه الأحداث، خاصة أن موقف الرئيس لحود كان داعما للمقاومة، وأمر الجيش للتصدي للعدوان، وتكبد الجيش شهداء كثيرين. ماذا لو لم يتم انتخاب رئيس جمهورية للبنان بعد غد الأربعاء، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني؟ هل ستدخل البلاد في فراغ دستوري؟ هل ستكون هناك حكومتان، باعتبار أن تيار المستقبل أو الموالاة سينتخبون رئيسا بطريقة (النصف زائداً واحداً)، وليس كما ينص الدستور بتوفر الثلثين؟ هل سيقدم الرئيس الحالي لحود على تشكيل حكومة جديدة لملء الفراغ؟ وباختصار، هل ستنشب حرب أهلية؟ وإلى أين يسير لبنان إذن؟ إنه سؤال مرتبط بالصراع العربي الصهيوني، وبالحل العادل لقضية الشعب الفلسطيني، وانسحاب أمريكا من العراق، ونزع فتيل الحرب بين إيران وأمريكا. ولكن، هل غزت أمريكا العراق، وقبله أفغانستان لتخرج منهما؟ نحن أمام معضلة تتجسد في انفراد قوة واحدة في العالم، أعطت الحق لنفسها، وبالقوة، لفرض سيطرتها على الكرة الأرضية، ويكفي هذا الإحساس والواقع، الذي تقاومه أكثر من دولة وأكثر من تنظيم، حتى تبقى الأمور على ما هي عليه. وهكذا يتحول لبنان إلى قضية دولية، أكبر من طوائفه وزعمائه، وأكبر من كل إعلامه، لأن الصراع الفعلي والحقيقي، هو صراع قوى عالمية تريد تقاسم النفوذ في المنطقة، ولبنان جزء من الكعكة الكبيرة. البعض يقول إن الحل يكمن بيد اللبنانيين، إلا أن الحل لو كان بيدهم لأقدموا عليه منذ وقت، ولكانوا قد اتفقوا، إلا أن التدخلات الخارجية تعوق هذا الحل، وبما أن التدخلات الخارجية لها مصالح إقليمية، فإن لبنان لن يستريح إلا بتحقيق العدل في المنطقة، وإعطاء الشعوب حق تقرير مصيرها، وحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، إلا أن دولة الكيان الصهيوني لن تعطي للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وهكذا، ندور في حلقة مفرغة إلى ما لا نهاية. عن صحيفة الخليج الاماراتية 19/11/2007