الأكراد بين الجغرافيا والتاريخ احمد عمرابي متى يدرك قادة كردستان العراق الفارق بين الثابت والمتغير، الثابت هو الجغرافيا.
والمتغير هو الحماية الأميركية للإقليم، أما على المستوى الأعم فإن على قيادات الشعب الكردي جميعاً أن هذا الشعب يتكون من أقليات موزعة على أربع دول تعتبر قوى إقليمية: العراق وتركيا وإيران وسوريا، وحتى إذا أخذنا في الحساب أن العراق خاضع حالياً لاحتلال أجنبي فإن هذا لا ينفي حقيقة أن العراق يمتلك مقومات قوة إقليمية قابلة لإعادة الإحياء في وقت ما في المستقبل.
الجغرافيا قضت بأن يكون كردستان العراق إقليماً مغلقاً لا يتواصل برياً مع العالم لأنه بلا منفذ بحري. ولذا فإن بقاء سكانه على قيد الحياة يعتمد على حسن نوايا قوتين إقليميتين عبر الحدود: تركيا من ناحية الغرب وإيران من ناحية الشرق.
ولكن يبدو أن قادة كردستان يرسمون استراتيجيتهم ليس على أساس الثابت وإنما على أساس المتغير. وهذا قصر نظر. فالولايات المتحدة يمكن أن ترفع في أي وقت راهن أو مستقبلي حمايتها للإقليم، إذا اقتضت مصالحها ذلك من خلال المتغيرات الإقليمية والدولية.
قصر النظر الكردي ليس أمراً مستحدثاً وإنما هو ضارب في التاريخ. فالسجلات التاريخية الكردية تحكي لنا أنه منذ أوائل القرن العشرين ظل القادة الأكراد يسمحون لأنفسهم بأن تكون قضيتهم أداة في لعبة القوى الإقليمية والدولية، لقد حشدوا قوتهم القتالية في صف «الحلفاء» إبان الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية الكردية اعتماداً على وعد من بريطانيا بأنها ستساعد بعد الحرب في إقامة دولة كردية كمكافأة لهم.
لكن سرعان ما نكصت بريطانيا عن وعدها، وتكررت القصة في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذه المرة لم يكتف البريطانيون بالحنث بل عمدوا إلى قمع الانتفاضة الكردية التي اندلعت في العراق كاحتجاج على بريطانيا. فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت أيضاً توترات واشتباكات بين العراق وإيران..
في عهد الشاه كما في عهد الخميني. وفي خضم الصراع احتاجت كل من الدولتين إلى تحريض الأقلية الكردية في كل منهما على الدولة الأخرى، فتجاوب أكراد العراق مع الشاه والخميني بينما تجاوب أكراد إيران مع الأنظمة العراقية الثورية.. من لدن عبدالكريم قاسم إلى صدام حسين.
أما على الصعيد الدولي فكان قادة الأكراد يتحالفون تارة مع الاتحاد السوفييتي وتارة مع الغرب.
هذا التذبذب هو النتيجة الطبيعية لغياب خط استراتيجي أيديولوجي بحيث ترسخ في أذهان العالم المعاصر أن الأقليات الكردية في بلدان الجوار الأربعة ليس لها هوية خصوصية.
إن الإيديولوجية الاستراتيجية الوحيدة المتاحة للقضية الكردية هي دون شك الإسلام، فالأكراد شعب مسلم، وإذا أخذنا بالثابت الجغرافي فإن الأقليات الكردية تعيش في محيط إسلامي، ولو تبنت الأقليات الكردية التوجه الإسلامي فإنها مع مرور الزمن لن تكون أقليات مضطهدة في كل من تركيا وإيران وسوريا لأنها سوف تندمج بالتدريج جيلاً بعد جيل في هذه المجتمعات الإسلامية، وجيلاً بعد جيل سوف تتلاشى اللغة الكردية مع تنشئة أجيال المستقبل على اللغة التركية القومية أو الفارسية أو العربية.
الجغرافيا ليست العامل الحاسم وحدها، هناك أيضاً التاريخ المشترك بين شعوب المنطقة بما في ذلك الشعب الكردي، ألا يستذكر كل من طالباني وبرزاني إذا أفصح عن ذات نفسه أن من قاد الأمة الإسلامية في القرن الثاني عشر الميلادي واسترد باسمها القدس وألحق هزيمة تاريخية حاسمة بقوات الحروب الصليبية الأوروبية هو مسلم كردي اسمه صلاح الدين الأيوبي؟ عن صحيفة البيان الاماراتية 3/11/2007