أتريدون الحرب يا زعماء لبنان؟ نسيم الخوري تخفي حفلات الحوارات والمصالحات في لبنان، الكثير من أحاديث التوجس والخوف والانفجار وتجدد القتال، حيث تبدو هذه الحفلات وكأنها خارجية المطلب أكثر مما هي في الداخل، لا بل مؤقتة وهشة. وتنشد الأنظار الى فتقٍ في الشمال اللبناني أو في عين الحلوة أو في البقاع، ولربما بين أنصار ساكني الروابي والتلال من زعماء الموارنة، حيث يعصى الحوار، بالرغم من العواصف الكثيرة السياسية والمالية التي تجعل الدول الكبرى لا دول المجموعات الصغيرة، تقفز هائمة على وجهها مثل العصافير في وجه عواصف عاتية لا تبقي ولا تذر. وذلك كله يجري في مناخ من التهديدات “الإسرائيلية" التي اكتوى اللبنانيون بجروحها التاريخية البليغة. إذاً! إذاً ليس لأحدٍ أن يصالح أحداً، ولا فسحة دولية بعد للتفكير في جنوننا. ليس لنا سوى الصراخ على زعمائنا في لبنان الهرولة نحو المصالحة النهائية حيث ينظر العالم الخارجي والأوروبي وحتى الأمريكي من أصل لبناني الينا كعش سويسري مبني في جدار لا فوق غصن شجرة حيث الأمان والاطمئنان. وإلاّ. وإلاّ ماذا؟ إقرأوا وتذكّروا أيها الزعماء اللبنانيون إذا كنتم قد نسيتم: 1 - حرب السنتين في لبنان (1975-1976) وهي قياسية بالأحداث القاسية والهجرات والضحايا والمعاقين. 2 - الاجتياح “الإسرائيلي" لجنوب لبنان (آذار- مارس 1978) وكذلك أحداث الشمال في حزيران - يونيو من العام نفسه. 3 - الاحتلال “الإسرائيلي" الذي تخطّى جنوبي لبنان بدءاً من 1982 وأدّى إلى تدمير بيروتالغربية وضاحيتها الجنوبية حيث تمّ حصارهما واجتيحت العاصمة بيروت، مما خلّف تدميراً هائلاً وصل الى قصر بعبدا!". 4 - حرب الجبل وهي الأحداث التي بلغت ذروتها في (9 - 14 سبتمبر/أيلول 1983) وعمّت مناطق الشوف وعاليه وبعبدا والمتن، وقد أدّت إلى هجرات قسرية كبيرة، وتعتبر من أهم المحطات وأضخمها في خريطة الانهيار حيث وقعت أحداث الشحّار الغربي. 5 - موجة عنف شتاء 1984 وعرفت تهجيراً جماعياً واسعاً من مناطق الضاحية الجنوبية ورأس النبع بالإضافة إلى التدمير الواسع. 6 - أحداث شرقي صيدا في 26 نيسان - ابريل 1985 وخصوصاً في قرى صيدا وساحل جزين، ثم في 28 نيسان - ابريل من العام نفسه في إقليمالخروب حيث وقعت الأحداث في ما تبقى من قرى الشوف. 7 - حرب الضاحية وهي الأحداث التي امتدت من 6 شباط - فبراير 1984 حتى 1988 وشملت مناطق الضاحية الجنوبية وغربي بيروت. 8 - حروب المخيمات: وهي الأحداث التي نشبت في نيسان - ابريل 1986 بين بعض الفصائل الفلسطينية من جهة، وحركة “أمل" وحلفائها من جهة أخرى. 9 - “حرب التحرير" التي أُطلقها الجنرال عون في آذار - مارس 1989 وأدت بدورها إلى انهيارات وموجات تدمير وتهجير كبيرة لسكان غربي بيروت. 10- “حرب الإلغاء" بين الجنرال عون والدكتور سمير جعجع (شباط - فبراير 1990) والتي كانت محطة فاصلة في تدمير وهجرات واسعة في إطار شرقي بيروت لم يشف من جروحها المسيحيون حتى الآن. 11- لازم الانهيار والتدمير في الجنوب التاريخ اللبناني المعاصر وخصوصاً بعد هزيمة العرب في حرب حزيران - يونيو ،1967 وتُعتبر هذه المحطة من أطول و"أعرق" المحطات في تدمير الجنوبيين وتهجيرهم نتيجة الاعتداءات “الاسرائيليّة" التي ما انقطعت يوماً، وهي محطة كانت ولا تزال في أساس الصراعات المحلية وتنافر المواقف والأعمال الحزبية التي تبقي الصراع مفتوحاً على أشكال التدمير، ورسم هوية المستقبل اللبناني. 12- وإذا شكّل مسلسل التدمير في الجنوب غلاف ملف هذه المحطات الواسعة حيث سبق تاريخ الحروب اللبنانية في الزمان والمكان وتجاوزها، فإن المحطة الأخيرة تتمثل بالمعارك العسكرية المتنقلة وحلقات الاغتيال والتدمير التي طاولت اللبنانيين في رموزهم الممثلة للسلطات كافة. جاءت هذه المحطة تتوزع، إذاً على مختلف المحطات المذكورة تملأ “الفراغات" بما يناسب تركيز الساحة اللبنانية ليكتمل عقدها المتداعي خلال هذه السنين الطويلة وبشكل خاص في 13 يوليو/تموز 2006 من القصف “الإسرائيلي" المركّز على الجنوب والبقاع الذي لم يتمكن لبنان بعد من مسح نتائجه الجسدية وشروخه النفسية والإقليمية بالكامل رغم مناخ الانتصار. نعصرهذه المحطات ملف الحروب ونصفّيها ونقدمها كوباً مرّاً الى زعمائنا، لنبرز حجم الكارثة البشرية التي حصدت الآلاف، وهدّمت حضارة وخربت بلداً من بلدان المتوسط الراقية، وكلّفت إعادة إعماره مليارات الدولارات وخطاب منقسم ومتوتر في المديونية العامة. وتتناقض الأرقام في هذا المجال. فبينما نرى مثلاً أن “مسلسل العنف في لبنان بالتراشق بالقذائف المدفعيّة والصاروخيّة، ثم التحوّل إلى القصف العشوائي والتصفيات الطائفية والاغتيالات قد حصدت 147240 قتيلاً و405138 جريحاً و17415 مفقوداً و13968 مخطوفاً و13455 معاقاً بين 13 نيسان/ابريل 1975 وأواخر ،1991 وهي أرقام لا يدخل فيها عدد القتلى الذين سقطوا في المخيّمات الفلسطينية، ولا تدخل فيها آثار الغارات “الإسرائيلية" على المخيمات الفلسطينية، ولا غارات الطيران الحربي الفرنسي على مواقع حركة “أمل الاسلامية"، و"الحرس الثوري الإيراني" في “بوداي" في البقاع وغيرها.. كما حصدت أعمال تفجير 3741 سيارة و5386 قتيلاً و7784 جريحاً... الخ"، نرى من ناحية أخرى، وفي دراسة شاملة صدرت باللغة الفرنسيّة أن نتائج الحروب اللبنانية جاءت على الشكل التالي: 71328 قتيلاً أي 7.2 في المائة من اللبنانيين و97144 جريحاً، أي أربعة في المائة، و9627 مقيماً أي بنسبة 36.0 في المائة من اللبنانيين، و19860 مخطوفاً أي بنسبة 75.0 في المائة منهم، بينما نرى في دراسة ثالثة أن الحروب قد أودت بحياة “مائة وخمسة وعشرين ألف شخص". يُضاف إلى هذه الأرقام 750 ألف مهجر ومليون ونصف مهاجر في الفترة ما بين 1975 - ،2006 أو في نظرة ثانية 360.125 أسرة مهجرة توصلنا إلى 980.680 نسمة مقابل 860.617 عدد الأسر المقيمة في لبنان من مجموع السكان المقدر ب000.061.3 نسمة. وتذهب الدراسات إلى القول بأن اثنين من ثلاثة من اللبنانيين اقتلعوا لمرّة واحدة على الأقل من أماكنهم، بينما حصرت وزارة المهجرين العدد ب604.355 مهجّرين. لا يتضح كلام مترجرج من هذا الوزن إلا إذا عرفنا أن 192 قرية وبلدة متوزعة على المناطق اللبنانية كافةً قد دمّرت وهجر أهلوها، بالاضافة الى بيروت الكبرى عاصمة التدمير حيث انهيارات الطوائف كلها. وهذا الرقم هو بالطبع خارج العدد الذي يصل إلى 374 قرية جنوبية قصفت بالكامل من أصل 461 قرية هو مجموع قرى الجنوب ومزارعه أي بنسبة اجمالية 12.81 في المائة. معجزة أن نجد وطناً اسمه لبنان بعد كل هذا. تريدون الحرب إذاً؟ اركضوا اليها ولكن اشربوا هذا النص قبل وتذكروا. عن صحيفة الخليج الاماراتية 20/10/2008