دول آسيا الوسطى والخيار الخطير كولين وليامسون كان من الممتع متابعة الأزمة بين روسيا وجورجيا من آسيا الوسطى. فقادة دول المنطقة قابلوا الحملة العسكرية الروسية بصمت مطبق، ففي طاجيكستان لم يقدم التليفزيون الحكومي أية معلومات، بقية محطات التلفزة التابعة للحكومات كانت تغطيتها محدودة للغاية ولم تقدم سوى رؤوس أقلام لا تسمن ولا تغني من جوع إلا من بعض التعليقات الخفيفة والسريعة، أما الصحف، فكانت مختلفة الى حد ما حيث نشرت بعض التعليقات وكان بعضها مؤيدا وبعضها معاديا لروسيا. خلف هذا الصمت كان هناك قلق حقيقي ان لم نقل خوفا بسبب ما قد تحمله هذه الأزمة من تداعيات على استقرار هذا الاقليم ذي الأهمية الاستراتيجية الحيوية. فقادة آسيا الوسطى يخشون ان يأتي يوم يتوجب فيه تقرير الاختيار بين روسيا والغرب وهو اختيار يتمنون ألا يحدث أبدا، فالانطواء تحت النفوذ الروسي يحمل في طياته الكثير من الخسائر لهذه الدول من الناحية الجيوسياسية. هناك تعليقات مختلفة ومختلطة تصدر عن المواطنين العاديين في المنطقة، فمن جهة هناك تخوف من حدوث تدخل عسكري روسي من أجل الدفاع عن الاقليات الروسية المقيمة في الخارج. كان من السهل على قادة دول آسيا الوسطى ان يبقوا أنفسهم على مسافة من المشاكل الناجمة عن النزاع الروسي الجورجي، حيث ان حكومات هذه البلدان مثلها مثل روسيا نظرت للثورة الوردية في جورجيا على أنها تشكل تهديدا مباشرا للاستقرار الداخلي فيها. منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم في عضويتها كلا من روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغزستان واوزبكستان بالاضافة الى ايران ومنغوليا وباكستان والهند كمراقبين اعطت روسيا دعما «ناعما» ولكنها لم تتبن قضية الاعتراف بابخازيا واوسيتيا الجنوبية وكانت روسيا ترغب في استخدام منظمة شنغهاي كأداة لابراز تعاطف دولها مع الموقف الروسي مقابل موقف الاتحاد الأوروبي الذي كان ينظر في امر تطبيق عقوبات على روسيا. الكثير من المعلقين والمحللين يرون ان روسيا ستصبح اكثر شدة في التعامل مع دول آسيا الوسطى وربما يصبح مؤتمر منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي تحالف عسكري يضم روسيا وطاجيكستان وكازاخستان قيرغزستان وازوبكستان وارمينيا وروسياالبيضاء فرصة لتقول روسيا لهذه الدول «اما ان تكونوا معنا أو تكونوا ضدنا». تحاول دول آسيا الوسطى ان تتلمس طريقها وسط هذا الظلام الدامس وهو امر ليس بالسهل كون معظم هذه الدول تحتفظ بعلاقات ليست على ما يرام فيما بينها. وتنظر بعض هذه الدول للازمة على انها تشكل فرصة لتقوية مركزها التفاوضي مع روسيا. فطاجيكستان على سبيل المثال ترغب في جلب استثمارات روسية لمحطة براغون لتوليد الطاقة دون اعطاء روسيا اي مزايا تمكنها من السيطرة، كما ان قيرغزستان بحاجة ماسة للحصول على مساعدات اقتصادية من روسيا .دول اخرى تحاول اصلاح علاقاتها مع الغرب. وفي الوقت الذي تشهد العلاقات الروسية والأوروبية المزيد من التوتر فإن بامكان كزاخستان التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو وجوريجا ان تلعب دورا ايجابيا كونها مقبولة من الجميع وغني عن القول ان كازاخستان تعد أكبر الخاسرين في المنطقة اذا ما اطلت الحرب الباردة برأسها من جديد ليس بالضرورة ان تنجح مثل هذه المساعي ولكن هناك فرصة تاريخية لتقليل التوتر وهو امر يستحق عناء المحاولة. الغرب يشعر الآن بقلق من أن موسكو تعتزم مراجعة الجغرافيا السياسية للدول المجاورة لها ويأتي على رأسها اوكرانيا وهناك قاعدة عسكرية بحرية روسية ضخمة في شبه جزيرة القرم في البحر الأسود التي تتبع اوكرانيا ويحتل هذا الموضوع اهمية خاصة بالنسبة لروسيا. العلاقات الأوكرانية مع موسكو في حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي سادها التوتر كما هو حال العلاقات الروسية الجورجية خاصة منذ تفجر الثورة البرتقالية في 2004 التي جلبت للسلطة حكومة الرئيس فيكتور يوشنكو الموالية للغرب والتي تسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي والناتو. مثل هذه المحاولات لا تلقى سوى الوجوم في موسكو التي ازداد موقفها تصلبا بعد النجاح الذي حققته في الأزمة الجورجية. الآن بدأ الكرملين بتركيز بصره على القرم التي تحتفظ فيها روسيا بقاعدة عسكرية ذات أهمية استراتيجية كونها توفر لموسكو المنفذ الوحيد المؤدي الى مياه البحر الأبيض المتوسط. استأجرت روسيا هذه القاعدة من اوكرانيا حتي عام 2017، ولكن تفكر حكومة يوشنكو في تمزيق تلك الاتفاقية بعد ان اقدمت سفن البحرية الروسية على مهاجمة المواقع الجورجية انطلاقا من القاعدة الروسية في القرم. ويحذر الغرب اوكرانيا الآن من مغبة الوقوع في الفخ الروسي الذي سبق ان نصب لجورجيا وعانت منه الأمرين لاحقا. القيادة الأوكرانية تبدو متشددة ولا تخشى التهديدات الروسية أو التدخل الروسي، وتبدو مندفعة لبدء قتال مع موسكو من خلال فرض قيود على تحركات الاسطول الروسي من وإلى القاعدة العسكرية البحرية في سفيستابول. في هذه الأثناء ينشغل المسؤولون الروس في القرم بتسليم أبناء المنطقة جوازات سفر روسية حتى يتحولوا لمواطنين روس بما يعطي الذريعة لموسكو للتدخل لحماية مواطنيها هناك. على يوشنكو ان يتعقل وان يدرك جيدا ان آخر شيء يتمناه الغرب الآن هو حرب جديدة في القرم. عن صحيفة الوطن القطرية 20/10/2008