الحوار الروسي الإسرائيلي تحكمه علاقات مأزومة جانا بوريسوفنا في أعقاب زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت إلى موسكو ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،توجه مبعوثان من العاصمة الروسية وهما الكسندر سلطانوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي وموفد وزير الخارجية الروسي سيرغي ياكوفليف إلى الشرق الأوسط للمشاركة في الإعداد للاجتماع الدولي المزمع عقده في مدينة أنابوليس الأميركية خريف هذا العام.
إلا أن هذا لا يعني أن حكومة إسرائيل ترى أن الدور الروسي في تسوية أزمات الشرق الأوسط أساسي أو مفتاحي، وإنما يتركز اهتمام تل أبيب على تعاون موسكو النووي مع طهران،حيث يسيطر اعتقاد على الأوساط السياسية الإسرائيلية أن النظام الإيراني يهدد أمن ومصالح إسرائيل في المنطقة، خلافا لما كان عليه الحال في عهد شاه إيران.
ويذهب العديد من المحللين الروس إلى أن القلق الاسرائيلى يعود إلى تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، المدعوم بثروة نفطية هائلة تمكن طهران من التواجد بشكل مؤثر، ويمنحها الإمكانية لتحجيم إسرائيل وتقليص نفوذها في المنطقة، ما يجعل هؤلاء الخبراء يعتقدون أن الصراع بين طهران وتل أبيب يقوم على أساس مطامح قومية في التحكم بثروات المنطقة.
ومما لاشك فيه أن امتلاك إيران للتقنية النووية وتوفر الإمكانات لديها لتصنيع القنبلة الذرية يضعف القوة العسكرية الإسرائيلية التي تعتبر القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، ومنتجة السلاح الوحيد في المنطقة.
ويأتي هذا الاهتمام الاسرائيلى بعد أيام من زيارة بوتين إلى طهران، وتصريحاته التي أدلى بها في إيران حول عزم موسكو على مواصلة التعاون مع الحكومة الإيرانية، وتوقيع عقد يتم بموجبه تزويد سلاح الجو الإيراني بخمسين محرك توربيني نفاث من طراز«ر د-33»(يستخدم في مقاتلات «ميغ-29» الروسية الصنع) سيتم تركيبها على مقاتلات-قاذفات من الصنع المحلي من طراز«آذرخش» (البرق).
وذلك بعد أن تم توريد29 نظاما صاروخيا ذا المدى القريب للدفاع الجوي من طراز «تور-م 1» بقيمة إجمالية تبلغ 800 مليون دولار إلى القوات الإيرانية.
وبالرغم من إصرار روسيا على بناء توازن في علاقاتها مع إسرائيل والدول العربية، بهدف قيامها بوساطة ناجحة في إطار الجهود المبذولة لإيجاد تسوية سلمية لأزمة الشرق الأوسط، إلا ان حكومات تل أبيب لم تحترم الموقف الروسي المقبل عليها والساعي إلى إقامة علاقات جيدة معها.
وأصبحت ملجأ لخصوم الحكومة الروسية ورجال المافيا الهاربين من أحكام بالسجن في روسيا بسبب تورطهم في قضايا الفساد ونهب المال العام.
لقد حصل لونيد نفزين احد اكبر الشركاء في يوكوس ومجموعة مينا تيب المالية على الجنسية الإسرائيلية قبل أن تهبط الطائرة التي نقلته إلى إسرائيل، في نفس الوقت الذي كان بوتين يستقبل فيه شارون.
واستقبلت إسرائيل رئيس المؤتمر اليهودي الروسي فلاديمير جوسينسكي الذى أسس إمبراطورية إعلامية تملك قناة «إن تي في» و«تي إن تي» إضافة إلى عدد من الصحف أبرزها صحيفة سيفودنيا ومجلة ايتوغي ومحطة إذاعة صدى موسكو، وهرب من موسكو بعد أن اتهم بنهب البنوك والمال العام.
ووجد المليونير الروسي-الاسرائيلى الهارب بوريس بيريزوفسكي المستقر الآمن لأسرته وله أحيانا في إسرائيل، بعد أن غادر روسيا هاربا من اتهام موجه له بنهب المال واختلاس أموال الدولة، إضافة لاتهامات بتورطه في تأجيج الأزمة الشيشانية عبر تمويل مجموعات باساييف.
واتخذ بيريزوفسكي من لندن مقرا لممارسة عمله التجاري والسياسي، وأعلن من هناك دعوته لإسقاط نظام بوتين بالقوة.بل وقام بتمويل يوشينكو الرئيس الأوكراني الحالي في ثورته البرتقالية الموجهة ضد أنصار روسيا من السياسيين الأوكرانيين.وما أن يشعر المليونير الهارب بالخطر يسارع إلى إسرائيل حيث يصعب على أجهزة الأمن الروسية والأنتربول اعتقاله.
وأكثر من هذا تشن تل أبيب حملات منتظمة ضد روسيا بهدف إيقاف تعاونها العسكري مع دول المنطقة وتحديدا مع سوريا والسلطة الفلسطينية،وترتكب تجاوزات في هذه الحملات تصل لمرحلة توجيه اتهامات كاذبة لروسيا بانتهاك المواثيق الدولية والاتفاقات الخاصة بتجارة الأسلحة والمعدات العسكرية (على سبيل المثال اتهام روسيا بتوريد منظومات صاروخية لسوريا يتم تسليمها حزب الله).
ناهيك عن عمليات الابتزاز التي تمارسها القيادات الإسرائيلية بحق الكرملين حول حقوق اليهود الروس وما تعتبره معاداة للسامية في روسيا،وكأن اليهود الروس جالية مستقلة وليسوا طائفة من مجموع طوائف الشعب الروسي المتعدد الأديان والقوميات.
ولعل اليهود الروس يحظون بحضور في مختلف مجالات العمل ليس له مثيل في اوروبا الغربية وربما في الولاياتالمتحدة. حيث تولى عدد منهم رئاسة الحكومة والعديد من المناصب الوزارية، ويتزعم البعض الأخر عدد من الحركات السياسية والكتل البرلمانية.
إلا ان القيادات الإسرائيلية تحت مزاعم تنامي معاداة السامية في روسيا تحاول سنويا اجتذاب اليهود الروس للهجرة إلى إسرائيل، ويكشف واقع الأمور أن ما يحدث هو العكس تماما،حيث عاد من إسرائيل عشرات الآلاف من اليهود الروس الذين هاجروا اليها في الثمانينيات من القرن الماضي بعد أن عانوا من شظف العيش والتمييز العرقي.
لقد تحولت زيارات المسؤولين الاسرائيليين إلى موسكو من لقاءات لمناقشة مشروعات للتعاون وبحث سبل تسوية أزمات المنطقة،إلى لقاءات تبلغ فيها حكومات تل أبيب تحذيرات وإنذارات للكرملين بضرورة التراجع عن سياساته تجاه إيران أو سوريا أو اى ملف تعتقد إسرائيل او يرى الغرب انه يضر بمصالحهما، وأصبحت إسرائيل بذلك اداة إضافية للضغط على الكرملين،يستبق قادتها زياراتهم إلى موسكو بتصريحات تحمل نبرة التهديد وتطالب موسكو بالتراجع عن سياساتها.
لذا كان من الطبيعي ان تعانى علاقات روسيا مع إسرائيل من برود وتراجع واضح المعالم،خاصة بعد أن استقبلت موسكو قيادات حماس في زيارة رسمية منذ عامين، لأن إسرائيل ترفض تفعيل وتوسيع الدور الروسي في التسوية الشرق أوسطية، بل ولا تريد أن ترى في مساعي روسيا لحل الأزمة وحرصها على استئناف الحوار محاولة نحو التوصل إلى تسوية. وإنما تريد خنق التسوية،وعزل روسيا عن المنطقة. عن صحيفة البيان الاماراتية 27/10/2007