من المقرر أن يتضمن جدول القمة الروسية الامريكية التي تبدأ اعمالها هذا الاسبوع بين الرئيسين ميدفيديف واوباما مناقشة سبل تطوير العلاقات الثنائية وفي مقدمتها المسائل الاقتصادية. ورفع الحظر المفروض علي الصا درات الامريكية من التكنولوجيا العالية وما وصلت اليه جهود حفز كل من الكونجرس الامريكي ومجلس الدوما الروسي للتصديق علي معاهدة الحد من الاسلحة الاستراتيجية الي جانب الاوضاع في قيرغيزيا, التي حذر ميدفيديف من تدهورها وفق سيناريو افغانستان في عهد طالبان مما يهدد استقرار اسيا الوسطي. غير ان هناك من يقول باولويات اخري لهذه القمة وهو ملف البرنامج النووي الايراني, وبالرغم من وضوح الاستراتيجيتين الامريكية والاسرائيلية وتاكيدهما ضرورة الحيلولة دون اية امكانيات لتطوير البرنامج النووي سلميا كان او عسكريا وإن اشارتا علي مضض الي موافقة مشروطة لتنفيذ الشق السلمي منه تحت رعاية مباشرة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية فان مواقف موسكو تباينت بقدر تباين توجهات وقدرات' ساكني' الكرملين. فاذا كانت سياسات الرئيس الاسبق بوريس يلتسين اتسمت بقدر هائل من' المرونة' تحت وطأة الضغط الامريكي بمساندة اسرائيلية اعتمدت في معظمها علي تصاعد قوي اللوبي اليهودي في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما شهدته من انهيار شمل الكثير من مناحي الحياة وفي مقدمتها الاوضاع الاقتصادية والامنية فان الرئيس السابق فلاديمير بوتين حرص ومنذ جاء الي سدة الحكم في الكرملين علي تاكيد استقلالية القرار الروسي الذي اعتمد بالدرجة الاولي علي متغيرات الاوضاع في الساحتين الداخلية والخارجية دون ما يشير الي التزامه بسياسات سلفه. وفي هذا السياق بدأ بوتين ملاحقة اذناب اللوبي اليهودي المتمثل في زعيم الامبراطورية الاعلامية فلاديمير جوسينسكي رئيس المؤتمر اليهودي الروسي الذي لاذ بالفرار الي اسرائيل وقرينه بوريس بيريزوفسكي الذي لجأ الي بريطانيا وميخائيل خودوركوفسكي امبراطور النفط الذي يقضي عقوبة السجن في غياهب سيبيريا. واذا كان بوتين ابدي قدرا من المرونة في اتجاه مواقف واشنطن بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر2001 تحسبا لتحقيق اهداف داخلية منها اجتثاث جذور الارهاب في الشيشان الا انه بدا شديد الحرص علي عدم التفريط في ثوابت واستقلالية الموقف الروسي. ولذا فقد ظل رافضا لكل محاولات واشنطن واللوبي اليهودي التي استهدفت استمالته الي محور العقوبات ضد ايران. علي ان المتابع لسياسات موسكو خلال سنوات الولاية الثانية لبوتين يستطيع ان يرصد بعض المتغيرات التي طرات علي الموقف الروسي ومنها التلويح باحتمالات انضمام موسكو الي العقوبات بعد ان سئمت من مناورات الرئيس الايراني احمدي نجادي. ومع ذلك فقد ظلت موسكو تعلي المصلحة' العامة' بعيدا عن الانضمام الي ما من شانه فرض العقوبات الشديدة ضد ايران. وكان بوتين اكد غير مرة ان سياسات العقوبات لم تسفر يوما عن الغرض المرجو منها وضرب مثالا علي ذلك بالعراق. وجاءت السياسات الطائشة للادارة الامريكية السابقة لتدفع موسكو قسرا الي الاتجاه المعاكس الرافض لاي تعاون علي حساب الشرعية الدولية وبعيدا عن غطاء مجلس الامن ما يفسر جنوحها نحو استعادة زخم علاقاتها مع بلدان الاتحاد الاوروبي مدعومة بعلاقات متوازنة مع كل من الصين والهند في محاولة لخلق توازن مضاد للهيمنة الامريكية. كل هذه المفردات تحدد بدرجة كبيرة ملامح موقف موسكو من ملف البرنامج النووي الايراني في مباحثات الرئيسين ميدفيديف وأوباما من منظور المصالح الخاصة التي ثمة ما يشير الي اعتبارها ورقة للمقايضة وتعويض الخسائر التي قد تلحق بموسكو كما فعلت مؤخرا حين اعلنت الشئ ونقيضه حول موضوع امداد ايران بالمنظومات الصاروخية' اس300' وهو ما كتبنا عنه الاسبوع الماضي. وكان ميدفيديف قد كشف عن بعض ابعاد هذا الموضوع في حديثه الي' وول ستريت جورنال' قبيل سفره الي الولاياتالمتحدة بقوله ان العقوبات الاحادية الجانب علي ايران قد تزيد من تردي الاوضاع وتلحق ضررا جسيما بالحوار مع ايران. وانتقد ميدفيديف الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي بسبب اقرارهما مجموعة من العقوبات احادية الجانب ضد ايران مشيرا الي ان الامر لم تتم مناقشته اثناء صياغة مشروع القرار الاخير في مجلس الامن. واعرب نائب وزير خارجيته سيرجي ريابكوف عن خيبة الامل بسبب عدم استجابة واشنطن وبلدان الاتحاد الاوروبي لمناشدة موسكو حول الامتناع عن مثل هذه الخطوات. واذ قال انه لا يستبعد ان يكون في البرنامج النووي الايراني ما يتسم بالصفة العسكرية اعلن ميدفيديف عن ان حصول ايران علي الاسلحة النووية يمكن ان يكون مشكلة كبيرة بالنسبة لبلدان الشرق الاوسط حيث سيؤدي الي تصاعد المحاولات من جانب دول اخري في المنطقة لصناعة القنبلة النووية علي حد قوله. واكد ضرورة الاجماع في اتخاذ قرارات العقوبات مشيرا الي ضرورة الا تلحق العقوبات الاضرار بالايرانيين البسطاء حسب تعبيره. والي جانب القضية الايرانية يظل التصديق علي معاهدة الحد من الاسلحة الاستراتيجية' ستارت2' هاجسا يؤرق كلا من الكرملين والبيت الابيض. واذا كان الكرملين علي يقين من تصديق مجلس الدوما علي المعاهدة استنادا الي اغلبية دستورية للحزب الحاكم فان ثمة ما يشير الي قلقه وقلق الرئيس الامريكي من احتمالات وقوف الكونجرس ضد اقرار هذه المعاهدة. وكانت مصادر امريكية نقلت عن وزير الدفاع روبرت جيتس قوله ان بلاده سوف تنشر في اوروبا الصواريخ المضادة القادرة علي اسقاط اي صواريخ باليستية عابرة للقارات ويمكن لموسكو ان تفكر كما يحلو لها مما يعني ضمنا ان الاتفاق حول هذا الموضوع لا يحمل صفة القطع وان التصديق عليها في آن واحد كما اتفق ميدفيديف مع اوباما لا يزال في مهب الرياح. اما عن عن قضايا الوضع الدولي والمشاكل الاقليمية ومنها الشرق الاوسط فلا احد يستطيع الجزم بانها ستلقي الوقت الكافي بسبب تراجع مواقعها في جدول اولويات الطرفين مما يؤكد ان الحديث عنها لن يخرج عن العموميات والتوصيات.