كم ستكلف اللبنانيين زيارة ميشال عون لإيران؟ خيرالله خيرالله طبيعي أن يزور أي سياسي لبناني أكان صغيراً أو كبيراً، مهما أو غير مهم هذه الدولة أو تلك. تساعد الزيارات في توسيع الأفق، هذا في حال كان هناك أفق أصلاً، وجعل هذا السياسي أو ذاك يستوعب بطريقة أفضل ما يدور في المنطقة. ما هو غير طبيعي أن يعتبر أحدهم زيارته بمثابة تأكيد لوجود محور إيراني - سوري مطلوب من لبنان أن يكون جزءاً لا يتجزأ منه، أي «ساحة» لهذا المحور. ما تستهدفه زيارة النائب ميشال عون لطهران في هذا التوقيت بالذات السعي إلى تكريس لبنان «الساحة» بدلاً من لبنان الوطن ولبنان الدولة ولبنان المجتمع المنفتح المرتبط بكل ما هو حضاري بعيداً عن أي نوع من التعصب والمذهبية والتزمت... ما يسعى إليه عون وما أكدته تصريحاته أن لبنان يجب أن يكون امتداداً للمحور المذكور في وجه محور آخر. متى كانت للبنان أي مصلحة في سياسة المحاور؟ ألم يدفع اللبنانيون على رأسهم أبناء الطوائف المسيحية ما يكفي من أثمان بسبب لعبة المحاور والتجاذبات الإقليمية؟ قبل كل شيء، لا بد من ملاحظة أن توقيت زيارة ميشال عون لطهران لم يأتِ من قبيل الصدفة. حدد التوقيت «حزب الله» الذي أراد من الجنرال البرتقالي الاحتفال من طهران بالذكرى الثامنة عشرة لدخول القوات السورية إلى القصر الجمهوري في بعبدا ومقر وزارة الدفاع في اليرزة. يؤكد وجود ميشال عون في طهران، في هذا التاريخ بالذات، أي اليوم الواقع فيه الثالث عشر من أكتوبر، أن الرجل لم يتغير وأن تصرفاته بين العامين 1988 و1990، حين كان في قصر بعبدا استهدفت في نهاية المطاف تسليم المناطق المسيحية إلى السوريين كي يفرضوا نظام الوصاية على كل شبر من الأرض اللبنانية. كان الرضيع يعرف بين العامين 1988 و1990 أن الأمل الوحيد لخلاص لبنان يكمن في الابتعاد عن المحاور الإقليمية والسعي إلى لملمة الأوضاع الداخلية بعيداً عن أي تشنج من أي نوع كان. ولذلك، كان «اتفاق الطائف» يمثل في تلك المرحلة خشبة الخلاص. كان الرهان على صدّام حسين وياسر عرفات في تلك المرحلة، وحتى قبل إقدام الرئيس العراقي الراحل على مغامرته المجنونة عندما احتل الكويت صيف العام 1990، بمثابة انتحار ليس إلاّ. لا بدّ للمرء أن يكون موتوراً كي يبقى في قصر بعبدا بدلاً من تسليمه إلى الرئيس المنتخب رينيه معوض والرهان على دعم من صدام وأبوعمار. كان الرئيس العراقي وقتذاك على رأس نظام منهك بعد حرب مع إيران استمرت ثماني سنوات، في حين كان الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني يعاني من شبه حصار سياسي ومالي جعله يركز على كيفية إيجاد ثغرة يتسلل منها إلى حوار ما مع الولاياتالمتحدة. من كان يعتقد أن في استطاعة ياسر عرفات في تلك المرحلة مساعدة ميشال عون في «حرب التحرير» التي شنها، لا يعرف شيئاً لا في السياسة ولا الاقتصاد ولا في الشأن الإقليمي ولا في ما آلت إليه القضية الفلسطينية. كان همّ ياسر عرفات محصوراً في تلك المرحلة في كيفية توظيف انتفاضة الحجارة سياسياً، نظراً إلى أنه لا يؤمن بشيء اسمه «انتفاضة من أجل الانتفاضة»، على حد تعبيره في مجالسه الخاصة. لم يكن لبنان هماً من همومه الأساسية. هذا ما لم يدركه عقل قاصر مثل عقل ميشال عون! ما لا بدّ من الإشارة إليه أيضاً أن التوقيت لا يمكن فصله عن الزيارة التي قام بها الرئيس ميشال سليمان للسعودية. إنه يدل على مدى تضايق ميشال عون من رئيس الجمهورية وانزعاجه من قدرته على التحرك في كل الاتجاهات. جاءت زيارة السعودية بعد زيارات لكل من فرنسا وسورية ودولة قطر والولاياتالمتحدة ومقر الأممالمتحدة في نيويورك. وليس بعيداً اليوم الذي سيذهب فيه الرئيس اللبناني إلى مصر وحتى إيران. ميشال سليمان يتصرف بطريقة طبيعية، أقله إلى الآن، والواضح أنه يدرك معنى أن يكون لبنان على علاقة طيبة بكل دول المنطقة وألا يكون لبنان محسوباً على هذا المحور أو ذاك. في كل الأحوال، تبقى لزيارة ميشال عون لإيران فائدة كبيرة. تتمثل الفائدة في أن ميشال عون لا يراهن سوى على الخاسرين. لكنه لا يعرف كيف يخسر ولذلك لا يعرف كيف يربح. من راهن في الماضي على صدّام حسين وياسر عرفات يهبّان لنجدته، لابدّ أن يخسر عندما يراهن على نظام ينظر إلى لبنان ك«ساحة»، نظام لا هدف له سوى الانفتاح على الولاياتالمتحدة وعقد صفقة معها على حساب كل ما هو عربي في المنطقة... أكان ذلك في لبنان أو فلسطين أو العراق أو منطقة الخليج حيث تحتل إيران الجزر الإماراتية الثلاث منذ العام 1971 وترفض أي تفاوض في شأنها، كما ترفض حتى اللجوء إلى التحكيم الدولي أو محكمة العدل الدولية! لم تكن رهانات ميشال عون يوماً رابحة. لكن المشكلة أن لبنان واللبنانيين دفعوا دائماً ثمن هذه الرهانات. دفعوا من دم أبنائهم ومستقبل الأجيال الشابة ومن مستقبل بلدهم؟ لو لم يكن الأمر كذلك، هل يستطيع ميشال عون الإجابة عن أي سؤال من الأسئلة الآتية: ما علاقة لبنان واللبنانيين بنظام لا همّ له سوى نشر فكر مذهبي متخلف في بلد مثل لبنان حيث العيش المشترك في أساس وجود البلد؟ ما علاقة لبنان واللبنانيين بنظام يسلح ميليشيا مذهبية في لبنان ويمولها، ميليشيا تسمح لنفسها بغزو بيروت والجبل والاعتداء على الجيش اللبناني وإثارة النعرات الطائفية؟ ما علاقة لبنان ببلد يسعى إلى نشر البؤس فيه كي تزداد سطوته على إحدى طوائفه الكبيرة؟ ما علاقة لبنان بنظام مرفوض من شعبه، خصوصاً من الفئات الواعية فيه التي تعتبر «ولاية الفقيه» مجرد وسيلة لفرض ديكتاتورية الملالي على بلد ذي حضارة عظيمة قديمة قدم التاريخ...؟ لا حاجة إلى تأكيد أن رهان ميشال عون على إيران ونظامها رهان خاسر. السؤال ما الثمن الذي سيدفعه لبنان وأهله والمسيحيون تحديداً جراء الرهان الجديد لجنرال برتبة مهرّج أو مهرّج برتبة جنرال لا فارق. إنه جنرال يبرر الاغتيالات في لبنان ويبرر اغتيال ميليشيا لضابط في الجيش اللبناني اسمه سامر حنا. ما الذي يمكن توقّعه من شخص يبرر اغتيال النقيب سامر حنا ويقبل الاستفادة من جريمة اغتيال بيار أمين الجميّل؟ ما الذي يمكن توقعه من شخص يتعاطى مع دولة ترفض التعاطي مع مؤسسات الدولة اللبنانية وتصر على تجاوزها... دولة ترسل السلاح المذهبي إلى لبنان بحجة مواجهة إسرائيل، في ما تقدم أكبر خدمة لإسرائيل... عن صحيفة الرأي العام الكويتية 16/10/2008