رئيس جامعة بنها الأهلية يشيد مبادرة رئيس الجمهورية "بداية"    وزير الخارجية: لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية دون أمن واستقرار    محافظ الغربية: استمرار زراعة الأشجار وأعمال التجميل ضمن مبادرة «بداية»    تراجع تدفق النفط الروسي يدفع الأرباح إلى أدنى مستوى لها في ثمانية أشهر    تداول 11 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    ماذا قالت الدول العربية بشأن الغارات الإسرائيلية على لبنان؟    وزير الخارجية: نسعى للتوصل إلى حل سياسي يشمل كل أطياف الشعب السوداني    الزمالك يختتم استعداداته للسوبر الأفريقي قبل السفر إلى السعودية    شوبير يعلق على قائمة الأهلي للسوبر الأفريقي: لا صحة لوجود حارسين فقط    عامل يقتل زوجته بسبب خلافات منزلية بشبرا الخيمة    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024: أجواء خريفية ودرجات حرارة مرتفعة    النزلات المعوية.. مستشار الرئيس: نستنفر لخدمة المرضى دون تأخير.. ده واجب قومي علينا    بيعبر الطريق.. تفاصيل إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق في الهرم    وزير الثقافة: نعتز بالعلاقات التاريخية التي تجمع بين مصر والمغرب    ضغوطات وتحديات في العمل.. توقعات برج الحمل في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    محافظ الوادي الجديد يكشف فعاليات المبادرة الرئاسية بداية    شركات طيران عربية وعالمية تلغي رحلاتها إلى لبنان وإسرائيل    الدفاع الروسية: إسقاط وتدمير 13 طائرة مسيرة أوكرانية فوق 3 مقاطعات روسية    وزير الخارجية والهجرة يشارك في فعالية لغرفة التجارة الأمريكية    محافظ المنيا: ضبط 125 مخالفة خلال حملات تفتيشية تموينية على المخابز والأسواق    وزير الخارجية: لن نفرط في قطرة واحدة من مياه النيل لأن ما نحصل عليه الآن لا يكفي    مصدر يكشف للشروق.. قائمة الأهلي لمواجهة الزمالك في السوبر الإفريقي    ذكرى ميلاد محمد حسينين هيكل.. تجربة الأستاذ المتفردة في الكتابة بالعربية والإنجليزية    جامعة بنها تنظم قوافل طبية وبيطرية بقريتي مرصفا والحصة    المشاكل الصحية المسببة للتسوس.. تعرفي عليها    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    حملات للتبرع بالدم بمديرية أمن الشرقية (صور)    وزير العمل: الدولة تسعى لصناعة قوى عاملة مؤهلة ومدربة وعالية الإنتاجية    تشكيل الهلال المتوقع أمام البكيرية في كأس خادم الحرمين    رئيس جامعة القاهرة يستقبل 3 عمداء كليات الصينية لبحث سبل التعاون    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز قيادة للقوات «الجوية» و«الدفاع الجوي»    بالصور.. حريق هائل يلتهم ديكور فيلم إلهام شاهين بمدينة الإنتاج الإعلامي    بعد قليل.. محاكمة 13 متهمًا في خلية داعش كرداسة    وكيل تعليم مطروح يشدد على تفعيل استخدام المعامل وحجرات الأنشطة    «معلومات الوزراء»: تردد أكثر من 28 مليون مواطن على عيادات التأمين الصحي في 2023    وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي    61 خدمة إسعافية طارئة ضمن مبادرة "بداية" بجنوب سيناء    انخفاض المؤشر الرئيسي للبورصة ببداية تعاملات اليوم الثلاثاء    «فرص لوظائف عالمية».. وزير التعليم العالي يهنئ «النيل للهندسة بالمنصورة» لاعتماده من «ABET» الأمريكية    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    نجم الأهلي السابق يكشف توقعاته لمباراة القمة في السوبر الافريقي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    الخطوط القطرية تعلق رحلاتها من وإلى بيروت حتى يوم غد    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    لهذا السبب..إيمي سمير غانم تتصدر تريند " جوجل"    بعد قليل.. الحكم على البلوجر سوزى الأردنية بتهمة سب والدها على الهواء    وكيل ميكالي: الأرقام المنتشرة عن رواتب جهازه الفني غير صحيحة    مدين ل عمرو مصطفى: «مكالمتك ليا تثبت إنك كبير»    نجيب ساويرس: ترامب وكامالا هاريس ليسا الأفضل للمنطقة العربية    «الباجوري» بعد تصوير «البحث عن علا 2» في فرنسا: لم أخشَ المقارنة مع «Emily in Paris»    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    قنصل السعودية بالإسكندرية: تعاون وثيق مع مصر في 3 مجالات- صور    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    موتسيبي: زيادة مكافآت الأندية من المسابقات الإفريقية تغلق باب الفساد    وكيل عبد الرحمن مجدي يكشف كواليس تفضيله الانتقال لبيراميدز بدلًا من الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المبدأ..لا يتجزأ
نشر في محيط يوم 23 - 08 - 2008


المبدأ..لا يتجزأ!!

* عبد القادر مصطفى عبد القادر

إن الكون من الذرة إلى المجرة يمضى على نهج ثابت لا يتبدل ولا يتوقف، و لكل مفردة فيه مبدأ ونسق لا تحيد عنه ولا تتنصل منه، فقد عرفنا الشمس بضوئها وحرارتها ودقتها في الشروق وفى الغروب، وعرفنا الليل بظلمته وسكونه، وعرفنا النهار بنوره وحركته، وعرفنا القمر بصفائه وضياءه، وعرفنا الأعاصير بشدتها وقسوتها، وعرفنا الجبال بارتفاعها وصلابتها، وهكذا فإن مسميات الأشياء قد نبعت من ثباتها على خصائصها وتمسكها بطريقتها ومبدئها، فما رأينا الشمس قد يوماً زمجرت وقررت ألا تشرق في وقتها، أو ألا تغرب في حينها لأنها تعبت أو ملت من تكرار مهمتها الأزلية، وما رأينا القمر في ليلة قد رغب عن البزوغ في صفحة السماء كما تعود، أو أنه مكث في كبد السماء حتى جار على بعض سويعات الشمس، وما رأينا النهار قد تأخر صُبْحه بعدما وقع مع الليل تنازلاً عن جزء من مساحة ضوئه، وما رأينا الليل قد أرخى ستائره السوداء على الأفاق وقرر ألا يَبْزُغَ للنهار فجر، ذلك لأن الكون يمضى على ناموس لا يتغير.
والإنسان - وهو مفردة هامة ومؤثرة في هذا الكون - محكوم بسنن ربانية يتحرك في إطارها وينفذ مهمته في الأرض وفق حدودها، لكن الفرق بين الإنسان وباقي مفردات الكون أنه قد مُنح عقلاً وإرادة وهو يؤدى دوره في الحياة من باب التكريم له، وتفضيله على كثير مما خلق الله، فالعقل للتفكير والتخطيط، والإرادة لإخراج مكنونات العقل إلى حيز التطبيق، وقد يكون ما فكر به العقل وبلورته الإرادة خيراً، وربما يكون شراً، والمعيار الذي يقاس عليه صلاح الأعمال من فسادها هو معيار عام - مستمد من الدين والعرف العام والقانون - يضع الإطار الذي يحكم تصرفات البشر بحيث لا تصطدم ولا تتعارض درءاً للعداء والخصومة، وهنا يعرف كل إنسان بمبدئه في الحياة فإن تمسك به قلنا عليه صاحب مبدأ ويكون بذلك قد حقق الركن الأول في موازنة المبادئ، وبقى أن يكون المبدأ ذاته مستمداً من الدين ومن القواعد والثوابت الإنسانية المتعارف عليها، حتى لا يدعى كل ذي هوى أو مصلحة أو غرض أنه صاحب مبدأ.
وحينما يُخْضِع الإنسان حياته للمبادئ على هذا النحو فإنه يحيا في حالة اتساق وانسجام وتناغم مع مفردات الكون التي التزمت لا إرادياً بالسير على المبادئ، فتنتظم علاقته بالأشياء وتعطيه أسرارها، بل ويقودها إلى حيث يشاء ويريد بلا عصيان أو تمرد، وكذا تنتظم علاقته بالأشخاص على نحو يضمن سير الحياة بلا منغصات ولا مكدرات، فلا نرى ظلماً لضعيف حجبه ضعفه عن إدراك حقه، ولا نرى طمساً لمعالم الحق والحقيقة بين أنقاض الجشع والأثرة وحب الذات، ولا نرى إعجاب كل ذي رأى برأيه، بل وتقديسه لنفسه وعبادته لذاته، ولا نرى إرادة الأقوياء تسرى على من سواهم من خلق الله، ولا نرى الشر والدمار والخراب يقعقع في دروب البشر بلا حياء، وبالجملة سوف تنمحي كل صور البطش والظلم والطغيان إلا ما تفرضه حياة البشر أحياناً ولا يتخطى مستوى الاستثناء بحيث يطوق المجتمع آثاره وتداعياته بقليل من الجهد.
إن الحياة بلا مبادئ تحكمها هي - بلا شك - موت محقق، ليس للأبدان، لكن لمعنى الإنسانية التي تستمد وجودها وبقائها من بقاء القيم والمبادئ في حياة البشر، فرُبَّ حي يأكل ويشرب ويتنفس ويتحرك وهو ميت لأنه بلا مبدأ، ما فائدة إنسان بلا ضمير؟ ما فائدة إنسان بلا هدف؟ ما فائدة إنسان بلا خلق؟ وبالكلية ما قيمة إنسان يحيا بلا مبدأ في الحياة ويتلون كالحرباء على كل أرض يقع عليها؟ حيث يمارس على نفسه وعلى الناس النفاق في أفج صوره وصولاً إلى أغراض وأهواء دنيئة.
إن العبرة ليست ببناء أجسام جميلة ممشوقة، إنما العبرة ببناء النفس وتوطينها على ممارسة معاني الإنسانية الراقية، ولذا يخطئ من يتصور أنه قدم للمجتمع خيراً، وقتما يدفع إليه بشاب يافع قوى البنيان، رائع المظهر، لكنه بلا محتوى أو مضمون، لكنه بلا خلق أو ضمير وبلا مبدأ، فعندئذ تكون تلك النوعية عبئاً جديداً يقع على كاهل المجتمع لا إضافة نوعية إليه، ومن ثم فالأسرة والمؤسسات التربوية مطالبة بإعادة النظر فيما تقدمه من أساليب وبرامج تربوية حتى تخرج للحياة جيلاً قادراً على تحمل المسئولية بيقظة وضمير، وفى نطاق ما أقره المجتمع من مبادئ رسختها التجربة و أفرزتها الثقافة المتراكمة في عقل وضمير المجتمع عبر السنين.
والإسلام وهو كلمة السماء الخاتمة إلى الأرض حوي مبادئ جمة عبر عنها القرآن الكريم في آياته الحكمة وبلورتها السنة النبوية وسير السلف الصالحين، ولم تعرف الإنسانية ديناً تحدث عن مبادئ العدل والرحمة والمساواة والمؤاخاة والمواساة، واحترام الآخر ونصرة الضعيف والقصاص من الظالم كما تحدث الإسلام، وبالجملة لم يعرف التاريخ البشرى ديناً أقر مبادئ حقوق الإنسان كما أقرها الإسلام، بل وجعل منها منهج حياة يتساوى في ظله جميع البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ودينهم، ففي ظل الإسلام الوارف تساوى الأبيض مع الأسود، والقوى مع الضعيف، والغنى مع الفقير والأمير مع الخفير من منظور مبدأ العدل والمساواة، بل إن الإسلام قد اقتص لليهودي والمسيحي من المسلم حينما اتضح بالبينة أنه قد جار على حق هذا أو ذاك، وفى ذلك أبلغ رد على كل جاهل أو حاقد لا يعرف شيئاً عن هذا الدين العظيم ويصمه بما لا ليس فيه افتراءً وتبجحا.
إن الحرية في الاعتقاد والفكر والرأي مبدأ لا غنى عنه لحياة تبحث عن الثراء الفكري والثقافي من خلال التنوع وتباين الرؤى واختلاف وجهات النظر ومقارعة الحجة بالحجة في حدود القدرة البشرية على النظر والتفكير، لأن للقدرات البشرية مهما بلغت سقف لا يمكن أن تتعداه، لكن أن تتحول هذه الحرية إلى سهام مسمومة وحاقدة تُصوب ناحية ثوابت العقيدة للنيل منها، فهذا ليس فكراً ولا نقداً، بل حماقة وصفاقة وجهل معتم وبلاهة وعبث، إذ أن ثوابت العقيدة ليست محلاً للنقاش والجدل، لأن الله هو الذي أقرها ولا يحق لمخلوق أن يُقيَّم أفعال الخالق.
وأخيراً، فإن التنظير للمبادئ ونظمها في قوالب بديعة والحديث عنها والثناء عليها عبر وسائل الإعلام ليس كافياً، ما لم يكن لها أثر واضح في حياة الناس، أو عندما ينحاز تطبيقها إلى فريق من الناس دون الفريق الآخر، فعندئذ تنسلخ المبادئ عن مفهومها،وتفقد أهم خصائصها وهى الفاعلية والحيادية والشفافية، بل عندئذ تصبح شيئاً آخر، وحرىٌ بحياة تاهت فيها المبادئ أو سقطت، أن تسقط بالتبعية في هوة الجاهلية، وأن تتحول إلى غابة لا يحكمها سوى منطق الغاب والناب، حيث لا بقاء سوى للأقوى ولا قانون سوى للأقوى، ولا رأى سوى للأقوى، ومن ثم تتحول حياة البشر إلى مناطق نفوذ، ونقاط صراع وقتال، يكون وقودها ومدادها دماء وعظام الضعفاء، ويبقى القوى مسروراً يتلذذ بمشاهد الدماء والأشلاء.

إن غياب تعاليم السماء عن أفكار البشر لهو السبب المباشر في تهميش دور المبادئ في حياتهم، فما من كتاب سماوي إلا وحض على الرحمة والعدل واحترام الإنسان.
** مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.