من الغبن أن نصف الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي بالجهل، فالرجل الذي كان منتشياً في بداية الهجوم على أوسيتا الجنوبية أحد القلاع العتيقة التي ورثتها روسيا عن الإتحاد السوفيتي الأب، بات مهلهلاً في خطابه الأخير الذي ناشد فيه ميديف بوقف الحرب ومنحه الأمان ولشعبه الرحمة !!
ساكشفيلي الذي جلس مع وزير دفاعه اليهودي "ديفيد كيزيراشفيلي" كان واضحاً له منذ البداية طموح الأخير الذي يمتد ليصل إلى بني قومه في إسرائيل، رابطاً أمنها القومي برغبة تل أبيب في تصفية ما تبقى من أنياب وقواطع الدب الروسي الذي كظم غيظه طويلاً على الجدار الصاروخي العنصري الذي تشيده واشنطن حول روسيا من كل جهة وصوب، حتى بات من الصعب أن تبصر القيادة الروسية خارطة العالم من حولها إلا بالقفز فوق هذا الجدار الحاد المدبب.
علاوة على وزيره اليهودي الثاني " تيمور يعقوباشفيلي" ويشغل منصب وزير الدولة للمفاوضات، وهو ما يدل على تمدد يد إسرائيل وقبضها على ناصية الدولة الجورجية، وجعلها بالتعاون مع واشنطن والناتو فأر تجارب لاختبار الدب المثخن بمشاكله في البلقان والمصر على الصعود ثانية إلى حلبة الملاكمة بعد أن أطيح به بضربات قاسية إلا إنها لم تكسر عظامه.
وهذا ما جعل ساكاشفيلي يقول ممتعضاً في نهاية المطاف تعقيباً حول اليهود الذين فروا من القتال وقدموا إلى فلسطينالمحتلة : "لدينا وزيران حكوميان إسرائيليان، احدهما يتعامل مع الحرب والآخر مع المفاوضات، وهذه هي المشاركة الإسرائيلية"، وأضاف يائساً :" هنا الحرب والسلام كلاهما بأيدي يهود إسرائيليين".
فخبراء إسرائيل قد شحنوا جورجيا بطائرات بلا طيار ورشاشات من طراز تافور وعتاد والكترونيات حربية وصواريخ طائرات للتشويش على وسائل الدفاع الجوي، كما قاموا بتدريب القوات العسكرية الجورجية وسيطروا على مفاصل الدولة المنفرطة من العقد السوفيتي وجعلوا منها بطل من ورق أمام الدب المتأهب للفرصة.
وقبل أشهر تم الكشف عن التعاون العسكري بين جورجيا من جهة وبين إسرائيل حين أسقطت طائرة روسية في جورجيا طائرة من دون طيار من صنع تل أبيب.
عندها قررت القيادة العسكرية والسياسية في روسيا اتخاذ عدة خطوات انتقامية ضد إسرائيل ، أولى هذه الخطوات قيام موسكو بتزويد الجيش السوري بصواريخ أرض أرض من نوع "اسكندر" والتي يبلغ مداها 200 كيلومتر والقادرة علي حمل رؤوس نووية.
ولم يتأخر رد إسرائيل طويلاً فقررت أنه في حالة قامت روسيا بتزويد الجيش السوري بصواريخ "اسكندر" فسوف يقوم الجيش بمهاجمة الصواريخ الروسية إذا تم نشرها على الأراضي السورية إحدى دول الفلك السوفيتي القديم.
إزاء هذه الحرب غير المعلنة من طرف إسرائيل أشهرت روسيا ورقة أشد وطأة هذه المرة وأكدت أن جيشها سيقوم ببناء قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية على الأراضي السورية كخطوة موجهة مباشرة إلى نحر الولاياتالمتحدة لإصرارها على نشر جدارها الصاروخي في عدد من دول الاتحاد السوفيتي السابق وتضييق الخناق على موسكو.
وقد اعترف قائد كبير في القوات الجوية الإسرائيلية بقدرة مليشيا "حزب الله" الموالية لإيران والمدعومة من سوريا - الحليفة لروسيا في ذات الوقت- على استهداف الطائرات الإسرائيلية التي تقتحم المجال الجوي اللبناني من وقت لآخر، معربًا عن قلقه من تمكُّن مليشيا "حزب الله" من نصب بطاريات صواريخ روسية متطورة مضادة للطائرات في لبنان.
وكان مسئولون حكوميون وقادة كبار في الجيش الإسرائيلي عقدوا مؤخرًا مناقشات حول تلك السيناريوهات، حيث وصف بعض المشاركين نصب بطاريات روسية مضادة للصواريخ بأنه "خط أحمر" ويجب على إسرائيل أن ترد عليه بإشارات قوية.
وبعودة قليلة للوراء وبالتحديد في خريف عام 2005 بعث رئيس الوزراء اريئيل شارون ببرقية شخصية حادة اللهجة إلى الرئيس الروسي في وقتها فلاديمير بوتين، وطلب منه إعادة النظر من جديد في صفقة السلاح بين دمشقوموسكو.
وحسب معلومات وصلت إلى إسرائيل فان روسيا تعتزم البيع إلى السوريين صواريخ محمولة على الكتف متقدمة من طراز SA-18، وهى الصفقة التي تتضمن أيضا صواريخ باليستية يمكنها أن تضرب كل نقطة في إسرائيل.
ويتركز خوف إسرائيل الأساسي من إمكانية أن تصل هذه الصواريخ إلى مليشيا "حزب الله" الشيعية في لبنان التي تعد مخلب إيران وحليف سوريا في آن واحد ، مما جعل شارون يذكر بوتين بوعده بالا يبيع إلى السوريين صواريخ محمولة على الكتف قادرة على إسقاط طائرات تل أبيب، ففي أثناء زيارة شارون الأخيرة إلى روسيا وعده بوتين مرتين إلا يبيع صواريخ SA-18 لدول معادية، في إشارة إلى سوريا.
وصاح شارون قبيل غيبوبته الأبدية صيحته الأخيرة متهماً بوتين حينها بانتهاك وعده السابق، ويحذره من أن إدخال صواريخ موسكو المتطورة إلى المنطقة من شأنه أن يعرض إسرائيل إلى الخطر، وهو ما راهنت علية روسيا لإجبار واشنطن عن طريق عض الأصابع لوقف تمددها إلى الفراغ السوفيتي السابق الذي يمثل الرئة الحيوية التي تلتقط منها روسيا أنفاسها.
يؤيد هذا ما نقلته وسائل الإعلام منذ أيام عن السفير الروسي لدى مقر حلف شمال الأطلسي ديمتري روجوزين بشأن الإعلان عن اتفاق بولندي أمريكي لنشر جزء من الجدار الصاروخي في بولندا، حيث شدد على أن هذا الاتفاق اسقط القناع عن غايته الحقيقية، الا وهي مجابهة القدرات الإستراتيجية الروسية.
وبات من البديهي أن ينتهي بنا المطاف بالقول أن جورجيا خاضت حرباً بالوكالة عن أمريكا والناتو وإسرائيل مجتمعين، حيث تم نفخها كالبالون ودفعها لجس نبض ردة فعل موسكو قبل حسم خطوة ضم جورجيا ودول أوروبا الشرقية للحلف و استكمال الجدار الصاروخي الأمريكي ، بيد أن مطرقة الروس العسكرية أسقطت البالون الذي ركع يطلب الأمان.
وأخيراً فإن روسيا تعتبر أن كل الدول التي كانت في مسبحة الاتحاد السوفيتي هي ملكيتها الخاصة وتمردها على الأخ الأكبر ممنوع وانضمامها إلى الناتو خطاً أحمر وانخراطها في مخططات أمريكا دليل خيانة لا يغتفر.