جلد الصحفيين وتحريم شراء صحفهم عريب الرنتاوي أفتى شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بوجوب جلد الصحفيين المتورطين في ترويج الشائعات والأخبار الكاذبة ثمانين جلدة ، وحرّم شراء صحفهم وتداولها ، في تدخل ضد حرية الصحافة والرأي والتعبير هو الأعنف الذي يمارسه الأزهر الشريف. في بلد مثل مصر ، يقترح أعلى مرجع ديني إقامة الحدود على رؤساء التحرير الأربعة ، لكأن عقوبة الحبس وحملات التشهير والاغتيال لا تكفي هؤلاء ، فاستحقوا فوق هذا وذاك عقوبة الجلد في الساحات العامة. ووفقا للدكتور فهمي هويدي ، الذي علق غاضبا على فتوى الشيخ الأزهري ، فإن فيضا من الأسئلة يطرح نفسه بإلحاح: أين مواقف الأزهر وفتاواه من الانتهاكات التي تمارس ضد حقوق الإنسان ومن التدخلات الحكومية في الانتخابات ومن الغذاء الفاسد بل ومن الفساد المتفشي في معظم مسام الدولة وبيروقراطية القطاع الحكومي وشركات القطاع الخاص المملوكة للقطط السمان؟ والحقيقة أن ما جرى مع رؤساء تحرير الصحف المصرية المعارضة ، أمر يرقى إلى مستوى الفضيحة ، وهي فضيحة لا تقتصر على حرية الصحافة والرأي والتعبير ، بل وتسيء للنظام السياسي وتكشف عن كثير من عيوبه وعوراته ، فيعاد إنتاج أسئلة الوراثة والخلافة وتداول السلطة والرجل الثاني والتحول الديمقراطي وغيرها. وتأتي فتوى الأزهر لتعيد إنتاج وطرح الأسئلة والتساؤلات على مأزق "الفقه السلطاني" ، وكيف يطوع الدين نصا ومؤسسات ، لخدمة مآرب تكتيكية ضيقة للسلطان أو لتصفية الحساب في معارك صغيرة تذكر بحروب الأزقة والحارات ، وهذا الجدل الذي اندلع في مصر ردا على فتوى شيخ الأزهر ، سبق وأن شهدت دوائر السياسة والفكر في لبنان نظيرا له ، تعليقا على الدور الذي تلعبه "دار الإفتاء" و"المرجعيات الشيعية" في الصراع اللبناني الداخلي. ثم يأتيك من يتساءل ، لماذا ينجح "فقه التكفير والتطرف" في اكتساب مؤيدين ومناصرين له في الأوساط الشعبية وأحيانا في الأوساط الثقافية والفكرية العربية ، فإذا كان "الفقه الرسمي" إن جاز التعبير قد قرر تكريس نفسه وأدواته المعرفية ذودا عن السلطة ظالمة ومظلومة ، فإن من غير المفاجئ أن يأتي "الفقه المعارض" شاجبا ومكفرا للسلطة فكرا وفقها وممارسة ومؤسسات ، وأن يلقى رواجا ومناصرين في أوساط العامة. ليس المهم أن تكون جهة الإفتاء مؤهلة معرفيا وفقهيا ، ولا أحد يجادل في أهلية مؤسسة الأزهر على هذا الصعيد ، فالاستقلالية هنا أكثر أهمية من المعرفة ، والإفتاء كالقضاء إن لم يكن مستقلا وكفؤا ، فقد وظيفته التوجيهية وتحوّل إلى سلاح "سياسي" بامتياز ، تستخدمه السلطة كما تستخدم هراوات البوليس ، وتستخدمه بعض قوى الغلو والتطرف على طريقة "الخلايا النائمة" وفي كلتا الحالتين ، فإن المتضرر هم عموم الناس خارج الحلقة الضيقة المحيطة بالسلطان وخارج الحلقات الضيقة المحيطة بالإرهاب والغلو والتطرف. عن صحيفة الدستور الاردنية 14/10/2007