على أبواب القارعة فهمي هويدي الكلام الذي يتردد هذه الأيام حول توجيه ضربة عسكرية لإيران جاد وليس هزلا، وهو إذا ما بلغ مبلغه وتحول إلى فعل فإنها ستكون القارعة. لم يعد السؤال هل ستقوم الحرب أم لا، لكنه أصبح منصبا على الأسئلة متى وكيف ومن؟ ... آية ذلك أن صحيفة «واشنطن بوست» نشرت في 16/9 الحالي مقالا عن الحرب القادمة ضد إيران، كتبه القائد السابق لقوات الناتو، الجنرال ويسلي كلارك، عرض فيه مقترحاته بخصوص ضمانات تحقيق المعركة لأهدافها، مقدرا أنها ستبدأ بقصف مختلف المواقع الإيرانية يستمر ثلاثة أسابيع. و قد تزامن نشر المقال مع التصريحات التي أطلقها وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير، وقال فيها ان إيران إذا لم توقف تخصيب اليورانيوم فيجب أن تستعد للاحتمال الأسوأ الذي لم يكن سوى الحرب. والحدثان تتابعا في أجواء تصعيد أميركي وأوروبي محموم، تبنى تشديد عقوبات مجلس الأمن على إيران، لإجبارها على وقف مشروعها النووي وتلويح في التصريحات الاميركية بأن صبر الغرب أوشك على النفاد. وهو الكلام الذي فاحت من رائحته التلويح بالحرب، التي سارعت موسكو وبكين بالتحذير من الانزلاق نحوها. يثير الانتباه في هذا الصدد أن أخبارا تسربت من واشنطن وتل أبيب في أواخر العام الماضي، مشيرة إلى أن الضربة العسكرية لإيران ستوجه في خريف عام .2007 فقد نقل موقع «يديعوت أحرونوت» الالكتروني في 12/10/2006 تصريحات للقائد السابق لسلاح الجو الاميركي اللفتانت جنرال توماس ماكنري قال فيها: «ان واشنطن قد تضطر للقيام بعمل عسكري لإيقاف البرنامج النووي في خريف عام .2007 وقال ان في إيران 1500 هدف يتوجب القضاء عليها بتدميرها خلال ما بين 24 و36 ساعة. وإن من شأن ذلك عرقلة البرنامج لمدة خمس سنوات. وفي التفاصيل ذكر أنه في الغارة الاميركية الأولى ستشارك 60 طائرة حربية على الأقل من طائرات الشبح بي2 وإف17 وسيكون هدفها تدمير المضادات الجوية. وفي المرحلة الثانية ستشارك أكثر من 400 طائرة مقاتلة من طراز إف15 وإف 16 ترافقها طائرات القصف العملاقة بي52 وبي.1 وستكون في الأجواء أثناء هذه الغارات حوالى 150 طائرة لتزويد الطائرات بالوقود في الجو، ومئات طائرات الاستطلاع الصغيرة بدون طيار للمراقبة وجمع المعلومات. كذلك سيتم إطلاق 500 صاروخ من البوارج الحربية الاميركية المرابطة في الخليج لضرب أهداف داخل إيران. أيضا في 7/11 من العام الماضي ذكرت صحيفة معاريف المسائية أن الحكومة الإسرائيلية تلقت تقارير من واشنطن تفيد بأن الإدارة الاميركية قررت توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني في أواخر العام .2007 وأضافت أن هذه العملية ستتم ضمن خطة أميركية شاملة للخروج من العراق، وأن الولاياتالمتحدة تتجه لسحب قواتها عشية توجيه الضربة لتقليص عدد الأهداف الاميركية التي يمكن لإيران ضربها ردا على مهاجمة منشآتها النووية. الاهتمام أشد بهذه الضربة في إسرائيل. فقد ذكرت صحيفة «هآرتس» في 27/8/2006 أن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي (آنذاك) دان حالوتس أصدر قرارا بتعيين الجنرال إليعازر شكيدي قائد سلاح الجو ليكون مديرا لهيئة أركان القوات الإسرائيلية في مواجهة إيران. وتم تكليفه بالإشراف على عملية التنسيق بين الجيش وأجهزة المخابرات في الحرب المحتملة. وتعيين الجنرال شكيدي في هذا الموقع دال على أن المعركة ضد إيران ستكون جوية بالدرجة الأولى. بالتوازي مع ذلك ذكرت قناة التلفزة العاشرة الإسرائيلية أن أولمرت عقد اجتماعات حول الموضوع مع ثلاثة من رؤساء الوزارات السابقين هم: بنيامين نتنياهو، إيهود باراك، شمعون بيريز (الذي أصبح لاحقا رئيسا للجمهورية). ونقلت عن المصادر الإسرائيلية أن بيريز عقد أيضا اجتماعا سريا مع نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني للتشاور حول سبل التنسيق بين تل أبيب وواشنطن في التعامل مع المشروع النووي الإيراني. وفي شهر نوفمبر من العام الماضي، حفلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالحديث عن نتائج الزيارة التي قام بها لواشنطن رئيس الوزراء إيهود أولمرت، التي اجتمع خلالها مع الرئيس بوش. وحسبما أفادت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي (في 14/11/2006) فإن أولمرت بحث مع بوش بدائل إجهاض المشروع النووي الإيراني، التي كان من بينها أن تقوم إسرائيل بالمهمة إذا ترددت واشنطن في ذلك لأي سبب يتعلق بوضعها في العراق وفي المنطقة. في اليوم التالي مباشرة (15/11) نقلت الصحف الإسرائيلية عن السفير الإسرائيلي في واشنطن (آنذاك) داني أيالون، الذي يحضر اجتماعات المسؤولين الإسرائيليين مع نظرائهم الاميركيين قوله ان الرئيس بوش لن يتردد في استخدام القوة ضد إيران لوقف برنامجها النووي، إذا ما فشلت الوسائل الأخرى في إثنائها عن المضي في مشروعها. في الدراسة التي أثارت ضجة كبرى في الولاياتالمتحدة في العام الماضي، لأنها سلطت الضوء على «تأثير اللوبي الاسرائيلي على السياسة الخارجية الاميركية» تحدث عالما السياسة ستيفن والت من جامعة هارفارد وجون شيمرمن عن موقف اللوبي من إيران. وذكرا أن إسرائيل هي من وضعت إيران في بؤرة التركيز الاميركي. واستشهدا في ذلك بتصريح أدلى به بنيامين إليعازر وزير الدفاع الإسرائيلي قبل شهر من غزو العراق قال فيه: ان العراق مشكلة حقا، ولكن يجب أن يتفهم الجميع أن إيران هي أشد خطرا من الجميع. قالا أيضا ان طموح إيران النووي لا يشكل تهديدا حقيقيا للولايات المتحدة، وان واشنطن إذا كانت قد استطاعت أن تتعايش مع اتحاد سوفياتي نووي وصين نووية (وهند وباكستان)، وحتى كوريا الشمالية، فهي تستطيع أن تتعايش مع إيران نووية. لكن الأمر يختلف بالنسبة لإسرائيل، التي تعتبر أن إيران النووية بمثابة تهديد وجودي لها. ولولا الدور التحريضي الذي يقوم به اللوبي الصهيوني في واشنطن لاختلف الموقف الاميركي منها. أعاد الباحثان الكبيران إلى الأذهان وقائع الضغط العلني على الإدارة الاميركية، الذي مارسه شارون في شهر نوفمبر عام ,2002 ودعا فيه واشنطن إلى ضرورة التصدي لإيران، التي وصفها في حوار نشرته صحيفة التايمز اللندنية بأنها «مركز الإرهاب العالمي». وقال صراحة ان على إدارة بوش أن تضع يدا من حديد على إيران في اليوم التالي لاحتلالها العراق. وفي أواخر إبريل 2003 ذكرت هآرتس أن السفير الإسرائيلي في واشنطن بات ينادي بتغيير نظام الحكم في طهران. وأن الإطاحة بصدام حسين ليست كافية. وإنما يتعين على القوات الاميركية أن تمارس دورها «التحريري»نأ، بحيث تتحرك لصد الخطر الإيرانى. أضاف الباحثان أن المحافظين الجدد لم يضيعوا وقتا لإعداد الوقائع والحجج المؤيدة لفكرة تغيير نظام الحكم في إيران. ففي 6 مايو من العام ذاته (2003) شارك المعهد الاميركي الإسرائيلي في دعم مؤتمر ليوم طويل حول إيران مع مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية المساندة لإسرائيل . وبطبيعة الحال فإن أغلب المتحدثين دعوا إلى ضرورة العمل على إسقاط نظام طهران. وفي الاتجاه ذاته ظهر سيل من التعليقات الصحافية التي تبنت الموقف نفسه. كان من بينها ما كتبه وليم كريستول في صحيفة «ويكلي ستاندرد» في 12/5 وقال فيه ان تحرير العراق هو المعركة الأولى في تحديد مستقبل الشرق الأوسط، لكن المعركة الأكبر والأهم هي مع إيران. قال الباحثان أيضا ان إدارة بوش بضغط من اللوبي الإسرائيلي، ظلت تعمل ليل نهار لإغلاق الملف النووي الإيراني. ولأنها لم تنجح في ذلك فإن اللوبي واصل ضغوطه محذرا من خطورة إيران النووية، ومن استرضاء نظام «إرهابي» في طهران، وملمحا إلى أن سكوت الادارة الاميركية قد «يضطر» إسرائيل لاتخاذ إجراءات وقائية لصد الخطر الإيراني، وكان الهدف من ذلك كله هو جعل واشنطن مستمرة في تركيزها على القضية. الكلام كثير حول الخطط الاميركية لضرب إيران، التي كشف جوانب منها سيمون هيرش في تقريره الذي نشرته مجلة نيويوركر في شهر إبريل من العام الماضي. لكن المعلومات شحيحة والأسئلة كثيرة في ما يخص الشق الآخر المهم المتمثل في الرد الإيراني. مع ذلك فثمة إجماع بين الباحثين والمحللين على أن إيران ليست العراق، وأنها تملك قوة عسكرية تمكنها من الرد سواء على الطرف المحرض (إسرائيل) أو الفاعل (الولاياتالمتحدة)، أيا كان دور كل منها في العملية. وهي لن توقع الهزيمة بأي منهما، ولكنها قادرة على أن توجه إليهما ضربات موجعة. يوفر لنا تقرير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بلندن عن ميزان القوى لعام ,2006 بعضا من المعلومات عن قدرات إيران العسكرية. فيتحدث عن أنها تنتج ما يقرب من ألفي نوع من الأسلحة الدفاعية، من الذخيرة إلى الطائرات، ومن القوارب المجهزة بالصواريخ إلى الأقمار الصناعية. وهي تصدر معدات عسكرية إلى أكثر من ثلاثين دولة بينها سبع دول أوروبية. ذكر التقرير أيضا انه في عصر الشاه قامت ثلاث شركات أميركية ببناء صناعات تجميعية في إيران تشمل المروحيات والطائرات والصورايخ الموجهة لاسلكيا والدبابات والمكونات الالكترونية. وقد جرى توسيع هذه القاعدة الصناعية خلال الحرب العراقية الإيرانية. بحيث أصبحت إيران تملك الآن ترسانة من القذائف والصواريخ يتراوح مداها بين 45 و2000 كم. كما أن لديها 19 مركزا تعمل في الأنشطة الجوية الفضائية، وتستخدم أكثر من مئة ألف مهندس. وضرب التقرير مثلا بمجمع في محافظة لورستان قادر على إنتاج ثمانين ألف إطار للطائرات من مختلف النماذج، الأمر الذي يجعل إيران الدولة الأولى في الشرق الأوسط والسابعة في العالم التي تمتلك هذه التكنولوجيا. أما البنية التحتية الصناعية الخاصة بالمروحيات فهي تدعم أسطول الطائرات المروحية الذي يعتبر الثالث في العالم. وتنتج مؤسسة القدس لصناعة الطيران مجموعة كبيرة من الطائرات بدون طيار لأغراض الاستكشاف والقتال. كذلك قامت إيران بتطوير ترسانة للصواريخ الموجهة للسفن ولبناء الغواصات والزوارق السريعة المجهزة بالصواريخ والتي تتميز بسهولة المناورة. إذا حلت لحظة الجنون ووجهت الضربة العسكرية فإن ذلك سوف يستدعي عدة أسئلة من قبيل: ما هي الأهداف التي ستوجه إليها إيران ردها؟ وهل ستكون إسرائيل من بينها؟ وما موقف ال 160 ألف جندي أميركي الموجودين بالعراق؟ وإلى أي حد ستتأثر دول الخليج عمرانيا وبيئيا بالحريق الكبير؟ وما هو موقف ملايين الشيعة خارج إيران في هذه الحالة؟ وماذا سيكون صدى الضربة في العالم العربي والإسلامي؟ ذكرت مجلة نيوزويك في عددها الأخير (25/9) أن صمت الدول العربية على الغارة الإسرائيلية التي ضربت سوريا قبل أسبوعين استقبل بحفاوة ملحوظة في واشنطن وتل أبيب، لأنهم اعتبروه مؤشرا على أن قصف إيران لن يحرك شيئا في العالم العربي. وهو استنتاج مغلوط، ليس فقط لأن صمت الحكومات لا يعني بالضرورة استكانة الشعوب وتخاذلها، ولكن أيضا لأن رسالة الضربة العسكرية المفترضة مختلفة. إذ ان تدمير القدرة العسكرية لإيران يراد منه أن تظل إسرائيل صاحبة اليد الطولى في المنطقة، القادرة على تركيع الجميع وإذلالهم، ونحن منهم. وهي رسالة ينبغي ألا نخطئ في قراءتها، لأننا معنيون ولسنا متفرجين. ومن يقل بغير ذلك يخدع نفسه ويخدعنا. عن صحيفة السفير اللبنانية 25/9/2007