النواب «السجناء» زهير قصيباتي كل القرارات والضغوط الدولية وتضامن العالم شرقاً وغرباً مع البلد الصغير، لم تنجح، في رفع كابوس القتل المتنقل، فهل تفلح شرطة دولية في حماية النواب، لمجرد أنها تعتمر القبعة الزرقاء للأمم المتحدة؟ في «لعبة» القتل الجهنمية، تحول النواب الذين لطالما فاخروا بديموقراطية برلمانهم العريقة في المنطقة، قبل إقفال أبوابه... مجرد أرقام، في حساب كم بقيَ من رصيد أصوات الأكثرية لتغليب كفتها، بانتظار عودة الحرية الى البلد المنكوب باختزال البشر، المعلق مصيره دوماً على لائحة الانتظار. ... لكأن لبنان على مدى تاريخه، ضائع بين تاريخ الشرق الأوسط «الصغير» على تخوم المواجهة الأبدية مع العدو، وبين جغرافيا سياسية تشتتها أصابع الأشباح. وطن قلما لم يكن مصيره معلّقاً على رغبات الآخرين وأهدافهم، لكأنه خارج التاريخ، حاله كحال ذاك الراكب الذي ينتظر طويلاً، يتحمل قسوة كل الفصول، وضيم «الدخلاء» ممن يحسدونه على نعمة التنوع وهواء الحريات... لكنه في غفلة يضيّع قطاره الى الغد، ربما كل عقد. وطن على لائحة الانتظار، وفي كل محطة، «استراحة» لإحصاء النعوش. ذاك الهواء بات ثقيلاً بروائح الجثث، الشهداء الآن نواب سجناء، يتخفّون لتضليل القاتل، تتكرر الصدمة مع سقوط شهيد جديد. كل اللبنانيين يحاصرهم الكابوس، بانتظار غد لا يشبه أمسه إلا بنعش آخر. كل كبار العالم مع لبنان في محنته، لأنهم يخشون موت وطن التنوع في منطقة اللون الواحد. استحق الدفاع عنه بسيل من القرارات الدولية، لكنها في معظمها من نوع «مع وقف التنفيذ»، لا تضمن منع نحره أو انتحاره... فكلمة السر في تحصينه من الداخل، بالوحدة التي عادت مجدداً الى لائحة الانتظار. هي الوحدة التي تسد الأبواب أمام المتسللين لزرع الشكوك لدى كل حزب وطائفة، ومطاردة الجميع بلعنة الحقد، كي يستسهلوا تفكيك جغرافيا لبنان وتاريخه، وتفصيلهما على مقاس الحزب والطائفة، وكي تأتي ساعة يعلن فيها الجميع اليأس من لا جدوى انتظار القطار، في رحلته الى محطة الاستقلال النهائي. بيروت هواؤها ثقيل، مريب، ينفضّ عنها أهلها بعد سياحها. وراء كل شارع تربض راحة القتل. صحيح أن الضحايا الشهداء أقل عدداً ممن استشهدوا في صد العدوان الاسرائيلي في تموز (يوليو) 2006، وبتلقي صواريخه، لكن الحرب الآن حرب لشطب لبنان حتى من لائحة الانتظار... فيما بعضهم ما زال يراهن على الوقت في معركة اثبات الذات وتحسين مواقعها. أي قبعة وأي بندقية تحميان اللبنانيين ونوابهم؟ وماذا لو التأم عقد النواب ثم اغتيل الرئيس المنتخب؟ وبافتراض انتخِب، كيف تشكل حكومة ترضي معسكري «14 آذار» و «8 آذار» وتطوي حقبة الشلل والانقسام، وتبعد روائح القتل، وتنقل الوحدة الضائعة الى غرفة الانعاش، وتوقف القصف بالشتائم الذي يضاعف نزف الهجرة: هجرة الشباب ورؤوس الأموال والعقول المنتصرة بالعلم التي تهزمها نكبة وطن بالمجهول. بعد انتصار الجيش في مخيم نهر البارد، لم يطل الوقت حتى عاد مسلسل الهزائم والارهاب. أليست خسارة نائب، أي نائب، هزيمة لمحاولات الإنقاذ؟ أليس الجيش الذي صمد طويلاً وأحبط خطة خطف جزء من لبنان، قادراً على حماية النواب؟ إذ تقترب بعد ساعات، محطة انتخاب الرئيس، يدرك المتنازعون أن تسوية بتنازلات ولو في اللحظة الأخيرة، هي المدخل الوحيد لتفادي الانتحار، أياً تكن «حصة» اللبناني في الطريق الى هاوية شطب البلد. ولأنها تسوية، فهي لا تعني حتماً تسجيل أي فريق انتصاراته الكبرى، بل حسم خياره مرة واحدة لمصلحة وقف مواكب الجنازات، قبل فوات الأوان، لئلا يشيّع كيان الوطن الذي انتظر قطاره طويلاً، في محطات الآخرين. هي فرصة أخيرة لامتحان شجاعة السياسيين المتنازعين، وكي تصدُق شعاراتهم، المعيار هو اتخاذ قرار بلبننة نهائية لخيار الوحدة الطوعية الناجزة. معها يصبح أمن كل فريق، صمام حماية للفريق الآخر. عن صحيفة الراية القطرية 24/9/2007