يوم انتهت لعبة برويز مشرف.. خيرالله خيرالله لا يمكن بأي شكل الاستخفاف باضطرار الرئيس الباكستاني الي الاستقالة. إنها مؤشر الي أن الإمساك بالوضع الباكستاني يزداد صعوبة في كل يوم، خصوصا مع سيطرة طالبان بإحكام علي مناطق معينة في باكستان بعدما انطلقتمنها في الماضي في اتجاه أفغانستان. يتبين أكثر فأكثر أن أراضي باكستان لعبت دورا ملموسا في عودة طالبان الي الواجهة في أفغانستان وأن ما تسميه الولاياتالمتحدة الحرب علي الإرهاب لا معني لها في غياب القدرة علي التصدي للارهاب في باكستانوأفغانستان معا وليس في أراضي البلد الأول وحده. بكلام أوضح، لم تعد الحرب علي الإرهاب محصورة بأفغانستان بمقدار ما إن طالبان صارت جزءا لا يتجزأ من المشهد الباكستاني مثلما أنها جزء لا يتجزأ من أفغانستان. من يحتاج الي دليل علي ذلك في استطاعته العودة الي العملية الأخيرة التي استهدفت القوات الفرنسية التي شكلت ضربة قوية للقوات الأجنبية التابعة لحلف شمال الأطلسي المرابطة في أفغانستان. وكان لافتا أن هذه العملية ترافقت مع تفجير في باكستان أعلنت طالبان باكستان مسؤوليتها عنه. ليست استقالة برويز مشرف سوي خطوة علي طريق تكريس الفشل الأمريكي في أفغانستانوباكستان في آن. يُفترض النظر الي اضطرار الرئيس الباكستاني الي التخلي عن موقعه في إطار أوسع يتجاوز باكستان نفسها. إنه فشل ذريع لسياسة عمرها منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي قامت علي فكرة استخدام باكستان في الحرب الباردة في مرحلة معينة وفي الحرب علي الارهاب في مرحلة لاحقة. وكانت النتيجة أن الولاياتالمتحدة حصدت في نهاية المطاف ما زرعته بنفسها بما في ذلك زرعها لأسامة بن لادن ورعايته، حتي بات السؤال الحقيقي المطروح هل في الإمكان استعادة باكستان من مخالب التطرف أم أنها بلد ميؤوس منه؟ كانت السنوات التسع التي أمضاها برويز مشرف في السلطة دليلا علي مدي خطورة الوضع الباكستاني وعلي أن ليس في الإمكان التصدي له من دون استراتيجية إقليمية تشارك فيها الهند وربما دول أخري لديها حدود مشتركة مع كل من باكستانوأفغانستان. فبرويز مشرف الذي وصل الي الرئاسة في العام 1999 نتيجة انقلاب عسكري لم تُهدر فيه نقطة دم واحدة، وسط ترحيب شعبي منقطع النظير، وجد نفسه في النهاية اسير التطرف وانعدام هامش المناورة لديه. ما لا يمكن تجاهله أن برويز مشرف وصل الي ما وصل إليه بعدما بدت الحاجة الي استقرار في باكستان التي انهكتها الصراعات بين السياسيين علي رأسهم الراحلة بي نظير بوتو ومنافسها نواز شريف الذي طرده برويز من السلطة. مثل برويز مشرف لفترة طويلة الوجه الليبيرالي لباكستان. كان رئيسا للأركان لجيش لقي دعما أمريكيا وغربيا في شكل عام وصينيا في مرحلة معينة لأسباب مرتبطة بالهند أولا. والأهم من ذلك، أن برويز مشرف الذي أمضي سبع سنوات من حياته في أنقرة حين كان لا يزال مراهقا والده ديبلوماسي عمل في سفارة بلده في أنقرة ، تأثر كثيرا بالتجربة التركية. وبعد عودته الي باكستان التحق بمدارس النخبة التي كانت برامجها غربية. بعد وصوله الي الرئاسة، وجد أن عليه التعاطي مع المتطرفين. لم يجد بدا من ذلك، حتي بعدما اعتمدت عليه الإدارة الأمريكية في المواجهة مع طالبان في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ذات الطابع الإرهابي والتي قادت الي إسقاط الحكم في أفغانستان. مع الوقت، اكتشف برويز أن باكستان لا تُحكم من دون مراعاة المتطرفين الذين يمثلون القاعدة بطريقة أو بأخري. اكتشف أيضا أن عليه أن يلعب دورين لا يمكن التوفيق بينهما في النهاية. كان الدور الأول يتمثل في الخضوع للضغوط الأمريكية والعمل علي ضبط التطرف، فيما كان الدور الآخر يعتمد علي غض الطرف عن النشاطات الارهابية التي كانت تحظي برعاية القبائل الباكستانية البشتونية فضلا عن الاستخبارات العسكرية التي لعبت دورا أساسيا في قيام طالبان . في يوم السابع من يوليو 2008، لم يعد برويز مشرف قادرا علي متابعة اللعبة المزدوجة. يومذاك، جاء تفجير السفارة الهندية في كابول وسقوط ثمانية وخمسين قتيلا بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير. توصل الأمريكيون الي أن الاستخبارات العسكرية الباكستانية ليست بعيدة عن العمل الارهابي وأن برويز مشرف لم يعد قادرا علي السيطرة علي نشاط الجهاز المخترق من طالبان . كان لا بد من استبدال برويز مشرف. الرجل لم يعد حاجة أمريكية ولم يعد قادرا علي لعب دور في الحرب علي الإرهاب. أكثر من ذلك، صار الرئيس الباكستاني عبئا علي السياسة الأمريكية بعدما انحصر همه في كيفية بقائه رئيسا. رحل برويز مشرف. لم يعد الأمريكيون متمسكين به. عاد السياسيون الباكستانيون الي الواجهة وعادت المماحكات بين آصف زرداري أرمل بي نظير بوتو وزعيم الرابطة الإسلامية رئيس الوزراء السابق نواز شريف. هناك حتي تجاذبات داخل حزب بوتو حيث لا إجماع علي ترشيح زرداري للرئاسة. الي أين تتجه باكستان النووية؟ السؤال الذي لا مفر من طرحه: هل يمكن احتواء باكستانوأفغانستان في آن؟ كلما مر يوم، يتبين أن احتلال افغانستان لم يحل أي مشكلة بمقدار ما خلق مشاكل تتجاوز أفغانستان الي باكستان. أفغانستان التي كانت لعنة للاتحاد السوفياتي تتجه الي أن تكون لعنة علي الأمريكيين أيضا... ومعها باكستان!. عن صحيفة الراية القطرية 26/8/2008