كوسوفو في جورجيا عاطف عبد الجواد انفصال كوسوفو واستقلالها جاءا نتيجة لحرب شنتها الولاياتالمتحدة وحلف ناتو على صربيا في التسعينات. في ذلك الوقت قالت الولاياتالمتحدة إنها قررت شن قصف مكثف على بلجراد لوقف التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية التى مارستها صربيا في كوسوفو. اليوم لا يعارض استقلال كوسوفو إلا روسيا. نقلة إلى الوقت الراهن، والحرب الجارية في جورجيا. صورة مرآة لما حدث في كوسوفو. روسيا تشن هجوما على جورجيا ردا على ما قالت موسكو إنه إبادة جماعية للمدنيين في أقليم أوسيتيا الجنوبية وحماية لقوة حفظ السلام الروسية الموجودة في الإقليم الانفصالي على الحدود بين روسيا وجورجيا. موسكو تقول إن قوات جورجيا شنت هجوما في الليل على الإقليم الانفصالي قتلت فيه ألفين من المدنيين من سكان العاصمة التي يبلغ عدد السكان فيها سبعين ألفا. نسبة كبيرة من سكان أوسيتيا الجنوبية مواطنون روس. الغزو الروسي على جورجيا سوف يسفر عن إعلان استقلال كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. فيما الولاياتالمتحدة تعارض نزع الأقليمين عن جورجيا، على الرغم من ان كليهما يريد الانفصال عن جورجيا منذ فترة طويلة. القصف الأميركي لصربيا في التسعينات لم يستهدف احتلال صربيا، بل استقلال كوسوفو. والزحف الروسي على جورجيا لا يستهدف احتلال جورجيا بل استقلال اوسيتيا الجنوبية وابخازيا. كوسوفو تدور اليوم في فلك النفوذ الأميركي. اما اوسيتيا الجنوبية وابخازيا فسوف تدوران بعد الاستقلال في فلك النفوذ الروسي. من الفوارق الهامة بين قصف صربيا في التسعينات وقصف جورجيا اليوم هو ان القصف الأول كان جماعيا من قبل حلف ناتو وليس الولاياتالمتحدة بمفردها. كما ان كوسوفو وضعت بعد ذلك تحت ادارة واشراف الأممالمتحدة حتى أعلنت استقلالها. في جورجيا، القصف روسي منفرد. وليس هناك دور للأمم المتحدة في الاقليمين الانفصاليين. قوة حفظ السلام روسية مفردة. عندما انهار الاتحاد السوفييتي في اوائل التسعينات قرر الرئيس الروسي يلتسن عدم الانشغال بترسيم الحدود الروسية مع الجمهوريات السوفييتية السابقة المحيطة بروسيا. كان يلتسن مشغولا بما هو اهم. وفي الوقت نفسه وجد ان اي محاولة روسية لابتلاع الأقاليم المتنازع عليها مع الدول المحيطة سوف تجر موسكو في نزاعات طويلة مع العديد من الدول، من بينها أوكرانيا وجورجيا ودول آسيا الوسطى. واستمرت موسكو في تجاهل النزاعات الحدودية طالما ان الدول المحيطة بها لم تسع إلى الانفصال عن فلك النفوذ الروسي بصورة معادية. لكن سياسة يلتسين سرعان ما تغيرت في عهد خلفه بوتين، بعد إن جاء إلى الحكم في أوكرانيا وجورجيا رئيسان اعلنا بوضوح عداءهما لموسكو ورغبتهما في الانضمام الى حلف ناتو والتقارب الشديد من الولاياتالمتحدة. وانخرط كلاهما في حملة شتائم وانتقادات ضد روسيا. لم يجد بوتين ذريعة مواتية للهجوم على اوكرانيا التي كان لديها بقايا اسلحة نووية. كما ان اوكرانيا لم تتعرض بالضرر لمواطنيها من اصل روسي. لكن بوتين قطع امدادات الغاز الطبيعي عن كييف في وقت من الأوقات عقابا لها على العداء الواضح. وقبعت روسيا تنتظر ذريعة لضرب جورجيا ومعاقبتها. وبينما ظلت موسكو تشجع الانفصاليين في اقليمي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا وتمدهم بالسلاح والعتاد والمال لمواصلة التمرد والانفصال عن جورجيا، ظلت حتى الثامن من اغسطس في حرب بالنيابة ضد رئيس جورجيا ميخائيل ساكاشفيلي، الذي ابتلع اخيرا الطعم وهاجم بقواته الانفصاليين في اوسيتيا الجنوبية، فقدم الذريعة التي ظلت موسكو تنتظرها لفترة طويلة. هذه الذريعة وفرت لروسيا الفرصة ليس فقط لمعاقبة جورجيا، بل ايضا للرد على الولاياتالمتحدة وحلف ناتو إزاء ما فعلوه في كوسوفو. عن صحيفة الوطن العمانية 18/8/2008