هجمات9/11 بين الشك واليقين د. حسن أبوطالب مرت بالأمس الذكري السادسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر2001, التي دمرت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وأصابت مبني البنتاجون في واشنطن, وقبل حلولها بأيام قليلة سربت الإدارة الأمريكية جزءا مبتسرا من شريط منسوب لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن, ولم ينشر في أي من الوسائل المعتادة علي الشبكة الدولية للمعلومات والفضائيات العربية والتي دأبت مؤسسة السحاب التي تعد الذراع الإعلامية والدعائية للتنظيم علي توظيفها في نشر المواد الإعلامية الخاصة بالتنظيم. وفي الشريط بدا زعيم التنظيم حيا يرزق, يقرأ من ورقة مكتوبة علي غير عادته في الاسترسال, وبها اشارات لأحداث قريبة لاسيما في العراق تعود الي نهاية يوليو الماضي, كما بدت لحيته مهذبة يسودها السواد الشديد, وذلك علي عكس صورته المعتادة التي يسود فيها الشيب الأبيض لحيته الكثيفة غير المهذبة. وهو أمر يثير الاستغراب, خاصة في ضوء مايعرف عن سلوك الأصوليين بعدم استخدام صبغات للشعر سوي صبغة الحناء الطبيعية تأسيا بسلوك الصحابة الأوائل, والتي تعطي لونا أقرب الي الحمرة الداكنة وليس السواد الداكن الذي بدا علي لحية بن لادن في الشريط الأخير. هاتان الملاحظتان الشكليتان تسمحان بأحد استنتاجين, إما أن الرجل الذي يوظف طلعته الإعلامية لبث الثقة في قلوب مؤيديه وتأكيد وجوده حيا يرزق, قدم لهم ما يثبت العيش مستقرا وفي مأمن يتيح له التزين واستخدام الصبغات المختلفة, واعداد الكلمات المصورة بكل دقة, وإما أن الشخص الظاهر في الشريط ليس بن لادن شخصيا, وربما كان أحد البدلاء قريبي الشبه بالأصل, ومن ثم فإن هدف الشريط المسرب أمريكيا وقبل أيام قليلة من الذكري السادسة للهجمات, هو الدليل علي أن خطر القاعدة مازال قائما, ومن ثم فإن كل الاستراتيجيات والترتيبات العسكرية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية في أفغانستان والعراق ومناطق أخري من العالم تحت شعار الحرب علي الإرهاب, والتي هي محل انتقاد من قبل الديمقراطيين الأمريكيين وآخرين هنا وهناك, مازالت مبررة. ولاشك أن حسم الرأي لصالح أي من هذين الرأيين مرهون بخروج النسخة الأصلية كاملة من قبل مؤسسة السحاب, في المواقع المعتادة للنشر, لاسيما احدي الفضائيات المستقلة, وبما يتيح مقارنتها بما تم بثه وتسريبه بواسطة الادارة الأمريكية, وهو علي أي حال مختصر جدا. والحقيقة أن الشكوك فيما تقدمه الإدارة الأمريكية من معلومات وتفسيرات خاصة بهجمات11 سبتمبر ليس أمرا جديدا, خاصة أن مرور ست سنوات علي الهجمات لم تكن كافية في أن تقدم الولاياتالمتحدة الدلائل الدامغة حول مسئولية بن لادن, وبعض رفاقه لاسيما خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة, وهما المتهمان أمريكيا بأن الأول هو صاحب الفكرة والمسئول عن تنفيذها بعد الحصول علي موافقة بن لادن وتمويله, والثاني كان همزة وصل بين القاعدة وما يعرف بخلية هامبورج التي كانت تضم محمد عطا قائدا لها وأعضاء آخرين نفذوا الهجمات, منهم زياد الجراح ومروان الشحي وهاني حنجور وصطام الثقامي وخالد المحضار, ومعروف أن خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة موجودان في القبضة الأمريكية, ومع ذلك لم توجه لهما عريضة اتهام رسمية ولا يوجد أي تفكير معلن علي الأقل في تقديمهما الي المحاكمة قريبا. إن هذا التأخير في تقديم هذين الشخصين الي المحاكمة القانونية, يعني أن أركان القضية, وخاصة الاتهام والقرائن الدامغة ليست محكمة بعد, وأن الخوف من الفضيحة السياسية هو السبب وراء عدم توجيه عريضة اتهام لهما والحفاظ عليهما في مكان سري, فضلا عن أن كل التحقيقات التي تمت معهما جرت بواسطة الاستخبارات وليس عبر مكتب التحقيقات الفيدرالي التابع لوزارة العدل, وكثير من المحللين يرون في هذا الموقف دليلا علي أن الرواية الأمريكية بالمسئولية الكاملة لتنظيم القاعدة عن هجمات سبتمبر2001 مشكوك فيها جملة وتفصيلا, أو علي الأقل مصابة بكثير من الفجوات التي لم تستطع الإدارة الأمريكية إغلاقها. هذا الشك في الرواية الأمريكية الرسمية يجعل الأسئلة الكبري التي طرحت عشية الهجمات موجودة دون اجابات نهائية, والمؤكد أن هذه الأسئلة ستظل مطروحة لفترة طويلة أخري مقبلة, وسيظل بالتالي التشكيك في الروايات الأمريكية المطروحة قائما الي أن تتضح كل المعلومات المتصلة بالحدث. بيد أن المفارقة الأكبر تتضح في أن التشكيك ليس مقصورا علي الرواية الأمريكية وحسب, فهو موجه أيضا لهذا الاعتراف الذي قدمه بن لادن بعد عام واحد من حدوث الهجمات بالمسئولية المباشرة المادية والمعنوية عنها, فطوال العام الأول راوغ التنظيم وزعيمه ولم يدل بما يفيد بمسئوليته عن هذه الهجمات, وانما فقط تبريره الهجمات باعتبارها دفاعا عن النفس, وبمسئوليته المعنوية غير المباشرة من خلال قيامه بما سماه تحريض المؤمنين علي الجهاد وقتال الكفار, وهو الموقف الذي تغير مع حلول الذكري الأولي للهجمات, حيث أصدر التنظيم بيانا في التاسع من سبتمبر2002 أكد فيه أن الذين قاموا بهذه الهجمات هم مجاهدون وشهداء محتسبون عند الله, وأنهم بغزوتهم لنيويوركوواشنطن فقد حطموا هبل العصر. وبرغم ذلك فقد شكك كثيرون بمسئولية بن لادن, واعتبروا هذا البيان مدسوسا غير قابل للتصديق المنطقي, وعبروا عن قناعة, أو لنقل قدموا تفسيرا ثالثا قوامه أن التنظيم هو مجرد أداة أمريكية في الأصل, أو أنه قد تم اختراقه من قبل جهاز استخباري عالي المستوي, استطاع أن يجند بعض أفراد التنظيم للقيام بهذا العمل الجهنمي, وبما يعطي حجة للولايات المتحدة لمتابعة استراتيجيتها الهجومية تجاه العالم الإسلامي بالدرجة الأولي, ومن ثم تجاه العالم ككل تأكيدا لهيمنتها وسطوتها علي مصيره, بمعني آخر أن تنظيم القاعدة كان مجرد أداة في يد قوة أخري ذات استراتيجية كونية, هي بالطبع الولاياتالمتحدة. مثل هذا التشكيك في مسئولية القاعدة سواء بصورة خالصة أو نتيجة اختراق خارجي, واجه اختبارا كبيرا عندما قدم بن لادن ما اعتبره اثباتا دامغا علي مسئولية التنظيم المباشرة, وذلك في بيان متلفز بثه موقع السحاب علي الانترنت يوم24 مايو2006, بعنوان شهادة الحق, وكان بمثابة تعليق علي الحكم الذي أصدرته محكمة أمريكية بالسجن مدي الحياة علي زكريا موسوي, الفرنسي من أصل مغربي, باعتباره كان شريكا في تدبير الهجمات, ويعتبر الرقم عشرين في المجموعة المنفذة, وفي هذه الشهادة أنكر بن لادن أية صلة لزكريا الموسوي بمجموعة هامبورج, ومؤكدا أن اعتقال زكريا تم قبل تنفيذ الهجمات, وبما أنه لم يكن علي صلة بالمجموعة المنفذة, فقد استمر التخطيط والتنفيذ حسب المتفق عليه مع محمد عطا وزملائه, وتحدي بن لادن في هذا البيان أن يكون الموسوي علي معرفة بأي من الذين شاركوا في تنفيذ الهجمات, وفي هذا البيان أيضا, أشار بن لادن الي وجود العديد من المعتقلين في جوانتانامو دون أن يكون لهم أي ذنب, وأن الإدارة الأمريكية تعرف ذلك جيدا, وأن الوحيدين اللذين علي صلة بالهجمات ولدي الإدارة الأمريكية, في إشارة الي خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة, يمكنهما أن يؤكدا ذلك جيدا. إجمالا لهذه الروايات, يمكن أن نشير الي ثلاث نظريات متضاربة, الأولي تقر بمسئولية بن لادن والقاعدة عن هذه الهجمات الخطيرة, والثانية رفض مجرد تصور قيام القاعدة بمثل هذا العمل المحكم والذي يتطلب امكانات وتخطيطا عالي المستوي, والثالثة أن التنظيم كان مجرد أداة بيد الاستخبارات الأمريكية, والمؤكد هنا أن حسم الشك سيظل مرهونا أساسا بالموقف الفكري والسياسي للشخص ذاته, وليس بالأدلة المادية التي يقدمها هذا الطرف أو ذاك, ولذلك سيظل11 سبتمبر لغزا تاريخيا كبيرا يثير المخيلة ويدفع بالتفسيرات المتناقضة لعقود طويلة مقبلة. عن صحيفة الاهرام المصرية 12/9/2007