أنقسم المتابعون لشئون تنظيم القاعدة عقب شريط أسامة بن لادن الأخير، الذي حاول فيه تبرئة الفرنسي زكريا الموسوي من تهمة الإشتراك في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بين مصدق ومكذب. وهي المرة الأولي التي يحدث فيها ذلك الإنقسام الحاد، حول قضية المصداقية، وليس شئ آخر. فقد روج المصدقون لرواية مفادها أن بن لادن أنتظر كل هذا الوقت (خمس سنوات) حتي يحرج النظام القضائي الأمريكي الذي دان موسوي علي الرغم من براءته. بينما روج المكذبون لرواية أخري تزعم أن الرجل يحاول إرسال رسالة لموسوي بما يجب عليه القيام به في هذه المرحلة، والتراجع عما أعترف به من قبل حفظا لأسرار التنظيم ودعما لقادته الهاربين، خاصة بعدما قام الموسوي بتقديم طلب لإعادة محاكمته تحت دعوي إمتلاكه معلومات جديدة. كان بن لادن قد أكد في الشريط الذي أذاعته مؤسسة السحاب، التي دأبت علي إنتاج معظم شرائط التنظيم، أنه هو الذي قام بتكليف الخاطفون التسعة عشر للقيام بما أسماه "تلك الغزوات"، مضيفا أنه لم يكلف الموسوي بمشاركتهم في تلك المهمة. وقال بن لادن في رسالته التي حملت عنوان "شهادة حق": "إن اعتراف موسوي بانه كان مكلفا بالمشاركة في تلك الغزوات اعتراف باطل لا يشك عاقل انه جاء نتيجة للضغوط التي مورست عليه خلال أربع سنوات ونصف مضت، ولو رفعت عنه تلك الضغوط وعاد الي وضعه الطبيعي فسيذكر الحقيقة التي ذكرتها". ولنا علي ما ذكره بن لادن ملاحظتين: الأولي متعلقة بتوقيت إعلانه عن تلك المعلومات، ولماذا لم يعلنها قبل الحكم علي موسوي، وماذا لو جاء الحكم بإعدامه؟ ولماذا أسرع بتقديم هذه الشهادة عقب الحكم عليه بالسجن مدي الحياة؟ وهل هناك علاقة بين إعلانه لتلك الشهادة، وطلب موسوي إعادة محاكمته؟ لقد ظل بن لادن صامتا منذ أن تم القبض علي موسوي في أغسطس عام 2001 قبل التفجيرات باسبوعين مرورا بإعترافه بعلمه بالتفجيرات في منتصف عام 2005، وإنتهاءا بمحاكمته وإصدار حكم عليه بالسجن مدي الحياة. لقد كان الرجل ينتظر أن يزف الي العالم الشهيد رقم عشرين ضمن قافلة شهداء "غزوتي نيويورك وواشنطن المباركتين"، ولما لم يحصل علي مبتغاه، وتوقعا صحيحا منه بإستغلال الحكومة الأمريكية لوجود موسوي طوال تلك الفترة داخل سجونها المشددة، والسعي الي عقد صفقة معه تقضي بتحسين ظروف الإقامة مقابل تقديم معلومات هامة تفيد في التحقيق مع قادة القاعدة الآخرين أمثال خالد شيخ محمد ورمزي بن شيبه. بدأت عملية كبري هدفها التقليل من شأن سجين القاعدة للتغطية علي شئ ما يخبأه الرجل. بدأت تلك المحاولات بتشكيك خالد شيخ محمد في اعترافات موسوي، ثم ريتشارد ريد، ولما لم تفلح تلك الجهود كان لا بد بإلقاء الكارت الأخير علي الطاولة فجاءت كلمة بن لادن الأخيرة مفاجأة وغير متوقعة، لتقدم الدليل القاطع علي ما ذكرناه آنفا. الثانية: لقد قال بن لادن أنه هو الذي كلف الخاطفين التسعة عشر بالمهمة، وهذا صحيح، ولكنه لم يخبرنا بمن الذي أختارهم، وقام بتدريبهم، وتمويلهم، لمدة عامين قبل الأحداث. فهناك فرق بين الاختيار والتدريب والتكليف، فالأخير بمثابة إصدار الأمر الأخير بالتنفيذ، وقد قام به بن لادن فعلا، ولم يكن موسوي ضمن من أصدر إليهم أمره بالتنفيذ بالفعل، حيث كان قد تم القبض عليه قبلها بأسبوعين. بالطبع سيظل الغموض، رغم كل ما قلناه آنفا، هو السمة الأساسية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، خاصة فيما يتعلق بالدعم اللوجستي الذي قدم للخاطفين، ومن الذي قام به؟ إذ لا يعقل أن تجري عملية بهذا الحجم دون تقديم دعم لوجستي من داخل أمريكا نفسها، كذا طرق الخداع التي أستخدمها الخاطفون ومن ساعدهم عليها. ولكن السؤال الذي سيظل بلا جواب الي أن ينطق به بن لادن، هو أين بدائل الخاطفين؟ وما هي الخطة "ب"؟ إذ لا يمكن لعملية بهذا الحجم أن يكون المنفذين بلا بدائل، في حال التضييق عليهم أمنيا أو كشف أوراق أحدهم، أو مرضه او القبض عليه كما حدث مع موسوي. مرة أخري: الغريب أن ذات الأمر تكرر مرة أخري وفي نفس الأسبوع، فقد أعلنت المخابرات الأردنية، عن إستدراج أحد معاوني زعيم تنظيم القاعدة في العراق "أبو مصعب الزرقاوي" واعتقاله في الأردن، ووصفت السلطات الأردنية العملية بأنها نوعية في العمل الاستخباري. بعدها بث التلفيزيون الأردني اعترافات الرجل المدعو "زياد الكربولي" وهو عراقي من منطقة القائم وكان مسؤول الغنائم في منطقة الرطبة وفق ما جاء في إعترافاته . وعلي الرغم من أن الرجل أعترف علانية بأنه قام بخطف وقتل سائق أردني في سبتمبر الماضي بتعليمات من زعيم القاعدة أبومصعب الزرقاوي، إضافة الي اختطاف دبلوماسيين مغربيين في منطقة الرمادي وتسليمهم لزعيم القاعدة. إلا أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، قد نفي في اليوم التالي مباشرة علي موقع مجلس شوري المجاهدين الذي أنضم غليه الزرقاوي مؤخرا أية علاقة له بالرجل . وقال البيان ان "الشخص الذي تم اظهاره علي الفضائية الاردنية لا نعرفه اصلا". وأتهم البيان الحكومة الأردنية بعرض مسرحية "كتب فصولها زبانية البيت الاسود" في اشارة الي البيت الابيض الأمريكي. نفس السياسة وذات الهدف، ولكن يبقي السؤال، لماذا يحاول البعض أن يقنعنا بأن القاعدة ورجالها، ليسوا سوي انبياء وأنهم لا يكذبون؟ ولمصلحة من تصويرهم بتلك الصورة التي تساعدهم علي تجنيد شبابنا وتخريب أوطاننا؟!