يحيى قلاش سكرتير عام نقابة الصحفيين مستشار " قانونى " هبط على النقابة فى غفلة من الزمن أعطى لنفسه الحق فى أن يعرض على أعضاء مجلسها المنتخب ، وبدون تكليف منهم ، مذكرة تدعو الى تغيير قانون النقابة الحالى .. هذا المسلك غير القانونى وغير المتوقع أثار دهشة البعض .
ذلك أن أهل مكة هم الأدرى بشعابها ، والمسألة تتعلق أساسا بالصحفيين أصحاب الحق فى تقرير مدى حاجتهم لقانون جديد ، وفى تحديد أوجه القصور أو النقص التى تستدعى تغيير قانون نقابتهم أو تعديله .
لكن هذه الدهشة سرعان ماتحولت إلى صدمة ، فقد علم البعض أن هذه المذكرة تطلب من مجلس النقابة الموافقة على تشكيل لجنة تضم من بين أعضائها ممثلين للمجلس الأعلى للصحافة يختارهم رئيسه ، وأعضاء من قسم التشريع بمجلس الدولة وأساتذة بالجامعة ، من أجل إعداد مشروع قانون جديد ومتطور للنقابة " على نحو عاجل " .
وهكذا تبين أن الأمر لا يتعلق بخطأ إجرائي أو إداري لموظف بالنقابة ، فالمهمة عاجلة والمطلوب هو تمريرها من خلال أعضاء المجلس ، على الرغم من أن عامة الصحفيين لم تضع تعديل القانون ضمن أولوياتها ومطالبها الملحة .
وعلى ذلك فإن السيناريو الموضوع لهذا المخطط يبدأ بالقفز على إرادة الصحفيين ، ويعتمد على مشاركة أناس لا صلة لهم بأمانيهم وتطلعاتهم النقابية والمهنية .
وعندما بادر البعض بالإطلاع على محتوى المذكرة ، التى تبناها نقيب الصحفيين ودعا مجلس النقابة الى مناقشتها ، ظهرت الأهداف المباشرة لهذا المخطط واضحة للعيان ، وإليكم نبذة عن أخطر ماجاء بمذكرة المستشار ودعوة النقيب من نصوص وتعديلات :
* أن يكون من أهداف مشروع القانون الجديد مواجهة القلة التى تستخدم لغة التجريح والسب والطعن فى الأعراض ونشر الأخبار المفبركة ، والتى تخوض معارك الغير بالوكالة عنهم .
على أن تتم محاسبة هؤلاء تأديبيا بشكل فورى ودون انتظار تقديم شكوى من المتضررين ، أو انتظار مبادرة النيابة بإحالة بعض التحقيقات للنقابة .
* تعديل التشكيل الحالى للجنة التحقيق النقابية وهيئة التأديب الابتدائية باستبعاد أعضاء مجلس النقابة من عضويتهما حتى يتيح التشكيل الجديد لأعضائه ( غير محددين ) حرية إصدار القرار المناسب دون أى ضغوط !
* يقوم مجلس النقابة بتحديد حد أقصى لعدد من يمكن قبوله بجداول النقابة كل عام على ضوء متطلبات المهنة وسوق العمل !
* إجراء اختبار ( تحريرى وشفوى ) بمعرفة كلية الإعلام للمتقدمين للقيد بجداول النقابة واعتباره شرطا لعضوية النقابة !
* إضافة عنصر قضائي الى تشكيل لجنة القيد للتصدى للمسائل القانونية !
* رفع قيمة رسوم القيد فى جداول النقابة ، وتعظيم الغرامات التأديبية لتعادل الغرامات المالية المقررة فى جرائم النشر والمنصوص عليها فى قانون العقوبات ( عشرات الآلاف من الجنيهات ) !
* رفع رسم الإشتراك السنوى للأعضاء ليتواءم مع مثيلاته بالنقابات المهنية المناظرة !
عند هذا الحد ، أدرك كل من قرأ هذه التعديلات أن هدفها المباشر لا علاقة له بالديباجة التى تتحدث عن مواكبة العصر وتطوير العمل النقابى ، وهى غايات ومقاصد لا خلاف عليها بين الصحفيين إذا ما التزمت الطريق الديمقراطي بلا إملاء من أحد أو مصادرة على حق الجمعية العمومية وتقاليد النقابة .
وعلى العكس من ذلك هبطت هذه التعديلات بالبراشوت ، واستهدفت بالأساس إنهاء أو تقليص ولاية النقابة على جداولها ، وإلغاء مسئوليتها الدستورية والقانونية عن محاسبة وتأديب أعضائها ، ونقل هذا الاختصاص الى جهة خارجية لتعمل بحرية فى إصدار القرارات المناسبة لتأديب الصحفيين دون إبطاء وبلا ضغوط أو ضمانات .
وعند هذا الحد أيضا ، يذكر عدد من قدامى النقابيين وجيل الوسط ضغوط السادات لتطهير جداول النقابة من معارضيه ، وتهديده بتحويل النقابة الى ناد للنشاط الإجتماعى ، كما تذكروا نجاح الصحفيين ومجلسهم فى إفشال محاولتين مشبوهتين للعبث بقواعد القيد والتأديب عامى 1988 و 1993 .
ونجاحهم أيضا فى إسقاط القانون 93 لسنة 1995 وإلغاء اختصاص المجلس الأعلى للصحافة بالتحقيق مع أعضاء النقابة وتأديبهم وفقا لنصوص قانون الصحافة السابق .
لكن الجميع لم ينس بالطبع قانون النقابات المهنية الحالى رقم 100 لسنة 1993 وتعديلاته ، ودوره المباشر فى وأد الحركة النقابية للمهنيين من خلال تجميد الانتخابات ، وفرض الحراسة ، وهيمنة اللجان القضائية على أخص شئون النقابات .
الزميلات .. الزملاء
لم يعد هناك مجال للشك فى أن مذكرة المستشار ، التى يباركها النقيب ، ليست سوى حلقة جديدة فى سلسلة المحاولات الرامية لتقويض الكيان النقابى للصحفيين ، وتفريغه مما تبقى من صلاحياته ومضمونه ، وبغض النظر عما إذا كانت هذه المحاولة لحساب شخص بعينه ، أو بالوكالة لتحقيق أهداف الغير .
الخطر يظل قائما ، وربما داهما ، طالما بقينا فى موقع المتفرج لما يجرى بنقابتنا واستسلمنا لما يراد لها أن تكون ، وطالما نسينا أو تناسينا أن النقابة هى كل ماتبقى لنا فى زمن العولمة والخصخصة وافتراس الضعفاء ، وأن العديد من ضمانات عيشنا وكرامة مهنتنا قد تحقق بفضلها ، وأن المزيد مما نرجوه فى الحاضر والمستقبل يتوقف عليها ، فلماذا نتركها فى وقت الشدة ؟!
.. لنرفض بأعلى صوت هذا المخطط المشبوه ، ولنساهم بأي موقف إيجابي وبكل الوسائل النقابية والديمقراطية الممكنة من أجل إعلان رفضنا لهذا المخطط وإسقاطه .