المثقفون فى سيناء غير معنيين بالعمل السياسى لكنهم معنيون بدون شك بلب السياسة والشأن السياسى والا أطلقنا عليهم صفة الجهل ، وهى صفة بالتأكيد منافية تماما لمفهوم الثقافة بشكل عام وما استفزنى للكتابة اليوم هو الحوار الذى دار بين صديقى فى حزب التجمع وصديق اخر فى حزب الكرامة- تحت التأسيس - حيث اتهموا الأدباء والمثقفين فى سيناء بأنهم أعوان السلطان والأجهزة ،
ونحن نقول لهم : ان التاريخ السياسى يعرف أن علاقة المثقف بالسلطة هى علاقة تضادية ولكنها ليست تصادمية مثل أحزاب المعارضة اليوم ولهذه العلاقة يصف المعارضون المثقفين بالنخاذل لأنهم لايسايرونهم فى أفكارهم الصدامية مع السلطة ، ولقد ضحكت فى نفسى عندما قال لى صديقى الذى أحترمه فى حركة الكرامة : أين أنتم كمثقفين ؟ اننى لم أشاهد أحدا منكم معتقلا وكدت أن أنخرط فى الضحك فقلت له ياصديقى : ليس البطولة فى أن يعتقل المثقف ولكن البطولة فى كيفية الخروج من الأزمة التى نعانى منها فى سيناء ومصر كلها ان المتقف ياأصدقائى تنحصر رسالته فى المناداة بالقيم الحقيقية فى المجتمع ،
وعليه أن يوجه الرأى العام لما هو أسمى وأرقى من أى فكر معارض لأن المعارضة تستهدف الوصول للسلطة وهى فى هذا الصدد تقوم بالتظاهر والاحتجاج عن طريق استثارة الجماهير ولكن المثقف لا يعنيه ذلك بقدر ما يعنيه استثارة الضمير الاجتماعى العام وليس التظاهر وعمل المظاهرات لابداء البطولات الفردية فحسب وذلك للأن رسالبة المتقف تعلو فوق ذلك لأنه فى الأساس لاتستلبه المناصب والوصول للسلطة بقدر ما يضنيه تحقيق قيم المجتمع الفاضلة من حق وخير وجمال وعدل ومساواة فى الحقوق والواجبات وتقسيم الثروة بعدالة والعيش فى سلام اجتماعى ووطن امن يأمن فيه الفرد على نفسه وأسرته ثم يبدأ فى بناء مجتمعه وتوجيههه نحو الأفضل
ان رسالة المثقف - كما أفهمها - لا تتعارض مع رسالة وفكر المعارضة ولكنها لاتتسق معها أو حتى تتقاطع لأن الممارسة تختلف وبهذا تختلف الأهداف ، ولهذا أتحدى أى مثقف أن يقول ان أهدافه هى نفس أهداف المعارضين للنظم السياسية والقوانين التى تتفق والفكر المأدلج لأى حزب سياسى سواء أكان تقدميا قوميا أم ليبراليا أم أى توجه كان لأن منظومة العمل الحزبى - لأى حزب - تخضع لأيديولوجيات وقيم هى من صنع الأفراد ومع أنها فى الشكل العام موجهة لخدمة المجتمع الا أنها فى الاساس تخدم هؤلاء الأفراد أولا تم يأتى المجتمع فى المرتبة الثانية، ونحن هنا لا نهاجم الأحزاب كفكر ولكنها طبيعة النفس البشرية التى جبلنا المولى عز وجل عليها وليس العاملين فى الأحزاب على اختلاف طبقاتهم ومكانتهم بمنزهين عن القاعدة الانسانية
ان المثقف ليس متخاذلا ، ولكن الظرفية المجتمعية والأحداث تجعله يكون قناعة أنه لا سبيل للتغيير الا بالحوار والكلمة وليس بالتظاهر والاعتصامات وليس معنى ذلك اننى أدعو الأحزاب الى المهادنة والاستكانة فهذا شأن يخصهم ولكنى أقول : ان الحوار واللغة المشتركة لأية قضية يمكن أن تحل والدليل على ذلك ما كان فى شأن الجماعات الاسلامية وما حدث من تبدل فكرى بعد الحوار ، اذ الدولة - فى رأيى - وهذا ليس دفاعا عنها لن تصفق بمفردها فى القضايا القومية والمصيرية لأنها شأن عام ويخص كل المصريين باختلاف طوائفهم وأحزاب المعارضة هم جزء من هذه المنظومة الحية فى قلب المجتمع النابض لذا لابد من الحوار ومقارعة الحجة بالحجة وليست الاعتصامات والتظاهرات سوى وسيلة أولى لاظهار الفكر والفكر المعارض ، ولكن الحوار البناء يعيد الثقةللحوار الوطنى اذا أردنا أن تخرج مصر من أزماتها الحالية حيث يوجد من يتربص بها لتوريطها فى أمور ضبابية ومستنقعات نحن فى غنى عنها من أجل سلام مصر وأمنها وما الفتن الطائفية وأحداث الاسكندرية والصعيد وغيرها الا بذور لزرع الفتنة الطائفية بين عنصرى الأمة وشركاء الوطن من اخواننا المسيحيين الذين نكن لهم كل تقدير واحترام ومحبة
ان المثقفين غير راضين بما يحدث من زرع للفتن وما يحدث من ارهاب وقتل للابرياء وهم يعلنون أنهم ضد القتل والتشريد وازهاق أرواح الأبرياء باسم الدين تارة وباسم التأسلم السياسى تارة أخرى أو بأى اسم وأنا كمسلم وكمثقف برىء من كل ذلك بل أدعو مثلما طالب المثقفون فى مؤتمر شرم الشيخ - مؤتم أدباء القناة وسيناء - الى عقد مؤتمر دولى لمكافحة الارهاب والمعتقدات التى أدت بهؤلاء لأن يقتلوا الأبرياء ويقتلوا أنفسهم أولا ، ولنتدارس بالحوار وبالحجة الأسباب التى تدعو هؤلاء لعمل مثل هذه الاعمال الاجرامية فاذا كانت الحكومة - كما يقول أحزاب المعارضة - هى السبب غير المباشر فى ذلك _ بحجة أن الشاب لا يجد وظيفة ويالتالى هو فى فراغ فاننى قبل الحكومة - كمثقف - أقول : وهل تعتقد أحزاب المعارضة أن أى حكومة فى العالم بقادرة على تشغيل كل الأفراد أو توفير فرص عمل لهم؟ واننى فى ردى على هذا أكرر بأننى لا أدافع عن الحكومة - حتى لا يغضب صديقاى المعارضين - ولكن المنطق العقلى والضمير يقتضى أن نقول الحقيقة والتى تنشدونها معى كما تعلنون ولا أنكرها عليكم فأنتم وطنيون غيورون على الوطن ولكننى معكم أتحدث بمنطق العقل والفعل العملى وأقول : هل لو تخيلنا أن حزب التجمع غدا قد أمسك بزمام السلطة : هل تعتقدون أنكم وقتها بقادرين على تشغيل هؤلاء جميعا ؟
ان المنطق العقلى هو الذى يجب أن نتحدث به ولنفكر معا فى أفكار عملية لخلق فرص عمل لهؤلاء الشباب حتى يكونوا مواطنين صالحين ، ولكن ليس معنى ذلك أن يركن الشاب الى الراحة والتراخى فاذا لم يجد عملا فانه سيتحول الى ارهابى فهل هذا سلوك انسانى ترضاه أحزاب الحكومة قبل الحزب الوطنى؟
ان الامور يجب أن تتدارس بشىء من الحكمة وليس معنى ذلك أننا موافقون على قانون الطوارىء أو على أى قانون استثنائى من شأنه أن يكبل الحريات أو على محاكمة القضاة أو على وجود الاسرائيليين فى مؤتمر دافوس واشتراكهم فيه ولكننا مع المؤتمر الاقتصادى الذى يريد لمصرنا الخير وخاصة للفقراء قبل الاغنياء ونحن كذلك ضدالعولمة الثقافية لانها تستهدف ثوابت الامة لكننا مع العولمة الاقتصادية لنهضة مصر ولكن دون الضغوط التى يمكن ان تؤثرلا على ثوابتنا الراسخة ومعتقداتنا الدينية والثقافية وقيمنا الحضارية ولكننا بحكم المنطق وتحكيم العقل ودون ولكن أيضا أقول : ان المنطق البدهى يستلزم بعض الحزم وبعض الظبط من جانب الأجهزة الأمنية والا أصبحت الامور فوضى وهذا لا يرضاه عقل ولا منطقفالاجهزة الامنية عليها يقع الدور الاكبر فى توفير الامن والحماية لكل المواطنين ولكننى معكم تماما فى أن ما حدث لأبناء سيناء الأبرياء كان شيئا يشبه الكابوس ولكنها أزمة وستمر ودرسا نتعلمه لنختبر صلابتنا واثبات وقوفنا جميعا ضد العنف وأن فئة قليلة لن تسم الجميع بالارهابيين ولن تنسى الدولة ما قدمه أبناء سيناء من بطولات تشهد عليها ملفات المخابرات العامة وما مؤتمر الحسنة وأرواح ودماء الشهداء والمجاهدين الا صورة ووساما نضعها أمام العالم أجمع فى وجه كل من يحاول تشويه ابن سيناء الذى دافع عن التراب الوطنى فى أحلك المواقف والظروف وبطولات أبناء سينا كثيرة ومعروفة يعرفها المصريون ورجال المخابرات والأجهزة الأمنية قبل العامة ولا يستطيع أحد التشكيك فى صدقها ولكن ما حدث هو أمر عارض وليس بدعا لأهل سيناء حتى يوسم به الجميع ، فهل معنى
ان ما حدث فى الصعيد وغيره من احداث ارهابية تجعلنا نصف أبناء الصعيد جميعهم بأنهم ارهابيين؟ اذن فالمنطق يقتضى منا الحكمة والصبر والمناداة بمطالب أبناء سيناء وبحقوقهم فى كوب ماء نظيف ،وفى امتلاكهم لاراضيهم وأملاكهم ،وفى توفير الخدمات والمرافق العامة لهم وتحسين الدخل وتعمير وسط سيناء والاهتمام الثقافى والاعلامى بسيناء وتوطين البدووالافراج عن المعتقلين من الابرياء فى الاحداث الاخيرة فى طابا ودهب وغير ذلك من القضايا العامة التى تهم المواطنين جميعا وهذه مطالب حياتيةعادلة ومن حق الجميع أن نطالب الدولة بها ، ، كمواطنين وأحزاب وهيئات مجتمع مدنى وعلى الدولة والحكومة أن تسرع فى تلبية ذلك وهذا حق لكل مواطن سيناوى ينادى به رجل الشارع والمثقف والسياسى معا
ان الحديث عن علاقة المثقف بالسياسة حديث طويل وهو حديث ذا شجون ويطرح اشكاليات عامة وربما صدام بين السياسى والمثقف اذ كل يريد أن ينتصر لأفكاره ولكننا لا نريد الا الانتصار لما هو حق وعدل ولا ندافع عن سلطة أو حكومة وانما نريد أن نحكم العقل أولا حتى تخرج مصرنا الحبيبة من أزماتها المتتالية لتعود البسمة للأطفال الذين فقدوا ابائهم وأمهاتهم ولنبنى مجتمعنا معا حكومة ومعارضة على أسس قوامها الحب والحق والخير والجمال
وفى النهاية : ان حديثى لا يجب فهمه على أنه هجوم على المعارضة لأننى أحترم أحزاب المعارضة - وقد كنت فى القريب أحد أبنائها الذين تربوا فى قلب المعارضة وشربوا مبادىء الوطنية على أيدى رجال هم خيرة رجال مصر المخلصين ولكن ليس معنى انضمامى للحزب الوطنى بأننى أحاربهم ولكن الاختلاف فى الرأى لايفسد للود قضية فلتختلف المعارضة مع الأغلبية والنظام ولكنه الاختلاف الايجابى من أجل رفعة الوطن ومصرنا الحبيبة
** عضو منظمة كتاب بلاحدود / ألمانيا عضو اتحاد كتاب مصر