أسعار الأسماك والدواجن اليوم 20 سبتمبر    النفط يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية بعد خفض الفائدة الأمريكية    مصرع وإصابة 3 في حادث انقلاب سيارة بالصحراوي الغربي ب جهينة    عبد الباسط حمودة: عشت أيام صعبة وأجري في الفرح كان ربع جنيه    «دمعتها قريبة».. عبدالباسط حمودة يكشف عن أغنية أبكت ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض: جدري القردة خارج نطاق السيطرة    التوت فاكهة الغلابة.. زراعة رئيسية ويصل سعر الكيلو 40 جنيه بالإسماعيلية    دعاء يوم الجمعة.. أفضل ما يقال للرزق والسنن المستحبة    حرب غزة.. قوات الاحتلال تنكل بجثامين الشهداء الثلاثة في قباطية    بالأسماء| انتشال جثة طفل والبحث عن شقيقته سقطا في ترعة بالزقازيق    أمين الفتوى: لن تقبل توبة سارق الكهرباء حتى يرد ثمن ما سرقه    مقتل شاب على يد جاره في مشاجرة بدار السلام    موسم سيول شديدة.. الأرصاد تعلن توقعات فصل الخريف    مصرع شقيقين تحت عجلات قطار في المنيا بسبب عبور خاطئ للمزلقان    6 شهداء وإصابات إثر قصف الاحتلال منزلا في مدينة غزة    ترامب يثير الجدل بتصريحاته عن إسرائيل: أفضل صديق لليهود    وينسلاند: التوسع الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة يغير المشهد ويزيد تعميق الاحتلال    رابطة الأندية تكشف سبب تأخر تسلم درع الدوري ل الأهلي    الحكومة: تكلفة الأنبوبة 340 جنيهاً وكان من الصعب بيعها للمواطن ب100    سياسي بريطاني يحذر من تصعيد خطير بشأن ضرب كييف للعمق الروسي    الرئيس التنفيذي لشركة نايكي الأمريكية يعتزم التقاعد    عبدالباسط حمودة: أبويا كان مداح وكان أجري ربع جنيه في الفرح (فيديو)    دينا: ابني فخور بنجاحي كراقصة    بريست يحقق فوزا تاريخيا على شتورم جراتس    مساجد شمال سيناء تعقد 53 ندوة علمية دعوية عن سيرة النبي    صفارات الإنذار تدوّي في عدة مقاطعات أوكرانية وانفجارات ضخمة في كييف    قرار جديد من وزير التربية والتعليم قبل بدء العام الدراسي المقبل 2025    بعد القبض عليه.. تفاصيل القصة الكاملة لصلاح التيجاني المتهم بالتحرش    قبل بدء الدراسة.. العودة لنظام كراسة الحصة والواجب في نظام التعليم الجديد    أحمد فتحي: أنا سبب شعبية هشام ماجد (فيديو)    الداخلية: فيديو حمل مواطنين عصى بقنا قديم    مفصول من الطريقة التيجانية.. تفاصيل جديد بشأن القبض على صلاح التيجاني    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    رانيا فريد شوقي عن بطالة بعض الفنانين وجلوسهم دون عمل: «ربنا العالم بحالهم»    الداخلية تكشف كواليس القبض على صلاح التيجاني    ارتفاع جنوني.. تعرف على سعر طن الأسمدة بالسوق السوداء    حلمي طولان يكشف كواليس فشل تدريب الإسماعيلي    عيار 21 يرتفع الآن لأعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الزيادة الكبيرة    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي    "الآن أدرك سبب معاناة النادي".. حلمي طولان يكشف كواليس مفاوضاته مع الإسماعيلي    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة: أجهزة الاتصال المستهدفة تم تفخيخها قبل وصولها إلى لبنان    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    اتحاد الكرة: نفاضل بين الأجنبى والمصرى للجنة الحكام وشيتوس مستمر مع الشباب    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خصوصية الثقافة في بادية سيناء
نشر في محيط يوم 01 - 03 - 2008

خصوصية الثقافة في بادية سيناء

* حاتم عبد الهادي السيد
سيناء أرض القمر أرض الرسالات، أرض الشعراء، ولا شك أنها الجنة الوارفة الظلال، والواحة الغناء، والبحيرة الزرقاء، على شاطئ الفيروز والأحلام يتغنى الكروان ويصدح للعشاق، وتنطق النوارس من البحر الأبيض المتوسط لتعلن لخريطة الأدب في مصر عن حلقة مفقودة من حلقات الأدب الشعبي المصري العربي.

ولا غرو – فإن البحث في التراث له مذاقه ونكهته الجميلة والمدهشة، كما أن الرحلة الشاقة عبر صحراء بادية سيناء – حيث الجمل والناقة والخيمة البدوية وسباق الهجن وغيرها – لها ثمارها، خاصة وأن هذه الدراسة غير مسبوقة على الإطلاق، فلم يكتب باحث أو راوٍ أو مؤرخ عن الشعر البدوي وأدب البادية بشبه جزيرة سيناء.

لذا أرجو أن يلتمس القارئ لي العذر إن أخفقت في إحدى جوانب هذه الدراسة، وذلك لصعوبة الجمع الميداني وصعوبة البحث والتنقيب عن كنوز الأدب والثقافة في شبه جزيرة سيناء " شمالها، وسطها، جنوبها ". وثمة صعوبة أخرى تكمن في منهجية البحث الميداني والجمع التوثيق واختيار النماذج للوصول إلى بانوراما عامة لأدب البادية.

كما تكمن الصعوبة في البحث عن الأصول التراثية الأصيلة خاصة بعد محاولات الصهيونية العالمية المتمثلة في فترة الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء وتشكيكها في التراث والهوية العربية والإسلامية ولطمس معالم المنطقة في محاولة غير شريفة – لتهويد سيناء باعتبارها جزء من حلم الدولة الصهيونية الكبرى.

لكل هذا وغيره كانت الصعوبة، إلا أنني تجشمت هذا العناء، ولقد سهل على الأمر دراستي في قسم اللغة العربية بكلية التربية بجامعة قناة السويس، ولكوني أقرض الشعر، علاوة على أنني ابن سيناء الأرض والموقع والتاريخ.
وأنني إذ أقدم هذاالبحث إنما أقدمه لأضع لبنة أولى للبحث عن معالم للشعر البدوي – الشعبي – في بادية سيناء، فإن وفقت فهذا حسبي، وإن تكن الأخرى فعلى المرء أن يحاول وليس بيده إدراك الغايات.
والله الموفق والمستعان..............


الثقافة الشفاهية والشعر البدوي

الشفاهية والكتابية مرحلتان أساسيتان في تاريخ اللغة، إلا أن التركيز على الكتابية ومنهجيتها كان له الصدارة، وظلت الشفاهية في ذاكرة الأمة دون ضوابط، مع أن الدراسات الحديثة بدأت تهتم باللهجة والأدب اللهجي، إلا أن هذه الدراسات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

لذا كان علينا أن نسلط الضوء على تلك الحلقة المفقودة من ثقافتنا العربية، وبداية – لن أقف عند تحديد المصطلح، فالثقافة هي الإطار العام للسلوك والعادات والتقاليد، بينما الشفاهية تمثل جزءًا من الثقافة إلا أنها تتفرع إلى تعريفات كثيرة نظرًا لتعدد محاورها، لكننا سنكتفي بتعريف مؤداه: " أن الثقافة الشفاهية هي البوتقة أو الإطار الكبير الذي يحوي داخله السلوك والعادات والتقاليد واللغة والفكر لجماعة معينة أو لجماعات متصلة ورثت تراثًا وثقافة وفكرًا وضعه الآباء نتيجة العيش في مجتمعات تتمسك بوحدة الجماعة وتؤمن بقيمة الفرد ودوره في المجتمع ".
ومن هذا التعريف العام يمكن أن تتفرع محاور الثقافة الشفاهية لتشمل على:
1 – اللغة ( اللهجة ) 2 – العادات والتقاليد
3 – المعتقدات الشعبية 4 – الأزياء والحلي
5 – الطب الشعبي 6 – القضاء العرفي
7 – الشعر البدوي 8 – الثقافة الإقليمية أو الثقافة الخاصة
9 – الاقتصاد 10 – الاجتماع
11 – الانثروبولوجيا 12 – السلالات والأجناس والجغرافيا البشرية
بلا أن محاور الثقافة الشفاهية يمكن أن تنسحب إلى كل ما يفعله الشخص داخل إطار هذا المجتمع العام. لذا لا تقتصر دراسة الثقافة الشفاهية – في نظري – على البدو الذين يعيشون في مجتمعات منغلقة – قليلاً – أو على تلك الجماعات التي تسكن بعيدًا عن العمران فحسب بل يمكن أن تنسحب إلى كل ما هو خارج عن إطار الحدود اللغوية المتعارف عليها وأغنى – اللغة العربية.
- فنراها تتسع لتشمل لهجات القبائل واللغة العامية – الدارجة – في كل أقطار الشعوب والأمم في العالم أجمع. وإذا اتفقنا على هذه النقطة فإن الثقافة الشفاهية – في نظري – يمكن أن تمثل اللغة الرسمية الثانية بعد اللغة الأصلية لكل مجتمع، وكما يمكن أن تتنوع هذه الثقافة الشفاهية داخل كل قطر، فعلى سبيل المثال – في مصر – تختلف اللهجات بين الأقاليم ( قبلي – بحري ) وبين المحافظات، فصعيد مصر تختلف لهجته عن لهجة أبناء الريف ، كما تختلف لهجة بدو " سيناء " عن لهجة بدو " مرسى مطروح "، بينما يتفق القاهريون على اللهجة العامية المصرية ، وقد تختلط هذه اللهجات بين قطر وقطر فلهجة بدو سيناء مثلاً تختلط باللهجة الفلسطينية ولهجة بلاد الشام من جهة وباللهجة العامية القاهرية من جهة أخرى، كما تختلف اللهجة بين قبيلة وأخرى وهكذا يمكن أن نجد لدينا مصهورًا لهجيًا غنيًا يمكن أن يكون مدخلاً لدراسة عادات وتقاليد وفكر الأمم والشعوب والقبائل وكل ذلك يخدم السياسة والثقافة من طريق غير مباشر.
فيحتاج السياسي إلى معلومات عن فكر الدولة المعادية: كيف يفكر أبناؤها، عاداتهم، تقاليدهم، لهجتهم ولغتهم، حتى إذا ما فكرت الدولة في غزو الدولة المعادية فإنها تجد لديها خريطة عامة يمكن عن طريقها إخضاع أفراد هذه الدولة لأنها عرفت المدخل الصحيح لهوية أفرادها وعادة ما يقوم بهذه الدراسات رجال المخابرات والبعثات الخاصة ( السياحية على وجه الخصوص )، لذا لم تنجح إسرائيل في الدخول إلى عقلية المواطن السيناوي لأنه فات على رجال الموساد الإسرائيل أن يدرسوا عادات وتقاليد أبناء سيناء، فلم تنجح محاولاتهم بعد ذلك في تهويد سيناء ونشر اللغة العبرية بين أبنائها أو في المقررات الدراسية أو في البرامج الموجهة التي كانت تبثها عبر قنواتها الفضائية أو إغراء أبنائها بالمال.
وعلى العكس من ذلك نجح القائد الألماني " روميل " – والذي متحفه الآن بمدينة العلمين بالقرب من مرسى مطروح – في السيطرة على المنطقة الغربية لمصر لأنه درس اللهجة والعادات والتقاليد لأبناء المنطقة بل كان يتحدث مع البدو – هناك – كأنه أحدهم.
لذا كان من المهم دراسة الثقافة الشفاهية دراسة متأنية لأنها – في نظري – تمس الأمن القومي لأي دولة، لأن الحروب الآن لم تعد حروبًا قوامها المدفع فحسب، بل أصبحت الحروب حروبًا نفسية وثقافية وغزوًا فكريًا وثقافيًا واقتصاديًا، بل امتد هذا الغزو الفكري ليهدد الهوية ويشكك في الانتماء ويهدم البنية العقلية.
لذا فالدراسة الثقافية الشفاهية – في نظري – هي دراسة قومية للفكر العام الذي يدخل في ديناميات الشخصية والذي يحدد كل القيم والاتجاهات والمفاهيم للفرد والتي تنعكس بدورها على المجتمع والتي تمثل أكبر تهديد للأمن القومي لأية دولة من دول العالم.
فإذا كان العالم – الآن – قرية صغيرة وأصبحت " نظرية العولمة " أو عصر العولمة – هو العصر الذي نعيش فيه وجب علينا أن نحتاط من نتائج هذه التكنولوجيا المتلاحقة لأن آثارها – في نظري – ستهدد الأمن العام العالمي وربما تنذر بكارثة كبرى لنهاية العالم 1⁄4 ولن نخوض كثيرًا في هذا الجانب فإن الحديث فيه يحتاج منا إلى دراسات مطولة، ولكن جاء الحديث عنه في سياق التدليل بأهمية الدراسات الشفاهية بصفة عامة.
من هنا كانت الصعوبة في الحديث عن الثقافة الشفاهية، ولذا وجب أن أقصر البحث – هنا على محور واحد من محاور الثقافة الشفاهية وأعني " الشعر البدوي " وإن كان من الصعب الفصل بين هذه المحاور لتشابكها بل وذوبانها داخل حدود الإطار الشكلي فوقع الاختيار على الشعر البدوي لأنه يمكن أن يحوي أغلب هذه المحاور ثم أليس الشعر ديوان العرب وكتابها الجامع؟!

في بادية سيناء
احتلت سيناء مكانة متميزة لأسباب دينية وتاريخية، كما تعرضت لحروب مستمرة تجاوزت تأثيراتها الحدود الإقليمية إلى العالمية، وحاول الاستعمار طمس معالم انتماء سيناء لمصر والعروبة، لكن التراث المتمثل في الموروث الشعبي " الشفاهي " استطاع أن يقف في وجه تلك المتغيرات المختلفة.
لذلك يقتضي المنهج العلمي تمهيدًا أوليًا للتعرف على خصائص الموقع والعادات والتقاليد، وعن حياة أهل البادية وذلك انطلاقًا من قاعدة راسخة مفادها: أن الأدب – أولاً وأخيرًا – لا يخرج مطلقًا عن كونه نتاجًا إنسانيًا يتأثر ببيئته المحيطة ويؤثر فيها، فلا يمكن فصل الأدب عن المجتمع كل الفصل من كل الوجوه.
تعريف المجتمع:
يعرف علماء الاجتماع المجتمع Society بأنه: " جماعة من الناس تربط أهلها وأفرادها بعضهم ببعض رغبات مشتركة معًا، ويعيشون معًا، ويتبادلون المنافع ويعملون سويًا مدة طويلة للتغلب على ما يواجههم من مشاكل الحياة، ويتم ذلك بصفة منظمة مما يؤدي إلى اعتبارهم وحدة اجتماعية تحدد العلاقات بين أفرادها نظم اجتماعية معينة ذات أهداف مشتركة.
بينما يعرف المجتمع المحلي Local Community بأنه: " جماعة من الناس يعيشون في مساحة من الأرض تجعلهم في اتصال مستمر، يعدهم للتعاون وللعمل على وحدة المجتمع الذي يعيشون فيه، وعلى تماسكه، ويتميزون بخبرات مشتركة ومؤسسات خاصة ونظم اجتماعية تنظم العلاقات بينهم، وكلما نما هذا المجتمع وكبر حجمه زاد عدد أفراده وتعقدت نظمه الاجتماعية.
كما يمكن اعتبار سيناء " مجتمعًا وظيفيًا Functional community وهو المفهوم الذي يعرف بأنه: " تلك المجموعة من الأفراد أو المجموعات الذين يشتركون في وظيفة أو ميول أو رغبات واحدة مثل الزراعة والرعاية الاجتماعية والدين.
وبالتالي يمكن وصف " مجتمع سيناء بأنه مجتمع وظيفي يشمل داخل النظم الاجتماعية المختلفة.
سيناء الموقع والمكان:
سيناء شبه جزيرة تحيط بها المياه من كل جوانبها عدا الجانب الشرقي عند حدودها مع فلسطين، وهي على شكل مثلث قاعدته في الشمال على البحر الأبيض المتوسط بساحل يبلغ طوله ( 320 كم2 ) وضلعاه في الجنوب على خليج السويس وخليج العقبة بطول ( 400 كم2 ) بساحل يبلغ طوله ( 250 كم2 ) أي تمتد سواحلها بطول ( 870 كم2 ) وتمتد أرضها ( 275 كم2 ) طول خليج السويس و ( 150 كم2 ) طول خليج العقبة.
وتبلغ مساحة سيناء حوالي ( 61 ألف كم2 ) أي حوالي ( 940 ميل ) ولشبه الجزيرة أهمية استراتيجية عظيمة فهي بوابة مصر الشرقية لجميع الطرق الموصلة بين وادي النيل والأردن وفلسطين والحجاز.
أسماء سيناء:
وصفت المؤلفات القديمة أرض سيناء بعدة أسماء، فقد سميت جزيرة " طور سيناء "، كما عرفت في الآثار المصرية القديمة باسم " توشويت " أي أرض الجدب أو الأرض الجرداء، وعرفت في الآثار المصرية الآشوية باسم " مجان " ولعل الكلمة محرفة من الاسم العربي " مدين " أو " أرابيابيترا " ( 1 ) أي البلاد العربية الصخرية عند اليونانيين، كما سميت سيناء باسم أرض السين " وهو إله القمر ومعنى " سين " بالعبرية " القمر " لأن أهالي سيناء كانوا يعبدون القمر في الأزمنة العابرة.
وذكرت سيناء في " القرآن الكريم " بأنها الوادي المقدس في قوله تعالى: " فأخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى " وفي قوله تعالى: " والتين والزيتون وطور سينين "، وقد أطلق سكان شبه الجزيرة عليها الكثير من الأسماء منها: أسياد الرمال " في العصر الفرعوني، وأطلقت عليهم التوراة اسم " العمالة " وبعد الفتح الإسلامي أطلق عليهم بنو إسماعيل اسم " الأعراب "، وفي العصور القريبة أطلق عليهم " صيادو الصقور " و " عشاق النوارس " ( 2 ).
أقاليم سيناء:
تنتشر بسيناء السلاسل الجبلية والمرتفعات والهضاب والبحيرات، ففي الجنوب تقوم سلاسل الجبال الجرانيتية العظيمة بقممها الشاهقة وتحتل نصف مساحة الجزيرة، وتوجد سلاسل جبال أخرى من الأحجار الجيرية المعروفة باسم " جبال سيناء " متجهة نحو " وادي العريميين " حيث يخرج منها هذا الوادي العظيم متجهًا شمالاً حيث تصب مياهه في البحر الأبيض المتوسط بمدينة العريش.

أما القسم الشرقي من الجزيرة فيحوي الكثير من الجبال الصخرية ذات المناظر الطبيعة الخلابة.
ومن أشهر الجبال: " جبل الراحة "، وجبال " خشم الطرف " وجبال " العجمة " وجبل " طور سيناء " وجبل " القديسة كاترين " و " الجبل الأحمر " وجبل " السربال " وجبل " حمام موسى " وجبل حمام فرعون.
أما عن مناخ سيناء فهو مناخ شبه صحراوي، وتتراوح نسبة الرطوبة بين ( 50 %، 70 % ) كما تتعرض شبه الجزيرة للأعاصير والانخفاضات الجوية في فصل الشتاء وفصل الربيع.
البدو وأوصافهم الخلقية والخلقية:
يوصف البدوي بالرزانة ورجاحة العقل وحسن تدبير الأمور كما يوصف بالخفة والرشاقة والذكاء وسمرة اللون، ويتميز بالأنف الأقنى، كما أن النساء جميلات بالفطرة لكنهن قلائل، ويتميز البدوى بدقة النظر وخفة الظل والحصافة. كما يتميز بالكرم وحب الجار والقبيلة، إلا أن سمة العصبية هي الغالبة، والأخذ بالثأر سمة موجودة، والبدوي غيور بطبعه ولا يمكن لرجل أن يتعرض لفتاة أو امرأة وإلا صارت الأمور على غير ما يحمد عقباه. ( 3 )
عادات أهل البادية:
يسكن البدو في بيوت تسمى " بيوت الشعر " تصنع من جلود الماعر وبعض فروع الأشجار والنخيل وأوراق شجر العادر وبعض الأشجار البرية وأوبار الجمال وأصواف الخراف.
كما يسكنون الخيام لأنهم دائمًا في تنقل مستمر حول الكلأ والمراعي 1⁄4 ويصنعون " العرائش " لتظلهم وتقيهم حرارة القيظ ويجتمعون – في الليل – حولها يشعلون النيران من الحطب ويشربون القهوة العربية الجميلة.
الرعي في الخلاء:
يخرج البدوي أو البدوية – غالبًا – للرعي في الصحراء وتنتشر الأغنام لتأكل من الكلأ، وتجلس البدوية تحت شجرة تعزف على الشبابة أو الناي أو آلة المقرون وتنطلق في غناء عذب يملأ الصحراء الجرداء عبقًا فتزقزق الطيور وتتقافز الماعز كالغزلان البرية الجميلة في صورة طبيعية غاية في الروعة والحسن والجمال.
الأسلحة المستخدمة:
يستخدم البدوي أسلحة تقيه من الذئاب والحيوانات المفترسة والضالة، كما قد يستخدمها في الحروب والنزاعات التي قد تنشأ على الكلأ والماء ومن هذه الأسلحة " الشبرية " وهي مثل المطواة لكنها أبلغ تأثيرًا وأكثر قوة، والسيوف المحلاة بالفضة وهي أنواع منها: " العجمية " و " الدمشقية أو الشاكرية " و " السليمية " كما يستخدمون البنادق المختلفة وأنواعها: الفتيلة " و" الشطفة " و" الكبسول " و" رمنتون " علاوة على " الطبنجات " و" السكاكين " وغيرها.
الحياة اليومية العادية:
يستيقظ البدوي في الصباح الباكر، ويخرج الشبان لرعي الإبل بينما تخرج الشابات لرعي الأغنام، وتستيقظ النسوة قبل طلوع الشمس فيصلين ثم يقمن بإشعال النار في أعواد الحطب الجافة، وتصنع البدوية الخبز " الفطائر الرقيقة " على " الصاج " وهو عبارة عن " آنية مقعرة من الصفيح المقوى " فتقوم بوضع " العجين " عليه بعد أن ترققه بيديها ثم تضعه على الصاج حتى ينضج لتقدمه طازجًا وبعد الإفطار يشربون الشاي ويخرج الرجال إلى أعمالهم في الزراعة وغالبًا ما تساعد المرأة في الزراعة وتربية الدواجن والماعز والخراف، وعندما يأتي الظهر يتناولون طعام الغذاء ويشربون الدخان ويلعبون " السيجة " وهي لعبة بسيطة لا تحتاج إلا لبعض الأعواد الجافة أو بعض الحصى، ويتسامرون وسط المزارع إلى أن تغيب الشمس فيمتد السمر وتحلو الأحاديث حول الناس المشتعلة.
القضاء العرفي:
أهل بادية سيناء لا يلجأون إلى الحكومة في شيء، فإذا وقعت واقعة ما فأنهم يلجأون إلى شيخ القبيلة أو القاضي العرفي لحل المشاكل مهما كبرت أو صغرت وأمره نافذ ولا يمكن رفضه وإلا طرد الرافض من القبيلة، ولكل قاض اختصاصات معينة ويحكم في القضية فهناك قاض للقتل وقاض للسرقة وغير ذلك فإذا لم يعترف المتهم بجريمته فإن القاضي يحوله إلى " المبشع " " للحس البشعة " أي بدلاً من أن يحلف، يتم تسخين آنية معينة حتى تحمر من شدة الحرارة ويقال لمرتكب الجريمة: الحس هذه الناس بلسانك " فإن كان بريئًا فإنه " يلحسها بلسانه " وبإذن الله لا يصيبه شيء أما إن كان مجرمًا حقًا فإن النار تخرسه وتجعله أخرسًا إلى الأبد وأغلب مرتكبي الجرائم يعترفون بفعلتهم قبل لحس النار لأنهم يعلمون النتيجة.
السياحة في سيناء:
تكتسب سيناء اهتمامًا خاصًا في الديانات المختلفة لما تحويه من آثار دينية وتاريخية تتمثل في " دير سانت كاترين " والذي يحوي مكتبة تضم آلاف المخطوطات الأثرية العظيمة باللغات السريانية واليونانية والعربية، علاوة على وجود " الكنيسة الكبرى " وهي من أقدم الآثار المسيحية في صحراء سيناء وتعرف بكنيسة " الاستمالة " وهي إحدى كنائس العالم الهامة ويرجع بناؤها إلى عهد الإمبراطور " جستينيان " في القرن السادس الميلادي، كما توجد مكتبة " الأيقونات " وهي عبارة عن صور زيتية تعبر عن أهم أحداث العهدين " القديم والحديث " كما توجد شجرة " العليقة المقدسة " وتوجد بداخل الدير حيث المكان الذي كلم " موسى " – عليه السلام – ربه في وادي " طوى " كما ذكر ذلك في " القرآن الكريم "، هذا إلى جانب وجود السياحة التاريخية كالطريق الحربي القديم " القنطرة – رفح " ويسمى طريق " حورس " وطريق " المحمل " وقد عني السلطان " قنصوه الغوري " ( 1501 – 1516 م ) بتمهيد هذا الطريق الذي استخدمته " شجرة الدر " عام 1248 م زيارة الأراضي الحجازية.
وعن أهم الآثار الفرعونية نجد " وادي المغارة " وعليه نقوش بالهيروغليفية ويستخدم هذا الوادي لتعدين الفيروز وبه تمثال كبير أقامه الملك " سمرخت " آخر ملوك الأسر الفرعونية الأولى ( 5291 – 5263 م ) تمجيدًا لإله سيناء المقدس.
كما يوجد بسيناء معبد " سرابيت الخادم " والذي يرجع إلى الأسرة الثانية عشر وما بعدها من الأسر، ويوجد بالمعبد كهف الإله " هاتور " ( حت – حور ) من عهد الملك " سنفرو " وكهف الإله " صغدور " وهو من آثار الملكة " حتشبسوت " علاوة على وجود الكثير من الآثار الإغريقية والرومانية والبيزنطية وبعض القلاع كقلعة " لحفن " وقلعة " المغارة " وقلعة " صلاح الدين الأيوبي " وقلعة " سليمان القانوني " 1560 م.
كما توجد بشبه جزيرة سيناء قلعة " نخل " وهي إحدى القلاع التي شيدت في عصر السلطان " قنصوه الغوري " وقلعة " الفرما " التي شيدها " المتوكل على الله " وبعض القلاع الأخرى كقلعة " المحمدية " وقلعة " خربة الرطيل " وقلعة قاطية " وقلعة " البلاج " وقلعة " الطينة " وقلعة " ثارو " وقلعة " جزيرة فرعون ".
ومعلوم اشتهار سيناء بالسياحة الترفهيهية مثل سياحة الغوص في " شرم الشيخ " ومنطقة " راس محمد " و" نوبيع " وتعبر منطقة " رأس محمد " من أجمل بقاع الدنيا وتنتشر مراكز الغطس بمنطقة " دهب ".
وتنتشر كذلك رياضة الانزلاق على الماء، وتوجد بسيناء المياه الكبريتية مثل " عيون موسى " و" حمام فرعون " وتستخدم هذه المياه الكبريتية في الاستشفاء من الأمراض الروماتيزمية وبعض الأمراض الأخرى، وتصل درجة مياه " حمام فرعون " حوالي ( 72 ) درجة مئوية ).
ونجد في سيناء شواطئ البحر الأبيض المتوسط الجميلة والممتدة من مدينة " رفح " حتى مدينة " القنطرة شرق " وتنتشر في المساء طيور النورس البيضاء وأسراب طائر السمان المهاجر من أوروبا لتهبط آمنة في أحضان " محمية الزرانيق " وفوق شواطئ " بحيرة البردويل " وشواطئ البحر المتوسط الساحرة ( 4 ).
سيناء والتاريخ:
لم تحظ بقعة في العالم بمثل ما حظيت به سيناء، فهي المسرح التاريخي الذي شهد فصولاً متعاقبة من الأحداث التاريخية نظرًا لما تمثله من أهمية استراتيجية في خريطة العالم " قديمة ووسيطة وحديثة ".
فها هي الأسرات الفرعونية تعرف عظمة سيناء فحين تعرضت مصر لغزو " الهكسوس " ( 1160 – 1580 ق. م ) استنفرت مصر قواها معلنة على لسان حاكم " طيبة " ( سيكننرع – كاموس – أحمس ) حربًا شديدة الضراوة تنتهي بطرد " أبو فيس " قائد جيش الرعاة، كما عبرها " تحتمس الثالث " بجيشه قاصدًا بلاد " الآشيويين " لردع المغيرين على حدود مصر الشرقية، كما قاد " سيتي الأول " ( 1304 – 1195 ق. م ) جيش مصر حيث كان متوجهًا لبلاد الحيثيين ليؤدب الطامعين في أرض الكنانة.
أما في العصر الوسيط فقد أشرق الفتح الإسلامي على " مصر " عام ( 18 ه – 638 م ) بقيادة " عمرو بن العاص " حتى سقطت قلعة " الفرما " أمام المسلمين بعد حصار دام شهرًا، وعبرها الصحابة رضون الله عليهم لفتح شمال أفريقيا عام 467 ه، كما عبرها " صلاح الدين الأيوبي " لفتح " بيت المقدس ". وفي العصر الحديث وقعت سيناء فريسة لأطماع الصهيونية العالمية المتمثلة في الحروب الإسرائيلية ولقيام دولة إسرائيل فكانت حروب ( 1948 ) و( 1956 ) وحروب الاستنزاف ثم حرب 1973 م لتعود سيناء إلى أرض الكنانة أرض مصر الخالدة في 25 أبريل عام 1982 م.
المرأة البدوية:
كفل دستور البادية للمرأة حقوقًا وحفظها القضاء العرفي، والفتاة دائمًا ممسوكة " محتجزة " لابن العم، ولابد لابن العم أن يوافق على زواجها إذا تقدم لها أحد غير، وفي هذه الحالة يدفع الغريب مبلغًا من المال ترضية لابن العم.
والبدويات يلبسن الثوب السيناوي الجميل الزاهي الألوان ويتمنطقن بحزام أسود أو أبيض حول الخصر، ويضعن " البرقع " على الوجه ولا يظهر منهن إلا العينان، والبدويات يغرمن ويولعن " بالوشم " فيشمن الشفة السفلى وظاهر اليدين ( أي يقمن بصبغها بالألوان ) ومن ظهر الكف إلى المعصم ثم إلى الكوع وقد يشمن الخد بدقة بصور مختلفة على سبيل الزينة والجمال. وتضع في أنفها بعد أن يتم تثبيته بطريقة معينة حليًا يسمى " الشناف " وحلقًا يسمى " المخرطة " وهو من الذهب، وتخلع الفتاة " الشناف " بعد أن تتزوج فإذا بلغت الفتاة سن الثانية عشر يسمح لها بدق " الوشم " على ذقنها وهو على شكل ( 6 ) نقاط مقابل ( ثلاثة ) آخر، والمرأة تشارك الرجل في الرعي والزراعة كما تشاركه في الرقص والغناء في السامر السيناوي.
السامر السيناوي:
وهو بمثابة " الأوبرا البدوية " أو " المسرح البدوي " وهو يقام في أيام محددة أو في الأعياد والمواسم حيث تجتمع النساء والرجال في بقعة محددة من الأرض فالبعض يرقص ويغني والبعض يتسابق على الخيل الأصيلة والبعض يجلس حول النار ليشرب الشاي والقهوة ويعلو الغناء ومبارزة السيوف في جو يسوده الحب والنظام وليس الفوضى والاختلاط المبتذل فالكلمة لها حسابها وهم في ذلك أقدر لأنهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان.
آلات الطرب في سيناء:

أهل سيناء أهل مغنى وطرب وأشهر هذه الآلات:

* الربابة : وهي تشبه الربابة المستعملة في السودان والأقطار الأخرى.
* الشبابة : وهي المعروفة في مصر بالصفارة.
* المقرون : وهو معروف في مصر بالزمارة.
** عضو اتحاد كتاب مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.