الإنسان العربي والإنسان الغربي كائنان مختلفان في نظر الغرب والعرب،فهو عند الغرب في جملة الكلاب المسعورة تجب مطاردته،وتهون إبادته،وعند الحكام العرب هو بضاعة رخيصة لا تصلح إلا لتزيين المهرجانات وشغل حيزات في أرقام الحسابات الاستعراضية،ومن المفارقات الغريبة أن الإنسان العربي ذاته أصبح يصدق بسهولة ما يوصف به هنا وهناك ،ويرضى بمعاملته القاصية هنا وهناك ، ويقبل الإهنات.هذه الصورة توطنت بين عيني والدمع وأنا أقرأ خبر أحوال سجناء جزائريين في السجون الليبية ،هي مشكلة ليست كباقي المشاكل.
أفرادها جزائريون تدفعهم ظروفا صبة إلى الهجرة فأوصلتهم حظوظهم إلى السجون الليبية،ربما دون ذنبٍ أو جرم،وإنما تحت تهمةٍ واحدة "أنهم جاءوا من الجزائر".كانت خلفية تلك الصورة في مخيلتي بلونيين،اللون الأول هو الشهد العربي الغربي في عتاب المقاومتين الفلسطينية واللبنانية على احتجاز ذلك الجندي الإسرائيلي الذي جاء لإزهاق أرواح الأطفال الفلسطينيين في المخيمات جنوب لبنان ووقع في أسر المقاومة،ذلك المشهد الذي كبد لبنان والفلسطينيين مالا يصدقه العقل من الخسائر في الأرواح والممتلكات،وكلف الهياكل المتململة لحكام العرب مصاريف ووقت وتنازلات ، واهتمامات ل احصر لها و.. كل ذلك من أجل الوساطة لإطلاق صراح الجندي الإسرائيلي (المسكين ).
أرواح الطبيب والممرضات البلغاريات الذين تعمدوا حقن أطفال ليبيا :فيروس "السيدا"،وهو الأمر الذي كلف أسرا ليبية فقدان عزيز، وكلف الوساطة العربية والدولية مصاريف ومتاعب وأوقات،إلى أن أطلق سراحهم وعودتهم إلى دويهم،هذه خلفيات الصورة. أما الصورة الأساس فهي الأوضاع المأسوية التي يعيشها52 جزائريا في السجون الليبية بعد أن صدرت في حقهم أحكاما وصفت بالثقيلة ويمكن وصفها بالتعسفية (8حكم الإعدام، 22 السجن المؤبد، خمسة قطع اليد، 17أحكام أخرى مختلفة.عندما نقول أحكاما ثقيلة تعسفية لا يعني أننا نوجه الاتهام إلى القضاة الليبيين،لا،فليبيا بلد ذا سيادة ، والقضاء سيد في بلده،والشعب الليبي ذو علاقة متميزة مع الشعب الجزائري، ولكننا نوجه الإشارة للظروف التي أوصلت هؤلاء إلى السجون الليبية، والمناخ الذي جرت فيه عملية إعداد الملفات ومحاضر الإحالة، وتقارير نعت الجنايات، ومدى تمكينهم تمكين أهاليهم من إحضار الدفاع وتقديم الدفاعات وما إلى ذلك من المراحل إلى ذلك من المراحل. هؤلاء هاجروا ، من الجزائر،ذلك البلد العربي الإفريقي ألمغاربي،تظللهم هالة من الأوصاف والنعوت ، صنعها الصهاينة بقيادة بوش وحلفاؤه الغربيين،فكل يرى فيهم:الانحراف عن الدين ،الفساد ،الإرهاب ، الخ- والذي لديه هذه النظرة أو يتوههما لا يمكن إلا أن تتأثر معاملاته وأحكامه وتصرفاته بها.
نحن بهذا لا نريد الطعن في مصداقية القضاء الليبي أو القانون الليبي، أبدا،ولا نريد تبرئة ذمة هؤلاء المسجونين، لكننا ندعو إلى التغلغل في عمق المسألة،هؤلاء عرب في بلد عربي،أفارقة في بلد إفريقي، مغاربة في بلد مغربي(في حدود الجامعة العربية، ومنظمة الاتحاد فريقي،ورقعة الاتحاد ألمغاربي)،ليس لهم في ليبيا طمعا إلا أمل الحصول على شغل والاحتماء من جحيم الفقر والإرهاب ،"هربوا من الجحيم فوقعوا في الدرك الأسفل منه"،ولا أحد اهتزت مشاعره،لا الخارجية الجزائرية سعت لدى نظيرتها الليبية، ولا الدول العربية وجامعتهم اهتموا بأرواح هؤلاء،ولا تنظيمات ومنظمات حقوق الإنسان رأت المأساة،52جزائري لا يهم إن أعدموا،لا يهم إن.....وإن...، فهم جزء من غاشي جزائري، وجزء يسير من غاشي عربي.ولنتصور أخي القارئ حجم الواقعة لو كان هؤلاء إنجليز أو فرنسيين، أو..، ولا أتعبك أن تتصور أنهم أمريكان،فإن مخك لن يستوعب مدى غضب دولتهم و الجحيم الذي سيصيب إفريقيا بكاملها إثر ذلك.
فالمسألة صارت عكسية فبذل أن يكون الإنسان عملة لها وجهان"عربي-غربي"صار شكلا لكل وجه قيمة، هنا إنسان له حق في العيش الكريم ،له الحق في التحرر،وله.. وله،..وهناك شيء آخر،هناك كائنات تتآكل يعيش بعضها على دم الأخر. في فلسطين يقتل في بيته وفي سيارته و.. ويكتب إرهابي عند أمريكا وربيبتها إسرائيل،في العراق يهان الفرد أمام العالم وإذا انتفض كتب في القائمة السوداء، قائمة عناصر القاعدة، وسخرت كل الوسائل لمحقه،وفي الجزائر يهاجر الفرد بحثا عن بصيص أمل، فيوصف بالهاوي للانتحار،يدين الإرهاب فيوصم بالعمالة ويقتل،يسكت عن الإرهاب فتضرب حوله الشكوك والمضايقات،فهو مدان في كل الأحوال،وهكذا دواليك ،والقائمة تطول الأوضاع وتتعدد.
هي مشاهد تعرب عن مآسي أمة ومعاناة أبنائها،وتسجل في دفاتر الصمت أسئلة كثيرة ، يدعو بعضها البعض،يزاحم سابقها لاحقها، ينفر كبيرها من صغيرها،أسئلة يطرحها ضمير كل عربي في صمت:أين المنظمات والتنظيمات العالمية من الإنسان العربي؟لماذا وجدت جامعة الدول العربية، أليست من أجل تنظيم الصف العربي؟ ما دور الاتحاد ألمغاربي،إذا لم يجعل شعوب المنطقة تعاون تجمع جهودها وتتآزر للتغلب المصاعب والمتاعب، وتدفع العجلة نحو الرقي؟،ما دور هذه الهيئات والهياكل والجيوش من الخدم والحشم التي تملأ جنيات مبانيها وتنهش خيرات الوطن، إذا لم تخدم إنسان هذا الوطن، و لم تعمل على صيانة كرامته؟ .