ما وراء الخلاف المستعصي في لبنان مسعود ضاهر بعد الانحدار المريع في مستوى العمل السياسي في لبنان، من حيث النظرية والتطبيق معاً، بات المحللون السياسيون يرددون الشعار المعروف بأن السياسة في لبنان تقوم الآن على قاعدة “اتفقوا على ألا يتفقوا". فكلما حلت عقدة، بمساعدة من دول شقيقة أو صديقة، برزت عقدة جديدة، وآخرها البيان الوزاري. كان اللبنانيون يتوقعون ولادة سريعة لهذا البيان بعد إعلان “حكومة كل لبنان" التي شاركت بحماسة في مهرجان استقبال الأسرى المحررين واستعادة رفات عشرات الشهداء. فوظيفة البيان الوزاري هي التخطيط لعمل الحكومة خلال الفترة الممتدة حتى إجراء الانتخابات النيابية في ربيع ،2009 وبالتالي فإن القضايا الخلافية حول سلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية سيتم بحثها في جلسات الحوار المقبلة برئاسة الرئيس ميشال سليمان الذي بدأ فعلا التحضير لها. وكان بمقدور لجنة البيان الوزاري الإفادة من نص البيان الوزاري للحكومة السابقة للرئيس فؤاد السنيورة نفسه، مع بعض التعديلات الإضافية بالاستناد إلى مقررات الدوحة، والقرار ،1701 وخطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية يوم انتخابه ولاقى ترحيب الجميع. فمن هو المسؤول عن إلغاء مفاعيل الهدنة السياسية التي حققها اتفاق الدوحة برعاية إقليمية ودولية؟ ولمصلحة من استعادة أجواء التوتر والفتنة، واستخدام البيان الوزاري منطلقاً لمصادرة عمل لجنة الحوار الوطني قبل الإعلان عنها؟ لعل مصدر الخلل يكمن في شعار “لا غالب ولا مغلوب". فالجميع في لبنان يعتبرون أنفسهم غالبين وليسوا مغلوبين لأنهم ما زالوا متحكمين برقاب البلاد والعباد، وهم يعدون العدة لقطف المزيد “من الانتصارات" الوهمية التي تسيء إلى صورة لبنان بعد تأخير طويل وغير مبرر لإنجاز مهمة اللجنة. فاللعبة السياسية قديمة جديدة، ويراد لها دوماً وضع لبنان على شفير الفتنة أو الحرب الأهلية عبر إعادة تحريك “خطوط التماس" المذهبية الجديدة والتي تودي بحياة الأبرياء من اللبنانيين دونما سبب. لكن البيان الوزاري خطة عمل لفترة لا تتعدى العشرة أشهر تنتهي بمعركة انتخابية قاسية يستعد لها الجميع بمختلف أسلحة الكسب الرخيص لأصوات الناخبين عبر المال الانتخابي، والتحريض الإعلامي، والفتن المذهبية. وينادي طرفا المعارضة والموالاة بضرورة دعم الجيش اللبناني ليكون الجهة الوحيدة التي تملك السلاح الشرعي لطمأنة اللبنانيين بأن أي سلاح آخر يستخدم في الداخل سيكون مدانا من الجميع. في حين يطرح سلاح المقاومة والخطة الدفاعية عن لبنان أمام لجنة الحوار الوطني لاتخاذ القرار المناسب. وليس هناك من سبب للتسرع في تقديم حلول عشوائية تضر بأمن لبنان واستقراره في حال تم الدمج بين الجيش والمقاومة. وبدا واضحاً من خلال ما نشرته وسائل الإعلام أن أطرافاً فاعلة في لجنة البيان الوزاري ترفض تمرير كلمة “مقاومة" من جهة أو حصرها بحزب الله من جهة أخرى. واقترحت صيغ عامة على طريقة حق لبنان في مقاومة المحتل “الإسرائيلي" من دون تفويض هذا الحق إلى “حزب الله". وأن الاستراتيجية الدفاعية يجب أن تكون استراتيجية الدولة اللبنانية بحيث يوضع سلاح حزب الله في خدمتها وليس العكس، وأن العودة إلى ما ورد في البيان الوزاري للحكومة السابقة غير ممكنة، ويجب التمسك ببنود القرار ،1701 وباقي قرارات الشرعية الدولية دون سواها. وردت قوى المعارضة بضرورة إحالة موضوع المقاومة برمته إلى الحوار الوطني مع الإصرار على إدراجها بالاسم في البيان الوزاري، وبالاستناد إلى البيانات الوزارية للحكومات السابقة. فالحكم استمرارية، وليس ما يبرر التخلي عن المقاومة الوطنية التي أعادت لبنان إلى خارطة الشرق الأوسط كدولة ذات سيادة تامة على أراضيها، وشعب مناضل ضد الاحتلال الخارجي، وصيغة فريدة وناجحة في إقامة التوازن بين الجيش النظامي والمقاومة الشعبية. وفي حال الإصرار على شطب المقاومة من البيان الوزاري فإن أطراف المعارضة مجتمعين يتراجعون عن نقاط التوافق السابقة والتي شملت 27 نقطة أدرجت في البيان الوزاري الذي سيعلن عنه قريباً. ليس من شك في أن معركة البيان الوزاري للحكومة الجديدة هي منطلق لخطاب سياسي جديد تقوده قوى الموالاة والمعارضة في آخر مواقف مشتركة لها قبل الإعلان عن اللوائح الانتخابية للعام ،2009 والتي تعيد فرط التحالفات القائمة لتبدلها بتحالفات جديدة. وتخوض المعارضة معركتها بالتركيز على إنجازات المقاومة وما حققته من انتصارات كبيرة ضد “إسرائيل" من جهة، ومن صمود على الساحة الداخلية في مواجهة مشروع الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط وما تعانيه الأطراف المرتبطة به من أزمات مصيرية تهدد بقرب زواله مع نهاية عهد الرئيس بوش. لكن قوى الموالاة ما زالت تعتبر نفسها أكثرية رغم النكبات التي حلت بها. وهي ترفع سقف مطالبها إلى الحد الأقصى. فتقول باستحالة التعايش بين سلاح المقاومة والدولة. وترفض إجراء الانتخابات النيابية في العام 2009 “إذا لم يخرج سلاح “حزب الله" من المعادلة الداخلية نهائياً". وتريد للبيان الوزاري أن يحدد علاقة الدولة بالمقاومة، “لأن سلاح “حزب الله" بعد أحداث 7 أيار 2008 في بيروت لم يعد سلاحا مقاوما". ختاماً، إن الوحدة الداخلية والاستقرار الوطني الذي يحتاجه اللبنانيون يحتل أولوية مطلقة في المرحلة الراهنة. ومن المنتظر أن يحسم الرئيس ميشال سليمان الجدل العقيم الذي منع حتى الآن صدور البيان الوزاري لأن الموضوعات الخلافية هي من اختصاص لجنة الحوار الوطني. وقد أكد الرئيس سليمان مرارا على حق لبنان في استرجاع ما تبقى من أرضه المحتلة “بكل الوسائل المتاحة والمشروعة"، وأن مفعول التحرير لا يكتمل إذا ظلت “إسرائيل" تحتل أرضنا بالألغام والقنابل العنقودية. وأن الخطر كل الخطر، من ألغام من نوع آخر تحاول “إسرائيل" زرعها عبر الفتنة في الداخل. ومن حق الرئيس سليمان أن يزور دمشق محصناً بوحدة اللبنانيين، حكومة وشعباً، للتعامل من موقع السيادة والندية مع الدولة السورية. عن صحيفة الخليج الاماراتية 28/7/2008