طوني بلير.. الاختراق المنتظر فضل شرورو قال الرجل أمام الكاميرا التي سألته عن رأيه بتولي طوني بلير.. مسؤولية مبعوث الرباعية الى المنطقة «لتنشيط» العملية السلمية: «طوني بلير.. في هذا المنصب.. كمن يضع ثعلبا لحراسة قفص من دجاج» كان الرجل يسير في أحد شوارع «رام الله» وقد فوجئ بالكاميرا والسؤال.. ابتسم.. فبانت مقدمة فمه خالية من الأسنان، أخفى بيده اليسرى ما فضحته الكاميرا.. ولم يجد لاجابته الا هذا المثل «الفلاحي» النابع من التجربة المرة، مع سياسيي الغرب الا قليلا.. مما لا يتجاوز عديده أصابع اليد الواحدة.. كنا في «قرءاة» سابقة قد توجسنا خيفة من تعيين طوني بلير، كاتبا ب«العدل» لتسوية القضية الفلسطينية، وتحسبنا من، خيانة هذا الكاتب ب«العدل» واليوم، تأكد هذا التعيين.. وانطلق الهاجس والتحسب منذ الآن.. وخاصة.. ان الذي كان الواسطة لهذا التعيين هو جورج بوش الابن، الذي لم يشهد التاريخ الفلسطيني، رئيسا أميركيا.. تعامل مع الشعب الفلسطيني بهذه الفظاظة وهذا الصلف، وهذا الكره، وهذه الوحشية وهذه الغطرسة.. فالكل حفظ تعليقه البارد، والجاف على كل المجازر التي ارتكبها شارون، ومن بعده خليفته اولمرت، بأن كل هذا القتل، والدمار، والاقتحام، والاغتيال، والخطف.. انما هو من موقع «الدفاع عن النفس».. ويتذكر الشعب الفلسطيني، هذا الرئيس الاميركي، دوما، ضمن اللائحة السوداء من العنصريين الذين ناصبوا الشعب الفلسطيني، العداء، لا لشيء، الا لأنهم، هم، من انضموا بالعقيدة والسياسة الى «المسيحية اليهودية» ولأنهم، هم، الذين يؤججون نار الكراهية في العالم أجمع.. ضد السياسة الاميركية، بعد زمن المؤسيين الذين كانوا ينادون بالحرية والمساواة.. جورج بوش، رأس السياسة اللاأخلاقية، وطوني بلير تابعه داخل الحكم وخارجه سيتوليان قضية فلسطين.. فأي «بشرى» تنزل على الأمة جمعاء، وأي مصيبة، ستنزل على الشعب الفلسطيني.. مع هذا الثنائي «البغيض». اللافت.. أنه بعد تعيين طوني بلير، مبعوثا للجنة الرباعية.. خرج بوش على الناس أجمعين.. بتكليف وزيرة خارجيته د. كونداليزا رايس «بقيادة مبادرة جديدة لاقرار السلام بين الفلسطينيين واسرائيل» ليؤكد، مرة اخرى، ان طوني بلير رئيس وزراء ملكة بريطانيا «العظمى» لا يزال، كما كان طوال حكمه تابعا من الدرجة الممتازة للسياسة البوشية.. وكي يقرن القول بالفعل، كلف رايس «بقيادة» هذه المبادرة.. رغم «التسمية» التي حصل عليها بلير.. واللافت ايضا.. ان اولى ردود الفعل على هذا التكليف الرئاسي الاميركي لرايس بقيادة مبادرة لاجتماع دولي.. جاءت على شكل ترحيب من مصادر عربية متعددة: من رام الله. جاء ترحيب «السلطة» التي اعتادت ان ترحب بأي كلام يخرج على لسان أي ناطق اميركي، حتى قبل ان يكمل كلامه.. وكان صائب عريقات هو عراب الترحيب.. من الامارات.. كان هناك اتصال هاتفي من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان والرئيس جورج بوش الابن اطلعه الرئيس خلال ذلك على «مبادرة الخريف» وقال الشيخ خليفة انه «تحرك في الاتجاه الصحيح».. وفي القاهرة، وخلال اتصال بين رايس وعمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية.. الذي دعا الى «ضرورة اطلاق عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية وفق اطار زمني متفق عليه، بغية التوصل الى سلام عادل وشامل وفقا ل«المبادرة». وفي لشبونه، شدد ابو الغيط وزير الخارجية المصرية على «أهمية احياء عملية التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين.. وجدد ترحيبه بدعوة الرئيس بوش الى تنظيم اجتماع دولي». الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية اصدر بيانا، نوه خلاله على «أهمية ان تمارس واشنطن دورا متوازنا ومنصفا اذا ما ارادت لمساعيها الجديدة ولاجتماعها المقترح ان يلقى حظوظه من النجاح». والأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي أكمل الدين احسان اوغلو، اعرب في بيان عن امله في «ان تكون هذه الدعوة خطوة جادة باتجاه انهاء الاحتلال الاسرائيلي لكافة الاراضي العربية المحتلة.. وتحقيق سلام عادل وشامل على كافة المسارات». وكأن هذا «الترحيب» والتشديد على «أهمية» المبادرة وابداء الاستعداد للتعاطي معها.. كأن كل ذلك معد سلفا.. حتى قبل ان تتبين حقيقة الدعوة حيث تضاربت وتناقضت الانباء في اليوم الأول لاعلان بوش، فمن قائل ان الرئيس بوش دعا «لمؤتمر دولي» ومن قائل انه كلف رايس بالدعوة لاجتماع دولي «بقيادتها». وقبل ان تتبين حقيقة الدعوة.. جاءت هذه الاتصالات والتصريحات والترحيبات دون تدقيق بالمضمون.. ودون التأكد من «صدق» التوجه. قد يكون الشيخ خليفة، اليقظ، الذي اراد ضمان عدم النكوص الاميركي المعتاد، تعمد ان يقرن ترحيبه بالتأكيد على: «ان حل القضية الفلسطينية حلا عادلا هو مفتاح الحل لمعظم القضايا التي تتعرض لها منطقة الشرق الاوسط» وهو بيت القصيد.. الذي تشكو منه «الدول المعتدلة» التي فرزت الموقف العربي برمته. في واقع الحال، لا يمكن الركون لموقف فلسطيني.. فهذا «الموقف» بات شظايا بعد الانقسام عموديا، صار قنابل «عنقودية» تجاوزت حدود المحرمات وتناثرت في الانحاء كافة. الحالة الفلسطينية حالة «ذهبية» بالتوصيف الاميركي.. حالة فرصة يجب ان «تقتنص» فرغم القوة الكامنة في اصرار الشباب على المقاومة.. يأتي الفرض من الأعلى وفق معادلة «التوقيع مقابل الحياة» ورغم الظهور بمظهر الداعم للأعلى بالافراج عن 250 أسيرا «ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء» تم الزج ب300 ناشط ومقاوم من مدن الضفة ذاتها المنطقة التي تسكن فيها «الشرعية» والتي لم تتعرض «للانقلاب». ويبدو ان المشهد العام للحالة الفلسطينية، يغري الفضائيات العربية بتقديم البرامج المسلية للأماسي الصيفية.. فتقدم كل ليلة وجها من الوجوه، الذي يعتبر موقفه هو، الحق، وموقف الآخرين طرا هو الموقف الخاطئ.. وتستمر الازمة.. وتتعمق الجروح.. التي بدأت منذ الآن، تفوح منها رائحة النتانة. ازاء كل ذلك.. تنشط، وفي غير مكان.. التدريبات، المناورات، واستقدام قطع آلة الدمار الى المنطقة.. بعض ذلك لعرض العضلات، وبعضه الآخر، التماهي مع حديث الحرب، وبعضه الثالث تحضير مسرح العمليات القادمة. ÷ مهمة طوني بلير: لماذا رشح طوني بلير نفسه لمهمة انجاز التسوية في الصراع العربي الصهيوني الذي يعتبر من أقدم الصراعات العالمية؟ ثم لماذا تمت التثنية على هذا الترشيح من قبل الرئيس جورج بوش، وتاليا الرباعية.. مع تحفظ روسي، لم يصمد طويلا؟ سؤالان.. يترددان بالحاح، مع بدء طوني بلير مشواره الاول في المنطقة كمبعوث للجنة الرباعية المناط بها «تنشيط» العملية السلمية.. وفق الصيغة «الدولية» للتسوية.. الجواب على السؤالين معا.. قد يتوفر في عرض محطات سياسية وتفاوضية كان بلير شخصها الاول، وكان الاول، من بين سياسيين غربيين، استطاع التعبير عن الازمة العاصفة في الشرق الاوسط، والذي يصيب الشرار المتطاير منها مناطق لها امتدادات في التأثير او التأثر. يوم 18 11 2006 وقف طوني بلير الى جانب برويز مشرف في باكستان ليؤكد: «ان حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.. هو اول الاولويات لمن يريد وضع يده على حقيقة ما يجري.. او لمن يريد التوجه الى ايجاد حلول ناجعة او مقنعة». بعد ذلك بحوالي الشهر، وتحديدا في 16 12 2006 أعلن طوني بلير عن نيته بأن يكرس جهده السياسي، بعد تخليه عن رئاسة الوزارة البريطانية، لايجاد تسوية للصراع في الشرق الاوسط وأكد: «لو وجهت السؤال لأي سياسي في العالم، ما هي القضية التي تستوجب الحل، لأجاب على الفور أنها قضية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.. فهو المدخل لحل معظم قضايا الشرق الاوسط». بين التاريخين، يقال ان طوني بلير، اهتم كثيرا، بمحاضرة كان قد ألقاها الجنرال «جون أبي زيد» في جامعة هارفرد، حول «الحرب الطويلة» والتي حذر فيها من أخطار نشوب حرب عالمية ثالثة لأن: «العالم يواجه ثلاث عقبات رئيسية في اشاعة الاستقرار في الشرق الاوسط.. وهي «تخفيف التوترات بين العرب واسرائيل، ووقف التشدد، والتعامل مع ايران».. ويقال ايضا، ان مكتب بلير الخاص، طلب النص الكامل لهذه المحاضرة.. كما طلب محاضر جلسات المفاوضات الشائكة والمعقدة بين اطراف النزاع في ايرلندا الشمالية. دانيال ليفي، وهو نجل اللورد ليفي المبعوث الخاص لطوني بلير، للشرق الاوسط، عندما كان بلير رئيسا للوزراء.. اجرى حديثا مع صحيفة «ذي صنداي تلغراف» يبدو انه حديث علاقات عامة، الهدف منه.. الاجابة على السؤالين، آنفي الذكر، وتقديم دانيال ليفي لنفسه، كناطق باسم بلير مبعوث الرباعية، او كمستشار خاص له في هذه المهمة. أوساط البلاط الأردني، تسرب ان الملك عبد الله بن عبد العزيز، كان واضحا في كلامه مع عاهل الاردن، عقب أحداث غزة.. بضرورة «ضم حماس» الى أي جهد باتجاه تنشيط عملية التسوية، كما أكد من جديد على ضرورة «احياء اتفاق مكة»، بالرغم من كل «التوضيحات» التي قدمها ملك الأردن حول «الاثار الخطيرة للتحلل من المقاطعة الدولية لحماس». على صعيد اخر.. فان لطوني بلير، اسلوبه في التعاطي المباشر مع عواصم، كانت الى عهد قريب، من العواصم الممنوعة من الاقتراب منها.. ومن قرأ كتاب «جورج تينت» حول رئاسته «CIA» وزيارة طوني بلير لطرابلس عاصمة الجماهيرية.. يستطيع التقرب من اسلوب طوني بلير بهذا الشأن.. وهذا يؤشر ان بلير لن يوفر، في مراحل لاحقة من عمله كمبعوث للجنة الرباعية، او كمنسق لأعمالها.. لن يوفر أيا من عواصم القرار في المنطقة.. بما فيها دمشق خاصة وان دمشق كان لها دور أساس في اطلاق سراح البحارة البريطانيين الذين قبضت عليهم البحرية الايرانية.. قبل فترة.. وبلير، ايضا، على علاقة ليست صدامية مع تركيا، في موضوع قبولها في الاتحاد الاوروبي، وتركيا، كما اعلن قبل ايام، هي التي تولت «حمل الأفكار» بما يتعلق بالمسار السوري. بلير يريد، ويطمح، ويرسم، ان يكون صانع تاريخ، بعد ان سجله التاريخ بأنه شريك في مجزرة العراق.. وهو يريد بانجاز تسوية في الشرق الاوسط، ان يكون الشرق الاوسط، هو الذي يخط اسمه، كصانع تسويات. هذا ما يطمح له طوني بلير.. لكن! هل هو وحده؟ هل يترك لمشيئته وحدها لتسيير الرباعية؟.. هذه اسئلة اضافية.. لكنها ستكون على المحك قريبا.. حيث من المتوقع ان يعقد في وقت ما من آب اغسطس 2007 لقاء تحضيري في شرم الشيخ، بقيادة كونداليزا رايس.. ويعتقد الكل، ان هذا اللقاء التحضيري سيكون ضروريا لرسم خطوط طوني بلير.. وسقف رؤيا بوش، ومستوى المؤتمر الذي دعا اليه بوش في الخريف القادم. ÷ الاختراق: في مطلع تموز يوليو ,2007 أعلنت وزيرة خارجية اولمرت تسيبي ليفني، انها بانتظار زيارة تاريخية ترفع فيها اعلام جامعة الدول العربية لأول مرة، بانتظار وصول وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط والاردني عبد الاله الخطيب. في منتصف تموز يوليو 2007 سألت الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ونحن نودعه، على باب المصعد.. حول هذه الاعلام وحول طبيعة الزيارة التي يقوم بها الوزيران ابو الغيط والخطيب.. فأجاب: «ياعمي، جامعة الدول العربية، ما لهاش دخل.. قالوا إحنا رايحين، باعتبار ان لنا علاقة.. فقلنا روحوا.. لا اعلام الجامعة ولا من يحزنون..» قبل زيارة الخطيب وأبو الغيط.. أعلن في القدسالمحتلة ان وزيري الخارجية المصري والأردني «يصلان كممثلين لدولتيهما» فقط. مصادر البلاط الاردني، تفسر هذا «التطور» او هذا التغيير، بأنه، ايضا، من نتائج زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز الاخيرة للأردن.. حيث فهم من مجرى الحديث بأن لا رغبة لدى السعودية لأن تكون زيارة ابو الغيط والخطيب باسم جامعة الدول العربية، مع بقاء «فحوى» الزيارة، بانها للترويج «للمبادرة العربية». جو الحديث تضيف مصادر البلاط الاردني بين الملكين الاردني والسعودي، رغم الحفاوة المبالغ فيها، ورغم وضع حجر الأساس لبناء مدينة كاملة باسم الملك السعودي، وبتمويل سعودي، جو الحديث، بالاجمال، جعل العاهل الاردني يشعر بالقلق خاصة عند اثارة المواضيع التالية: تضارب مواعيد الملك السعودي، الامر الذي أرجأ لقاءه مع ابي مازن، بعد أحداث غزة، وبعد اعلان ابو مازن موقف «اللاحوار». اصرار السعودية، على عدم التخلي عن «اتفاق مكة» بل وشعور السعودية بأن هناك تحالفا خفيا، أراد اسقاط اتفاق مكة. اصرار السعودية، على ضرورة ضم حماس لأي مفاوضات او مشاورات والاعتراف بالواقع الذي تمثله حماس في الساحة الفلسطينية دون ان يعني ذلك انحيازا سعوديا لحماس او موافقتها على ما قامت به في غزة، لكن رغبة السعودية في عدم التوافق مع المنطق الذي ساد في محاصرة الشعب الفلسطيني بحجة اسقاط حماس، وايضا شعور السعودية ان البعض، في دول الاعتدال، يعمل لحسابه دون الأخذ بالاعتبار ضرورة التوافق بين دول الاعتدال الاخرى.. جعلاها تأخذ هذا الاتجاه. ملاحظة السعودية، العابرة، لكن المؤكدة، بأن الاردن، يندفع لانجاز التسوية، أي تسوية، دون الأخذ بالاعتبار الظروف المستجدة، خاصة على الساحة الفلسطينية. كل هذه القضايا التي أثيرت بشكل غير مباشر، وبدبلوماسية شديدة الكياسة مصحوبة، بالمباشرة التي اشتهر بها الملك عبدالله بن عبد العزيز.. جعلت العاهل الأردني، يسارع للاجتماع بالرئيس جورج بوش.. اولا، للتعرف منه مباشرة حول طبيعة الدعوة التي أطلقها، والتي «لقيت ترحيبا عربيا» واسعا، حتى قبل التعرف على ماهيتها ومحتواها، وجديتها.. وثانيا، لينقل اليه.. نقاط «القلق» العام الذي استنتجه بعد لقاء عمان بين الملكين السعودي والاردني.. وهناك تقدير لدى اوساط البلاط في عمان ان لقاء الملك عبدالله بن الحسين، والرئيس جورج بوش الابن، في واشنطن، وفي هذا التوقيت، بعد دعوة بوش، وقبل اللقاء التحضيري في شرم الشيخ، وعلى بعد أشهر من خريف الدعوة الرئاسية الاميركية.. ان هذا اللقاء سيأخذ طابعا خاصا.. ميزته الأساس.. او عنوانه الرئيس.. «الاختراق». عن صحيفة السفير اللبنانية 6/8/2007