هل تصلح المفاوضات ما أفسدته التهديدات ؟ جهاد المومني أي عرض يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه لإيران مقابل التخلي عن برنامجها النووي ، وما الذي تريده طهران من واشنطن ولا يمكنها الحصول عليه من موسكو أو بكين مثلا..؟ تريد واشنطن من طهران أن توقف برنامجها النووي كليا وهذا الطلب ليس محط مساومة ،فالقرار بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي أو حتى البرامج العلمية التي قد تؤدي إلى نفس النتيجة مصادق عليه في جميع مراكز صناعة القرار الأمريكيةوالغربية، وكل مفاوضات تجريها واشنطن أو ( المجتمع الدولي ) مع طهران يجب أن تنتهي إلى نتيجة واحدة هي رضوخ إيران لما تعرف بالإرادة الدولية ،هذه الإرادة التي تسمح لإسرائيل ولا تسمح لغيرها ،وهي نفس الإرادة التي تعفي شارون من المسؤولية عن ارتكاب جرائم حرب وتدين الرئيس عمر حسن البشير ،هذه الإرادة تحظر على أي بلد عربي أو إسلامي امتلاك الإرادة بحد ذاتها فكيف بالسلاح النووي...! إيران من جانبها تعرف المطلوب منها بالضبط وتوفد مندوبين عنها للمؤتمرات والاجتماعات ذات العلاقة ببرنامجها النووي على اختلافها لخوض مفاوضات معروفة النتائج مسبقا ،فهذا البلد قرر منذ أكثر من عشر سنوات الاستفادة من تجربة القوة بدفع تكاليف امتلاكها من عائدات النفط ولو على حساب رفاهية الناس. ومن ثم تحمل كامل التبعات التي قد تترتب على هذا البرنامج الطموح بالنسبة لبلد مثل إيران ،ومن هذه التبعات الحرب وما قد تخلفه من دمار لمشاريع كبرى بنتها إيران في سنوات ما بعد ترميم ما دمرته حرب صدام التي استمرت ثماني سنوات ، أما الولاياتالمتحدة فتوفد ممثليها لمفاوضة الإيرانيين على صفقة مرفوضة مسبقا ،فما الذي يمكن أن تقدمه واشنطنلطهران بديلا عن القوة غير القوة بالاستفادة من تجربة سابقة حققت النجاح وبنت شبكة علاقات سرية بين طهرانوواشنطن خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية عندما قدمت الولاياتالمتحدةلإيران السلاح سرا مقابل الإفراج عن المحتجزين في سفارة واشنطنبطهران. ولسبب آخر أيضا هو الإبقاء على حريق الحرب بين العراق وإيران مشتعلا ،وما فعلته واشنطن أنها دعمت بغداد علنا في حربها ضد طهران ودعمت طهران سرا في حربها ضد بغداد ،فهل تنجح صفقة أخرى بين العدوين اللدودين هذه المرة بتقديم واشنطن مغريات لا تستطيع طهران مقاومتها ، ولكن ما الذي يمكن أن تقدمه واشنطن لإغواء إيران المصنفة أمريكيا بأنها قطب رئيسي من دول محور الشر ؟ يمكن للولايات المتحدة أن تعرض على إيران السلاح في حدود ما هو مسموح به ،ويمكنها أن تعرض دورا أكبر واضحا في العراق أو حصة من الكعكة العراقية فواشنطن تجيد تقديم ما لا تملكه لتحقيق أهداف تخصها ، وتستطيع واشنطن ضمان علاقات عالمية لطهران لم تحلم بها ، وفي المقابل ما الذي تريده طهران ، القوة وتستطيع شراءها من روسيا وهذا ما تفعله عمليا ببرنامجها النووي سلميا كان أم عسكريا وبالتالي لا تستطيع واشنطن أن تقدم لطهران أكثر أو أفضل مما تقدمه موسكو . وبالنسبة للعراق فأن طهران نجحت في اقتطاع حصتها من العراق كاملة وسط غيبوبة عربية وعجز دولي ،فاليوم تعد طهران اللاعب التالي بعد قوة الاحتلال في العراق وثمة من يعتقد أن نفوذها أقوى من نفوذ الحكومة العراقية ، وعند الحديث عن علاقات دولية تخرج إيران من عزلتها فأن إيران دولة تتعايش مع العزلة وفي واقع الحال لا تزال تعانيها منذ قيام الثورة الإسلامية في العام 1979 وحتى الآن وما النجاحات التي حققتها طهران إلا محصلة اختراقات للعالم الغربي الذي لم يكن في يوم من الأيام متفقا ضد إيران كما هو اليوم ، وعلى ضوء تجارب طويلة في التعامل مع العقوبات ترى طهران أن فرص دخولها أو إدخالها المجتمع الدولي قليلة ما دامت تتبنى الشعارات الإسلامية وترفع سيف التحدي بوجه المصالح الغربية في منطقة الخليج ، على ضوء هذا كله لا تلوح في الأفق بوادر تفاهم غربي إيراني، وأغلب الظن أن الولاياتالمتحدة التي تعبر عن ( ضمير ) حلفائها تذهب للتفاوض مع طهران وتقدم إغراءات بفتح مكتب تمثيل لها في طهران وفي نيتها انتهاز الفرصة الأخيرة ، إذا كانت هناك من فرصة ، ..لقد حدث الشيء نفسه مع العراق في لقاء تاريخي جمع طارق عزيز مع جيمس بيكر عشية الحرب بساعات . عن صحيفة الرأي الاردنية 20/7/2008