الدرس التركي في الديمقراطية نايجل رايت النصر الانتخابي المدوي الذي حققه حزب العدالة والتنمية التركي ذو الجذور الاسلامية في الانتخابات التي جرت في 22 يوليو يؤكد أن الأمور في تركيا تسير في الطريق السليم. فالخلافات السياسية والتهديدات العسكرية بالتدخل والحديث عن غزو شمال العراق وانبعاث القومية التركية والعلاقات غير المشجعة مع أوروبا وأميركا لم تفلح كلها في زعزعة ثقة الناخب التركي في حزب أردوغان فإشاعة هذه المقولات والمخاوف ليست سوى وصفة للمشاكل وللانقلابات العسكرية والحقيقة أن الشعب التركي أثبت نضجه السياسي من خلال المشاركة الكبيرة في الانتخابات والابتعاد عن العنف وكانت النتيجة تمتع تركيا بانتخابات ديمقراطية ونزيهة. نتيجة الانتخابات تشكل توبيخا قويا من الناخبين الاتراك للجيش الذي كان قد هدد بالتدخل إذا ما تم اقرار مرشح حزب العدالة والتنمية لشغل منصب الرئيس. بالرغم من الاحترام القوي الذي يتمتع به الجيش لدى الاتراك فإن الغالبية ترى أنه يجب أن يبتعد الجيش عن العمل السياسي كذلك أكد الناخب التركي مكافأة الحكومة على ادائها القوي والرائع ومعاقبة احزاب المعارضة التي تقدمت بسياسات غير متماسكة لم تقنع أحدا لا يوجد هناك سبب حقيقي يدفع الجيش للتدخل ويتوجب على الحكومة في المقابل أن تأخذ بالحكمة وتبتعد عن التمسك بأي أجندة إسلامية. الكثير من الاتراك يريدون وضع نهاية للحظر المفروض على غطاء الرأس ويظهرون في نفس الوقت قدرا ضئيلا من الرغبة في التحرك من العلمانية باتجاه الراديكالية الاسلامية. هل هناك درس قدمته تركيا في الديمقراطية يمكن أن تستفيد منه الدول الاسلامية الاخرى؟ نعم هناك درس ولكن يتوجب علينا أن نتوخى الحذر. هناك طرق كثيرة الى الديمقراطية والاختيار الصائب يختلف من مكان لمكان. لتركيا تاريخها الاستثنائي ففي البداية كانت امبراطورية ورثت خلافة اختارت أن تقف مع الجانب الخطأ في الحرب العالمية الاولى بعدها كانت هناك رغبة لدى النخبة التركية في حل الخلافة وقبول حكم استبدادي لقائد يرغب في تحديث بلاده. بعدها انتظرت تركيا ما يقارب نصف قرن الى أن ظهر حزب اسلامي معتدل بما يكفي لائتمانه على الحكم. لننظر الى إيران جارة تركيا في المقابل منذ العشرينيات من القرن الماضي ظهر رضا شاه الذي حاول تقليد اصلاحات كمال أتاتورك العلمانية حيث سار بسرعة عالية للغاية محاولا تهميش الاسلام في بلاده ، الإيرانيون رفضوا ذلك التحديث المفروض عليهم بالقوة وظلت إيران تعيش مخاضين عسيرين الى أن تفجرت الثورة الاسلامية على يد آية الله الخميني في 1979 حيث تمت الاطاحة بالشاه وكل ما حصل بعدها أن رجال الدين أنفسهم تمسكوا بالسلطة وهم يحتفظون بها حتى الآن ولنتذكر التجربة الجزائرية في 1992 حيث فقد القادة العلمانيون صوابهم وقرروا عدم قبول نتائج الانتخابات التي كانت ترجح فوز جبهة الخلاص الاسلامية بالحكم ودفع هذا الامر الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية للتحرك وكانت النتيجة حربا أهلية طاحنة ضحيتها عشرات الآلاف. قرار الجزائر بحرمان الإسلاميين من السلطة لقي الدعم والترحيب من قبل الحكام العرب على اساس أن الأحزاب الإسلامية ليست ديمقراطية وليس ذلك غريبا على الانظمة العربية التي ترفع شعار «رجل واحد وصوت واحد ولمرة واحدة». الاتراك استوعبوا الدرس فقد سبق لأردوغان أن قال إن الديمقراطية ليست سوى قطار يوصلك الى الجهة التي تريد ولكن بعد وصوله الى السلطة تغير موقفه وأدرك أن المعنى الحقيقي للديمقراطية أن الدرس الذي يمكن أن يتعلمه العالم الإسلامي من التجربة التركية هو أنه إذا ما أعلنت الاحزاب الاسلامية عن رغبتها في احترام قواعد اللعبة فيجب أن يسمح لها بالمشاركة في السياسات الانتخابية. عن صحيفة الوطن القطرية 2/8/2007