ممدوح الولي تحدثت تقارير عربية من قبل عن المخاطر التي تهدد أمن الانسان العربي. من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والجوع وسوء توزيع الثروة وتدني المستوي الصحي والصراعات العرقية والتهديدات الخارجية. إلا أن تقرير التنمية الانسانية العربية الأخير أضاف لتلك المخاطر: الدولة العربية.
حيث ذكر التقرير الصادر عن البرنامج الانمائي للأمم المتحدة أن الدولة التي تحيد عن قواعد سيادة القانون والخضوع للمساءلة. تتحول الي مصدر لمخاطر تهدد الحياة والحرية. بحيث تصبح الدولة نفسها من الأخطار الرئيسية التي تحيق بأمن الإنسان العربي بدلا من أن تكون ضامنة له.
حتي أصبح الأهم لحقوق الانسان عربيا. هو إخضاع الدولة نفسها لحكم القانون باعتباره الشرط الجوهري للحديث عن أي حق. بعد أن تبين أن الاصلاحات التي قامت بها الحكومات العريية. تهدف في المقام الأول الي تعزيز سلطتها وليس الي النهوض بأمن الانسان.
فمازالت الدولة تعطي الأولوية لأمنها الخاص علي حساب أمن المجتمع. وذكر التقرير أنه ينبغي علي الدولة بموجب دورها المتعارف عليه أن تحوز قبول مواطنيها وتتولي الدفاع عن حقهم في الحياة والحرية. وتوفر لهم الحماية من العدوان وتضع القواعد الكفيلة بتمكينهم من ممارسة حرياتهم الأساسية.
ومن هنا فإن الدولة التي تقوم بهذا الدور هي الدولة التي تتمتع بالشرعية. حيث تلتزم حكم القانون الذي يخدم المصلحة العامة لا مصالح جماعة محددة. أما الدولة التي تحيد عن هذه القواعد فإنها تصبح مصدرا لمخاطر تهدد الحياة والحرية. ورغم أن أغلب الدول العربية انضمت الي المعاهدات الدولية. وتضمنت دساتيرها بنودا تنص علي احترام حقوق الانسان والعدالة والمساواة أمام القانون والحق في المحاكمة العادلة.
إلا أن الأداء يشهد فجوة واسعة بين النظرية والتطبيق، حيث تتضافر عدة عوامل تحول الدولة الي خطر يتهدد أمن الانسان بدلا من أن تكون السند الرئيسي الداعم له. منها الضوابط المؤسسية الضعيفة في الحد من سلطات الدولة. والمجتمع المدني المفكك والمنقسم. والمجالس المنتخبة غير الفاعلة سواء منها المحلي أوالوطني. وأجهزة الأمن ذات الصلاحيات المطلقة.
كما أن الحقوق التي نصت عليها الدساتير العربية تلغيها حالات الطوارئ المطبقه بدول عربية. كما يتم إبطال الحقوق وتعطيلها بسبب غياب الأعراف القانونية التي تضمن احترام القانون ومؤسساته والتي ترتبط وتتعزز بالعلاقات السياسية والاجتماعية وتمد جذورها في الأنماط الثقافية والسلوكية.
ولقد أصدرت معظم الدول العربية قوانين لمكافحة الارهاب تستخدم تعريفات فضفاضة وغير محددة لمفهوم الارهاب. منحت من خلالها الأجهزة الحكومية صلاحيات واسعة مما يشكل تهديدا للحريات الأساسية. وإجازة الاحتجاز لفترات غير محددة قبل المحاكمة. ويزيد من صلاحيات الشرطة لتفتيش الممتلكات ومراقبة المكالمات الهاتفية واعتراض أشكال التواصل الأخري. الي جانب إحالة بعض القضايا الي المحاكم العسكرية.
وتضمن تقرير المنظمة العربية لحقوق الانسان لعام 2008 حدوث انتهاك الحق في الحياة من خلال التعذيب وسوء المعاملة بثمانية بلدان عربية منها مصر. وتضمنت تقارير للمفوضية السامية لحقوق الانسان الي حالات تعذيب بأربع دول أخري. وتعاني المؤسسات القضائية العربية من ممارسات تنتقص من استقلالها بسبب هيمنة السلطة التنفيذية علي السلطتين التشريعية والقضائية.
ومن ذلك وجود أنواع من المحاكم الاستثنائية في بلدان عربية. فإلي جانب المحاكم العسكرية توجد محاكم أمن الدولة التي تفتقر الي ضمانات المحاكمة العادلة في عدة دول عربية. كما تعمل دوائر الأمن العربية في أجواء تتمتع فيها بالحصانة من المساءلة لأنها من الأدوات التي تعمل بشكل مباشر لمصلحة رئيس الدولة. وتتعزز سلطاتها بتدخل السلطة التنفيذية في استقلال القضاء وبالسيطرة التي يمارسها الحزب الحاكم علي السلطة التشريعية. وبتكميم وسائل الاعلام.
وفي تلك الظروف تنتفي الرقابة التشريعية والشعبية علي دوائر الأمن. خاصة مع إقصاء المجتمع المدني عن دائرة صنع القرار. ولا يؤدي القطاع الخاص دورا سياسيا مستقلا بالدول العربية مع تعزيز سيطرة الحكومة علي القطاع الخاص. حيث ظلت الحكومة هي الشريك الأساسي له. كما أن المصارف التي تمتلكها الدولة هي مصدر التراكم الرأسمالي لشركات القطاع الخاص الكبري. كذلك فإن المقاولات الحكومية هي مصدر الربح للشركات الخاصة التي تتولي تنفيذها.
كما ان المجتمع نفسه خاصة مايضمه من النخب الاقتصادية والمجتمع المدني وفئات المعارضة. يشهد حالة من الضعف والافتقار الي خطة إصلاحية واضحة. في ظل التضييق علي الفئات الاجتماعية في مجال التنظيم والتنافس في المجال العام.
وهكذا أضيفت الدولة كخطر سابع يهدد أمن الإنسان السياسي بكل أشكال القمع البدنية والمعنوية. الي جانب ستة مخاطر أخري تهدد أمنه هي:
الأمن الاقتصادي الذي يتهدده الفقر.
والأمن الغذائي الذي يتهدده الجوع.
والأمن الصحي الذي تتهدده الأمراض.
والأمن البيئي والذي يتهدده التلوث ونضوب الموارد.
والأمن الشخصي الذي تتهدده الجريمة والعنف.
والأمن الاجتماعي الذي تتهدده النزاعات العرقية أو الطائفية.
* نائب رئيس تحرير جريدة الاهرام جريدة الوفد 3/8/2009