واشنطن تكرر أخطاءها سمير عواد فاجأ الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش المجتمع الدولي باستعداده لإلغاء ما وصفه بمحور الشر وهو التعبير الذي استخدمه طيلة سنوات عهده كتجسيد لصورة العدو الذي يتربص بالولاياتالمتحدة والعالم. وشطبت الولاياتالمتحدة اسم كوريا الشمالية من قائمة محور الشر وذلك بعد أن أثبتت كوريا الشمالية أنها دولة متساهلة ومطيعة. قبل ذلك بدأ محور الشر ينهار بعدما تم الكشف عن مفاوضات سرية بشكل مباشر تقريبا مع إسرائيل بوساطة تركية واحتمال توصل البلدين إلى تسوية. وسوف تكافئ واشنطندمشق على التفاوض مع إسرائيل بشطبها من المحور. وهكذا تبقى إيران وحدها في القائمة ومن المستبعد أن تشطب واشنطن اسمها في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي تستخدم واشنطن تصريحاته وردوده على تهديداتها لتؤكد للعالم أن إيران عازمة على تحقيق طموحاتها النووية بامتلاك القنبلة. وإيران نفسها ليست مهتمة بموقف بوش وهي منشغلة أكثر بالتهديدات الصادرة عن إسرائيل وقد فقدت كل أمل بحدوث انعطافة في موقف إدارة بوش قبل نهاية عهده. تتوقع إيران من مرشحي الرئاسة الأمريكية أن يستمر التوتر واحتمال وقوع مواجهة عسكرية إذا فاز مرشح الجمهوريين جون ماكاين بخلافة صديقه بوش، وهكذا لن يتغير شيئ. لكن إيران، إضافة إلى غالبية حكومات وشعوب العالم تأمل بفوز أوباما الذي قال في مستهل حملته الانتخابية أنه مستعد للحديث مع الإيرانيين وهو ما يفسره غالبية المراقبين بأن أوباما الذي سيزور أوروبا في نهاية شهر يوليو الحالي ومن المتوقع أن يتطرق في خطاب شامل يلقيه أمام بوابة براندنبورج حيث وقف رونالد ريجان ذات يوم وطالب الزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف بإزالة جدار برلين، إلى موضوع النزاع النووي مع إيران وربما سيعرض مبادرة لإنهاء النزاع سلميا. لكن في نهاية المطاف هناك إسرائيل فقط التي لا يروق لها تسوية سلمية لأن عدم تدمير البرنامج النووي الإيراني سوف يجعلها في قلق دائم رغم أنها القوة النووية الوحيدة منذ السبعينيات في منطقة الشرق الأوسط. وقال بوش مرارا عندما زار الشرق الأوسط وأوروبا مؤخرا أن الخيار العسكري ما زال موجودا على الطاولة مع خيارات أخرى. وكشفت إليزابيث تشيني ابنة نائب الرئيس الأمريكي في بحر الأسبوع الماضي أن واشنطن تميل للخيار العسكري وقالت أنه في هذه الحالية ينبغي على الولاياتالمتحدة الوقوف إلى جانب إسرائيل. ويقول المراقبون أن إليزابيث التي لم تعد تشغل منصب مهم بوزارة الخارجية الأمريكية تعبر تماما عن رأي الصقور في واشنطن وأكدوا أن إليزابيث لا بد وأن ناقشت الموضوع مع والدها الذي يؤيد قيام إسرائيل بهجوم على المنشئات النووية الإيرانية. يعتقد بعض المراقبين أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل سوف تمضيان بعض الوقت في محاولة إثارة بلبلة داخل إيران وقد كشف الإيرانيون بأنفسهم عن ذلك. فقد أشارت مجلة(دير شبيغل) الألمانية إلى اشتداد الحذر في إيران من مغبة قيام الولاياتالمتحدة وإسرائيل بنشاطات تجسسية وإثارة قلاقل في الداخل. ويعتقد الإيرانيون أن عملاء واشنطن وتل أبيب ينشطون منذ وقت في الداخل وتوغلوا وقد يتواجدون في أي مكان. لهذا السبب أمر غلام حسين محسني أجادي وزير الأمن القومي بتشديد الإجراءات الأمنية لإحباط نشاطات التجسس. وهذه الإجراءات الجديدة ليست فقط نتيجة الحرب الكلامية الحادة مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل وقيام الصحفي الذائع الصيت سيمور هيرش بالكشف في مجلة(نيويوركر) عن أن واشنطن رصدت مبلغ 400 مليون دولار لتمويل نشاطات هدفها الإطاحة بنظام طهران، وإنما أيضا بعد صدور قرار محكمة إيرانية بإعدام تاجر إلكترونيات إيراني يدعى علي أشتاري يبلغ 45 سنة من العمر قام بتكليف من الاستخبارات الإسرائيلية موساد بأعمال تخريبية. ويعتقد أن عملاء الموساد احتكوا به خلال وجوده للقيام بأعمال تجارية في الخارج بتكليف من إيران لشراء معدات لمشروع يتعلق بالبرنامج النووي وكانوا ثلاثة انتحلوا بداية صفة رجال أعمال يريدون التعاون معه وباعوه آلات إلكترونية أعدتها المخابرات الإسرائيلية لتفسد المشروع. ليس واضحا إذا عرف أشتاري أنهم من الموساد لكنه حصل منهم على خمسين ألف دولار وجهاز حاسوب محمول كما جاء في معرض الاتهامات وقام بإرسال رسائل مشفرة عبر الإنترنت عن البرنامج النووي الإيراني والجيش الإيراني. من جهة تخشى إيران أن يكون غيره يعملون لحساب الموساد والاستخبارات الأمريكية. وقد أوعز بوش منذ وقت إلى استخدام إستراتيجية التجسس وإثارة البلبلة داخل إيران عوضا عن الحرب ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي في العام الماضي على طلبه تخصيص 400 مليون دولار لتمويل خطة كشف عنها الصحفي سيمور هيرش. استنادا لما توفر من معلومات زادت واشنطن دعمها للأقليات العرقية في إيران ومن بينها البلوش في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان ووقعت فعلا انفجارات وحوادث مسلحة في جنوبإيران يحتمل أن تعود لهذا التعاون. رغم ذلك حذر خبراء أمريكان من أن التعاون مع البلوش المسلحين وخاصة مع جماعة تطلق على نفسها (جند الله) يكشف أن واشنطن لم تتعلم من دروس الماضي عندما دعمت الطالبان قبل أن تنقلب عليهم خاصة وأن جماعة(جند الله) قريبة إيديولوجيا من الطالبان و(القاعدة) ومعروفة بتطرفها وقابليتها الكبيرة على استخدام العنف. كما حذر خبراء آخرون من أن نشاطات التمويل السخية لن تحقق هدفها المرجو، فالجماعات التي تدعمها واشنطن لا تعتبر فقط مريبة جدا من الناحية السياسية الإيديولوجية بل هي كذلك مجرد أقليات صغيرة موجودة في إيران ولن تتمكن من تغيير النظام وهنا تسيء السياسة الأمريكية التقدير مرة أخرى. منذ اليوم وحدت تهديدات إسرائيل والولاياتالمتحدة صفوف الشعب الإيراني في الداخل والخارج والنظام الإيراني أدرك ذلك وبدأ يستفيد كثيرا من الخدمة غير المقصودة التي قدمتها له واشنطن. عن صحيفة الراية القطرية 12/7/2008