كتب الأديب النيجيري الشاب هيلون هابيلا الحائز علي جائزة The Caine أو البوكر الأفريقية، مقالا نشرته التايمز البريطانية الأسبوع الماضي، يحاول فيه تفسير سبب النجاح الكبير الذي حققه الأدب النيجيري هذا العام 2007 . والبوكر الأفريقية جائزة سنوية تمنح لكاتب قصص قصيرة أفريقي يكتب بالإنجليزية سواء في إفريقيا أو بأي مكان آخر وتبلغ قيمتها عشرة آلاف جنيه إسترليني . هنا ترجمة المقال . يبدو الأمر كما لو كانت ربة الأدب قد توجت رسميا عام 2007 عاما للكتاب النيجيريين . ففي البداية فاز شينوا آشيبي بالمان بوكر الدولية ، ثم تبعته شيماماندا ناجوزي آديتشي بجائزة الأورانج ، وعلي الرغم من أن أييا منهم لم يسع للحصول علي تلك الجوائز فقد فازوا بها في النهاية ، علاوة علي وصول ثلاثة كتاب نيجيريين آخرين للقائمة القصيرة لجائزة الكاين برايز . أيضا ، وفي تزامن لافِت ، شهد عام 2007 صدور المنزل المقابل لهيلين أوييمي ، و صبي بورما لبيي باندل ، و قياس الزمن لي ، و عذراء النار لكريس آباني ، و ستاربوك لبن أوكري . سألتني سيدة أثناء قراءة لي في لندن مؤخرا ، مازحة ، عن سبب هذا الزخم من الكتاب النيجيريين بالأخبار . هل هو لأن نيجيريا أكثر ازدحاما بالسكان من أي دولة إفريقية أخري ، أم لأنهم أكثر مهارة من غيرهم ؟. يقول خبراء الإحصائيات أن ثمة نيجيريا من بين كل ستة أفارقة : لذلك إذا صار كل الأفارقة كتابا ، فواحد من كل ستة منهم سيكون نيجيريا. أمر مثير لكنه لا يفسر النجاح الكبير الذي يحظي به هؤلاء الكتاب، ليس الآن فحسب ( 1991 : أول كاتب أفريقي أسود يفوز بالبوكر كان بن أوكري وهو نيجيري ، 1985 : أول أفريقي يفوز بجائزة نوبل في الأدب ، سوينكا ، نيجيري أيضا ). نيجيريا هي أكثر الدول الإفريقية تعقيدا كجزء من كونها أكثر الدول الإفريقية ازدحاما بالسكان، وما يفعله هؤلاء الكتاب هو تفسير هذا التعقيد بمفردات حميمة وإنسانية، ولحسن حظهم فإنهم يفعلون ذلك في التوقيت المناسب، عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهو ما يعني الوصول لجمهور أوسع، أكثر من الأجيال السابقة التي كانت تنشر في سلاسل هاينمانٌ للكتاب الأفارقة وحوصرت فوق أرفف متاجر الكتب المتخصصة بالأدب الأفريقي. مؤخرا، وصلني بريد من سيدة من يوركشير تقول إن روايتي أعانتها علي فهم نيجيريا بشكل أفضل. قالت أنها في السابق كانت ذات نظرة سطحية لنيجيريا ، لكن كتابي منحها نظرة أكثر اقترابا من الواقع. فبالنسبة لعديدين ممن هم غرباء عنا، تظل إفريقيا لغزا معقدا، وأغلب المراقبين يتفقون علي أن فهم نيجيريا، ربما، يكون الخطوة الأولي لفهم إفريقيا كلها. حروب أهلية، نظم ديكتاتورية، فقر، وكل الأفكار الشائعة الأخري عن إفريقيا في الصحافة، كلها موجودة في نيجيريا، سوي أنها تملك أيضا ما لا تقوله الصحافة، وأعني بها الأمور الإيجابية . لكن الكتاب لا يكتبون بسبب من رغبتهم في شرح دولهم أو ثقافاتهم للقراء ، إنهم يكتبون فحسب ما يجب عليهم كتابته . لكن ماذا يعرٌف هؤلاء الكتاب الجدد ( وأغلبهم ولد بعد عام 1960؟ كيف يختلفون عن الكتاب الأكبر سنا كآشيبي وسوينكا بل وربما بن أوكري ؟. بينما يحتمل القول أن الكتاب الأكبر سنا يحملون علي عاتقهم السياسات الأفريقية القومية كهم مشترك، فإن الكتاب الأحدث يبدون أكثر تخففا من هذا الحمل. و لا يعني ذلك أنهم بعيدون عن السياسة، فهم منغمسون بها _ فقبل كل شيء يمكن القول بأن الشأن السياسي أحد التقاليد المؤسسة في الأدب الإفريقي، لكنه هنا أقل توحدا، وأكثر فردية، وأقل توقعا. والكتاب الجدد يفضلون ذلك لأنه يتيح لهم حرية أكبر في استكشاف موضوعات مختلفة. ونحن نري هذا التنوع عندما نقارن بين ثلاث روايات نيجيرية طبِعّت بين عامي 200306 :من رواية كريس آباني أن تصير آباجايل (2006) و التي تدور حول استغلال الشخصية الرئيسية ، آباجايل، من قِبّل أفراد العائلة في نيجيريا ولندن، لتراجيديا عائلة آديتشي في الخبيزة الأرجوانية (2003) والتي تدور شرق نيجيريا ، وصولا لرواية أوييمي الفانتازية بنت الإكاروس (2005) والتي تدور بين نيجيريا والمملكة المتحدة. الفكرة الرئيسية في الروايات الثلاث لا تشترك في شيء ، الأمر الوحيد الذي يتشاركونه أن مؤلفيهم من أصل نيجيري . هؤلاء الكتاب يمطون حدود دولهم ويستجوبون معارفنا الشائعة حول تلك الدول . لغرض التحليل ، سأصنف الكتاب النيجيريين الجدد لفئتين ، لكن في البداية سأضعهم في فئة واحدة كبيرة : إنهم جميعا يعيشون بشكل دائم أو جزئي خارج نيجيريا. في الفئة الأولي ، سأضع هؤلاء الذين ولِدوا خارج نيجيريا أو الذين غادروها في مرحلة مبكرة جداٌ من العمر . سنجد في تلك المجموعة ديانا إيفانز وهيلين أوييمي وديفيد نواكيدي وسيجون أفولابي وأزودينما إويلا وغيرهم . بعضهم مثل إيفانز و نواكيدي ، متعدد الأعراق ، وتقريبا جميعهم سيرتبكون أمام مصطلح كاتب نيجيري . فبالنسبة لهم نيجيريا محض مكان خيالي تدور فيه قصصهم ، أو صدي من ذكريات آبائهم . وشخصياتهم غالبا تجد نفسها علي متن طائرة مسافرة إلي نيجيريا بحثا عن الهوية ، كشخصيات رواية ديانا إيفانز 26A " و رواية نواكيدي غابة فيتزجيرالد . سوي أن هذا البحث عن أسلاف وروابط عائلية غالبا ما ينتهي بالفشل ، فهم يدركون أن الوطن هو حيث تعيش وحيث كانت ذكرياتك الجميلة . الفئة الثانية هي هؤلاء الذين غادروا نيجيريا من أجل مواصلة مشروعهم الأدبي _ وأغلبهم جاء من أجل الدراسة أو زمالة في الكتابة وقرروا البقاء بعد صدور كتبهم الأولي، مثلي وأديتشي وبيي باندل وآباني. هؤلاء الكتاب يركزون علي نيجيريا التي بداخلهم وعلي المكان ، وهم مرتاحون لمصطلح كاتب نيجيري . وفي رواياتهم الغضب والإحباط الذي أبعدّهم أصبح الآن مصدر إلهامهم. وهذا واضح في كتبهم أكثر من كتب الفئة الأولي : لأننا أقرب لروائح ومشاهد وآلام و نكات نيجيريا. ليس من الصعب إدراك أن ثيمات المكان والهوية ستنمو بدرجة أكبر في الكتابة النيجيرية الجديدة لأنه كما أن هؤلاء المؤلفين مدفوعون لترتيب أوطان لهم بالغرب تبعا لنجاحاتهم، فإنهم ينشدون استردادا تخيليا لأوطانهم الحقيقية ، ومن أجل تبرير غضبهم من بلادهم التي عجزت عن الاحتفاظ بهم و الحصول علي ثمرة تطلٌعاتّهم . نحن نري مثل تلك التلميحات في عذراء النار لآباني التي تعيش في لوس انجلوس، و وداعا ليوسيل لأفولابي الذي يعيش في ألمانيا، و المنزل المقابل لأوييمي التي تعيش في لندن. و كتاب أوييمي علي وجه الخصوص لا يحمل شيئا مشتركا مع نيجيريا أو النيجيريين، فهو يدور حول عائلة كوبية مهاجرة، سوي أنه في ثنايا نقاشاتهم عن المكان والنزوح يمكنك سماع أسئلة أوييمي تحاول العثور علي إجابات لها، و لمكانها . كان الأفريقيون يوصفون دائما برواة الحكايات بالفطرة . ويبدو أن النيجيريين يحوزون هذا الجين بوفرة : لأن كل البني التحتية مجعّاقة، وأغلب الأحلام بعيدة المنال، لذا فالطريقة الوحيدة التي تتحول من خلالها هزائمنا إلي انتصارات، ومخاوفنا إلي مواضع قوة، وعارنا لفخر، هو من خلال القصص . من الصعب التكهن بما يخفيه المستقبل لنا . لقد جري وصفنا بالفعل بالهند القادمة . بالمصطلحات القصصية والقدرات نستطيع أن نكون الهند . لكن كثيرين منا يدركون أن الهنود يحوزون شيئا لا نمتلكه، وهو صناعة نشر قوية بالوطن. فبعد انسحاب أغلب الناشرين الكبار في الثمانينات بسبب انهيار الاقتصاد المحلي، ساد فراغ هائل في صناعة النشر لدينا، ومؤخرا فحسب ظهرت طبقة تجارية رأت إمكانية لاستدرار الربح من وراء نجاح الكجتاب الججدد واستخدام ذلك في إنعاش صناعة النشر الفاقدة للوعي. ناشران علي وجه التحديد _ كاسافا ريببلك وكاشيفو _ لا ينشران الطبعات النيجيرية من الكتب فحسب، كرواية إيفانز 26A، و رواية أديتشي نصف شمس صفراء ، و روايتاي، لكنهما أيضا يعدان لهؤلاء الكتاب جولات أدبية طموحة من أجل الكتاب. و هو ما سيؤسس بالتدريج لقاعدة محلية من محبي الكتب، وثقافة القراءة علي أمل أن تنتعش صناعة الكتاب بشكل كامل . ترجمة : مجدي عبد المجيد خاطر ** منشور بجريدة "اخبار الادب" بتاريخ 2007