تونس: أقيمت مؤخراً في منتدى الجاحظ في تونس محاضرة بعنوان الشعر والإيديولوجيا شارك في تقديمها الشاعران التونسيان يوسف رزوقة وبحري العرفاوي، حسبما أوردت صحيفة "الإتحاد" الإماراتية". نتعرف على طبيعة السجال القائم في الساحة الثقافية التونسية اليوم والتطور الحاصل في الخطاب الشعري، وتحدث الشاعر يوسف رزوقة قائلاً: نحن نعلم أن لكل شاعر إطاراً مرجعياً يتفرع بدوره إلى ذاكرة جماعية وإلى ذاكرة فردية يتمثلهما الشاعر، وبالتالي لا يملك إزاء واقعه وإزاء إطاره المرجعي إلا أن يرهص بالتحولات تطلعاً إلى واقع جديد ينمذجه وفق انتظار جمهور مستهدف تشبّع هو الآخر بثقافة جديدة يحكمها التنوع والثراء والتخيل- تماماً كالنظام العالمي الجديد- على خارطة تعامل جديدة، وعلى الشاعر اليوم أن يتعاطى معها بمعايير فنية جديدة تقطع مع السائد هذا الذي نراه في قصائد لا تنتمي إلى راهنها. يقول رزوقة: لعلنا لا نجانب الصّواب إذا قلنا إن العولمة عولماتٌ، وقد فاجأت تداعياتها الكبرى سكان القرية الإلكترونية أينما كانوا وعلى تباين أجناسهم وأعراقهم وثقافاتهم... وارتفعت في عموم أنحاء العالم صيحات فزع تتطير من صورة المستقبل التي تبدو مع هذا الزحف المعولم قاتمة، كما ارتفعت أصوات متفائلة ترى في العولمة خياراً استراتيجياً ولا تعدها بالتالي غراباً ينذر بشؤم المرحلة. إزاء كل هذا تتناسل الأسئلة حول متغيرات الكتابة والواقع ودور المبدع العربي وإسهامه في الإلمام الواعي بما يحدث فعلا و تفاعلا مع العولمة وفائض منتوجها وتهديداتها القادمة للذات البشرية. ما العمل؟ سؤال الذات المبدعة مطروح على الواقع الساخن، واقعنا المنخرط اضطراراً في رعب بلا ضفاف وفي هستيريا صاخبة من التحولات الجذرية التي لا تعرف، وهي تتلاحق في سباق محموم مع الزمن إلا بالإنذار المبكر. الشاعر البحري العرفاوي يفرق بين السياسي والمثقف، فالسياسي من وجهة نظره صاحب أقنعة كثيرة يستخدمها في الوقت والمكان المناسبين، في حين يقف الشاعر مجرداً من كل شيء. يقول العرفاوي إذا كانت السياسة هي فن التعامل مع الممكن- كما يقولون- فإن الإبداع هو فن الدفع نحو المستحيل- كما أرى- فالسياسة مراسٌ واحتراسٌ والإيديولوجيا حصن من الإسمنت المسلح وإن مد جسوراً، أما الثقافة فهي ربوع في رحابتها وخصوبتها وتنوعها وتجددها وانفتاحها على الرياح والشموس والأمطار وحتى على الأعاصير. وأخيرا يعرج العرباوي على العلاقة بين المثقف الاستعراضي والسلطة، ويصف هذا المثقف الذي ينظر إلى السلطة بوصفها بقرة حلوبة يستدرها في كل مناسبة، ويظن أنه يستغفلها، في حين أن السلطة تنظر إلى هذا المثقف بوصفه جرواً نباحاً يتسكع في الشوارع وعلى ظهره لافتات الدعاية: إن اصطفاف المثقفين الاستعراضيين وراء السياسيين المحترفين ظاهرة تاريخية لم يخل منها زمان أو مكان، وفي تاريخنا العربي والإسلامي أمثلة كثيرة.