يبدو ان المستثمرين الذين كانوا وحتى مؤخراً يطالبون بإعادة الأموال النقدية إليهم عبر عمليات إعادة شراء الأسهم أصبحوا الآن أكثر هدوءاً وحذراً، مفضلين السعي وراء التمتع بوضعية نقدية جيدة في ظل التباطؤ الحاد الذي أصبح يحث الشركات على التدافع من أجل الاحتفاظ بأكبر قدر من الأموال النقدية.
وفي هذا الصدد يقول أحد كبار المستثمرين الأوروبيين ''أعتقد أن الأمر يتعلق في مجمله بسوء تقدير الأحوال في هذا العام، بحيث تقول إنني أفضل أن تصبح لدي شركة تتمتع بوضعية نقدية عالية عوضاً عن شركة مديونة الى درجة أننا أصبحنا نطمئن الإدارات بهذه الوضعية".
ووفقا لدراسة تحليلية أجرتها صحيفة "الفاينانشيال تايمز" مؤخراً فأن 29 فقط من أكبر 100 شركة عالمية من كبرى الشركات المسجلة في بورصات العالم تحتفظ بإجمالي سيولة نقدية تبلغ 570 مليار دولار في نهاية العام 2008، وذلك بالرغم من التباطؤ الاقتصادي الذي يشهده العالم متأثرا بأسوأ أزمة مالية ضربت اقتصادات العالم من الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين.
ووكشفت الدراسة أن أربع مؤسسات مالية جاءت في صدارتها شركة "بيركشير هاثاواي" المملوكة للملياردير الأميركي وارن بافيت قد تصدرت تلك القائمة بأموال نقدية صافية بقيمة 106 مليارات دولار بعد أن تم تصنيف هذه الأموال كأموال نقدية أو استثمارات قصيرة الأجل أو سندات وأوراق مالية قابلة للتسويق بعد خصم الديون.
كما كشفت الدراسة التي أوردت صحيفة "الاتحاد" الاماراتية أجزاء منها أن المواقع الثلاثة التالية احتلتها بنوك صينية وهي "بنك الصين" بأموال نقدية صافية بلغت قيمتها 101 مليار دولار يليه بنك "آي سي بي سي" بنقدية بلغت 89 مليار دولار وبنك "الصين للإنشاءات والتشييد" بأموال نقدية صافية بلغت 82 مليار دولار.
إلا أن المحللين اختلفوا فيما بينهم، فيما يمكن أن تفعله هذه الشركات الغنية بأموالها، إذ يعتقد البعض أنه في ظل تدني تقييم الشركات بشكل نسبي الآن مقارنة بما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة فإن الوقت يعتبر متاحاً ومناسباً للشروع في عمليات التملك والاستحواذ.
ويتفق مع هذا الرأي ستيف فروبيش كبير المحللين في شركة "بي إيه" للاستشارات، قائلا ''متى ما كانت لديك الأموال فهنالك فرص سانحة لا يسهل الحصول عليها من قبل الغير، فأمامك شركات انحدرت أسعارها الى مستوى القاع في ذات الوقت الذي سيصبح فيه بإمكانك عرض سعر الشراء المغري للآخرين''.
وعلى الجانب الأخر يختلف فيليب ايشروود ،استراتيجي الأسهم الأوروبية في شركة "دريسدنر كليوورت" مع هذا الرأي، متسائلاً ''من الواضح أن البنوك أصبحت تعمد للاحتفاظ بالأموال النقدية فلماذا لا يتعين على هذه الشركات الثرية الاحتفاظ أيضاً بأموالها"؟
ومضى يفسر وجهة نظره مشيراً الى أن عمليات الاستحواذ تميل عادة للانطلاق في فترة ما قبل الدورة الاقتصادية، كما أنها تعتمد بشدة على قوة سوق الأسهم، واختتم حديثه قائلاً ''إن الأمر كله يتعلق بالثقة، فهل سوف يتعين على البنوك أن تبقى حذرة وهل سوف يتعين على الشركات والمؤسسات أن تلتزم أيضاً جانب الحذر؟ أعتقد أن هذا هو الأمر المرجح''.
وعلى كل فقد أصبحت شركة "بيركشير هاثاواي" أحد الاستثناءات في هذه القاعدة بعد أن استثمرت أموالها أصلاً في الأسهم من الدرجة الأولى مثل أسهم شركة "جنرال إليكتريك" ومؤسسة "جولدمان ساكس".
وهنالك بعض الشركات الأخرى الغنية بالأموال النقدية التي تطلعت للاستفادة من ميزة التقييمات المتدنية نسبياً عبر الاندفاع في عمليات إعادة شراء الأسهم أو محاولة شراء وتملك الشركات المنافسة.
ولقد تبنت شركة "مايكروسوفت" هذين النوعين من المبادرات بينما تتجه شركة "روش" السويسرية للصيدلة والعقاقير للمنافسة من أجل الاستحواذ على شركة "جينينتيك" الصينية