صدر حديثاً عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" للمؤلف الأمريكي مايكل كوك وترجم النص وراجعه وقدم له الدكتور رضوان السيد والدكتور عبد الرحمن السالمي والدكتور عمار الجلاصي. تأثر المستشرق الكبير مايكل كوك بكلام الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين، حيث قال إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أصل الإسلام، وجوهر الدين، فكان ذلك من دوافع إقدام كوك على بحث هذا الأمر في الموروث الفقهي والكلامي الإسلامي المكتوب كله. يرتكز الكتاب وفق صحيفة "المستقبل" اللبنانية على مئات المصادر المطبوعة والمخطوطة، التي رجع إليها المؤلف، ويقدم الكتاب قراءة عميقة لروح الإسلام كله، من منظور إشكاليات الضمير الديني والأخلاقي، وأبعاد المسئولية بين الدولة والمواطن في التجربة العالمية المعاصرة. ونقرأ في مقدمة الكتاب للباحث رضوان السيد: هناك ثلاثة أنواع من الآيات التي يذكر فيها مفرداً "المعروف" و"المنكر" مقترنين أو غير مقترنين. النوع الأول، وهو الذي يحصل فيه الاقتران، وهو موضوع البحث هنا، هو الأكثر وروداً في القرآن الكريم وبثلاث صيغ: صيغة الخبر، مثل "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (التوبة:67)، وصيغة الوصف، أي وصف المؤمنين المثاليين: مثل "كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران: 110)، أو مثل "الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر" (التوبة: 112)، وصيغة الأمر، مثل "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (آل عمران:104)، ومن مثل "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهِ عن المنكر واصبر على ما أصابك" (لقمان: 17). النوع الثاني، وهو كثير الورود في القرآن، ويُفرد فيه "المعروف" وحده بالذكر، وهو يعني بوضوح: الإجادة في المعاملة أو السلوك، والإحسان في العطاء. وذلك على مثل قوله تعالى: "فأمسكوهن بالمعروف أو سرحوهن بمعروف" (البقرة: 231)، وقوله تعالى "فلا جُناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف" (البقرة: 233)، وقوله تعالى "قولٌ معروف ومغفرةٌ خيرٌ من صدقة يتبعها أذى" (البقرة: 263)، وقوله تعالى "وعاشروهن بالمعروف" (النساء: 19). وكما يتضح مما أوردنا من آيات، فإن أكثر مرات ورود مفرد "المعروف" على الانفراد فضلاً عن تحدد المعنى بالسماحة في القول والسلوك والتصرف متعلق بالمشكلات الأسرية، وطرائق التعامل مع المرأة في حالات النزاع أو الافتراق. والنوع الثالث من أنواع ذكر مصطلحي "المعروف والمنكر" أو أحدهما، هو المختص بذكر "المنكر" بمفرده، من مثل "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه" (المائدة: 79). ومن مثل "تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر" (الحج:72). ومن مثل (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر" (العنكبوت:29). ومن مثل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (النحل" 90). والواضح مما ذكرناه من الآيات التي ينفرد فيها "المنكر" بالذكر، أن معناه الشر، بشتى أنواعه وصيغه من مثل الكفر بالله، وارتكاب الفواحش العلنية، وقطع الطريق، والاعتداء على الناس... الخ. وبذلك يصبح معنياً المفردين "معروف ومنكر"، واضحين وللجهتين: جهة السياقات القرآنية التي يردان فيهما، ولجهة المعنى اللغوي المتداول في المعاجم، قبل التعرض للظلال والمعاني الثواني، التي يلجأ فيها اللغويون أيضاً للقرآن، وللشعر العربي القديم.