صدر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أحد مراكز الفكر الأمريكية الموالية لإسرائيل والمهتمة بقضية الصراع العربي الإسرائيلي دراسة تحت عنوان "إعادة التفكير في حل الدولتين" للكاتب جيورا أيلاند وتروج الدراسة لطرح خيار "الوطن البديل" الحل الذي يطرح دمج الضفة الغربية مع الأردن من خلال صيغة اتحادية بحجة عدم واقعية وصعوبة تحقيق الخيارات والمطالب الإسرائيلية من جهة والفلسطينية من جهة أخرى. وقد قَسَّم الكاتب دراسته إلى قسمين تناول الجزء الأول منهما الصعوبات التي تواجه عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي, فيما تناول الجزء الثاني الخيار الأردني كبديل لحل الدولتين. أشارت الدراسة وفق صحيفة "العرب اليوم" الأردنية إلى أن السنوات الثماني التي أعقبت اتفاقية أوسلو قد حملت في طياتها عددا من التطورات التي بددت التفاؤل الذي أعقب الاتفاقية, على خلفية تزايد العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين, لاسيما منذ الانتفاضة الثانية عام 2000 مرورًا بتكريس الاعتقاد الإسرائيلي بتقلّص قدرة القيادات الإسرائيلية على إحكام القبضة على حركات المقاومة الفلسطينية, على خلاف الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي تمتع بولاء قوات الأمن وحركة فتح, عكس الرئيس محمود عباس, ورئيس الوزراء سلام فياض غير المدعومين من قبل أطياف الشعب الفلسطيني كافة, إضافة إلى تدني القدرات العسكرية لقوات الأمن رغم المبالغ الطائلة التي تستثمر في إعدادها, وتسلل العناصر الفدائية لصفوفها, وانتهاءً باستيلاء حركة حماس على قطاع غزة, وتزايد قوتها خلال السنوات القليلة الماضية. ففي أعقاب فشل اتفاقية أوسلو تزايد الاهتمام بعامل التهديد الأمني من قبل إسرائيل, كما تزايد الحديث عن أهمية وضرورة وجود ترتيبات أمنية بين الطرفين تقوض استخدام الفلسطينيين لثلاثة أنواع من الأسلحة هي الصواريخ البدائية, والقذائف المضادة للدبابات, والصواريخ المضادة للطائرات, فيما يعد القاسم المشترك بين هذه الأسلحة هو صعوبة وقف تدفقها لأيدي الفدائيين الفلسطينيين, أو السيطرة على آثارها المدمرة, وفي هذا الإطار تشير الدراسة إلى أن اعتقاد إسرائيل في إمكانية حل مشكلة الأمن من خلال اتفاقية دائمة قد تبددت, وبالتالى لم تعد لديها الرغبة ذاتها في الدخول في اتفاقيات مماثلة. غير أن الكاتب يعود ليؤكد أنه على صعيد ما تم اتخاذه من ترتيبات أمنية بين فلسطين وإسرائيل, أشارت الدراسة إلى أن المشكلات الأمنية بين الجانبين ليس من العسير حلها, لا سيما مع ما يبديه الجانب الفلسطيني من مرونة في هذا الشأن بالمقارنة بالقضايا الخلافية الأخرى. أيضا تشير الدراسة إلى أن مشكلة اللاجئين تمثل صلب القضية الفلسطينية, حيث بدأت مشكلة اللاجئين عام 1948 ورغم تعدد الإحصاءات واختلافها حول عدد اللاجئين الفلسطينيين, فإن وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين قد قدرتهم حوالي 3 ملايين و47 ألف لاجئٍ فلسطيني لجأوا إلى عدد من الدول في الشرق الأوسط, غير أن التجمع الأكبر لهؤلاء اللاجئين في الأردن ولبنان. رغم الرفض الذي قوبل به الخيار الأردني كحل بديل لقيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية, من الأطراف الثلاثة, لاسيما الطرف الأردني الذي رفض إعادة التاريخ مرة أخرى من خلال ضم الضفة الغربية إلى المملكة الهاشمية, فقد عاد الحديث وبقوة عن إمكانية تحقق هذا الاقتراح, لاسيما بعد ظهور محفز جديد أسهم في العودة القوية لهذا الطرح وهو صعود حماس, واستيلاؤها على الحكم في غزة, إذ بات الأردن متخوفًا من إمكانية سيطرة حماس على الضفة الغربية إذا ما قامت دولة فلسطينية مستقلة كما حدث في غزة, لاسيما وأن صعود حماس قد اقترن بنمو تأثير الاخوان المسلمين في المملكة الأردنية, مما يعني أن حكم حماس على الحدود الأردنية المباشرة يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام الحالي في عمان. وفي إطار إدراك الخطر الذي بات يهدد النظام الأردني إذا ما حكمت حماس, بدأ عديدٌ من المفكرين الأردنيين يروجون لفكرة أن ضم الضفة الغربية إلى الأردن كسبيل وحيد لتقويض أي تحالف محتمل بين حماس في الضفة الغربية, والفلسطينيين في عمان الذين باتوا يشكلون أغلبية في الأردن. أما على الصعيد الفلسطيني فتشير الدراسة إلى أن كثيرًا من الفلسطينيين باتوا يؤيدون هذا الاقتراح أيضًا, نظرًا لصعوبة استقرار نموذج الدولة الفلسطينية المستقلة - إذا ما قامت بالفعل- وفي حالة عدم الاستقرار هذه سيكون من السهل على حماس السيطرة على الدولة الجديدة, في الوقت الذي يفضل فيه الفلسطينيون المعتدلون العيش تحت نظام أردني بدلاً من حماس. وعلى الصعيد الإسرائيلي, فيعد الخيار الأردني هو الحل المقبول الوحيد المقابل لرفض قيام دولة فلسطينية مستقلة, حيث تشير الدراسة إلى أن الأحزاب الإسرائيلية في أغلبها لا تريد قيام دولة فلسطينية مستقلة إلا كمقدمة للاتحاد مع الأردن وفق نظام فيدرالي. وترى الدراسة أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يختلف نوعيًّا عن النزاعات الأخرى في العالم, مثل النزاع بين الهند وباكستان على كشمير, بل والصراع بين سورية وإسرائيل على مرتفعات الجولان, وذلك في ثلاثة أوجه على الأقل: أن الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال وفق شروط باتت غير مقبولة دوليًّا وإقليميًّا، أن إسرائيل غير قادرة على ترسيم الحدود بشكل قاطع ونهائي حتى ينتهي الصراع، وأن للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي عديدًا من التداعيات الدولية والإقليمية. كما أنه يتأثر أيضًا بالتطورات التي تفرز في محيطه الإقليمي, والدولي. في ضوء تشابك وتشعب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي, تظهر أهمية تدخل بعض الأطراف الإقليمية وإسهامها في إنجاز حل لهذا الصراع, وعلى رأس هذه الأطراف مصر والأردن والمملكة العربية السعودية. وفي هذا الإطار يشير الكاتب إلى أهمية دور مصر, التي يجب عليها - من وجهة نظره - أن تقوم بنقل السيادة على منطقة جنوبغزة على طول ساحل البحر المتوسط إلى الدولة الفلسطينيةالجديدة, وهي مساحة تقدر بحوالي 600 كيلو متر مربع, وهو ما سيوفر مساحة كافية لاستيعاب أعداد الفلسطينيين, وإقامة مطار كبير في المنطقة الجنوبيةالغربية على بعد من الأراضي الإسرائيلية.