كيف كانت الديمقراطية في فكر الرواد؟ غلاف الكتاب في كتاب صدر حديثا بالقاهرة نقرأ من مقدمته .." الحديث عن تراث الديمقراطية في مصر حديث عن مصر الحديثة منذ الحملة الفرنسية ( 1798- 1801) التي أشعلت روح الوطنية في الشعب المصري، وعبر تاريخ الأسرة العلوية التي يغطي حكمها القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، وبالتحديد منذ تبوأ محمد علي سدة الحكم في 12 مايو 1805 حتى خلع الملك فاروق الأول في 26 يوليو 1952". والكتاب عنوانه "الديمقراطية في فكر رواد النهضة المصرية" إعداد نبيل فرج ، وصدر عن مركز القاهرة لحقوق الإنسان . محيط - سميرة سليمان وينقسم الكتاب بعد المقدمة إلى فصلين يحمل الفصل الأول عنوان "أبعاد تاريخية"، اما الفصل الثاني فجاء بعنوان "نصوص مختارة" وجاء فيه: "الحرية المدنية.. رفاعة الطهطاوي"، "في أصول السياسة .. أحمد فارس الشدياق"، "التمدن .. فرنسيس مراش"، "انواع الملك .. أديب إسحاق"، "الوطن والحرية .. حسين المرصفي"، "الاستبداد والحرية .. عبد الرحمن الكواكبي"، "سند الديمقراطية .. نقولا الحداد"، "حرية المرأة .. قاسم امين"، "الديمقراطية .. مي زيادة"، "الديمقراطية ضمان الرقي الإنساني .. فخري أبو السعود"، "ثلاثة نصوص .. جرجي زيدان،أحمد لطفي السيد، محمد لطفي جمعة"، "الديمقراطية الحديثة .. محمود عزمي"، "الديموقراطية في مصر .. محمد حسين هيكل"، "الديمقراطية قبل كل شئ .. سلامة موسي"، "لماذا أنا ديمقراطي .. عباس محمود العقاد"، "الكلمة المظلومة .. طه حسين"، "مستقبل المدنية .. مصطفي المنصوري"، "قوام الديمقراطية .. علي أدهم"، "كتاب البطالة .. حسين عفيف"، "الديمقراطية ومستقبلها .. محمود تيمور"، و "بين الديمقراطية والاشتراكية .. محمد مندور ولويس عوض". يتابع المؤلف "في غضون الحملة الفرنسية اطلعت مصر على أحداث ووقائع وقوانين وكشوف علمية ومظاهر حياة تنتمي إلى العصر الحديث رغم المساويء الاستعمارية الفادحة التي عاني منها الشعب. وفي ظل حكم أسرة محمد علي ارتفعت أبنية عمرانية وفكرية ، وأقيمت أنظمة وتشريعات تؤسس للدولة الحديثة ، لم تألفها ولم تعرفها مصر من قبل تجاوزت بها العصور الوسطى ، رغم كل الشروروالآلام التي صحبتها ، كما صحبت الاحتلال الفرنسي من قبل". وفي الفصل الأول يقول المؤلف :" للديمقراطية تاريخا طويلا في التراث الإنساني، وبخاصة تراث اليونان واللاتين، وتراث المسيحية في عصر النهضة الأوروبية ، وما حفل به التراث العربي القديم ، ثم القرون الثلاثة الأخيرة في أنحاء العالم " ولا ننسى قبل هذا كله حقوق الإنسان في مصر الفرعونية التي عرفت مبدأ المساواة بين جميع المواطنين ، بمن فيهم الأجانب الذين يقيمون على أرضها ، وكانت الوصية التي توجه للوزراء عندما يتقلدون مناصبهم ، تقول : " عامل بالمساواة الذي تعرفه والرجل الذي لا تعرفه ، الرجل القريب منك ، والرجل البعيد عنك ، وأعلم أنه عندما يأتي إليك شاك من الجنوب أو من الشمال، أو من أي بقعة في البلاد، فعليك أن تتأكد أن كل شيء يجري وفق القانون .." والمصطلح العربي للديمقراطية وهو الشورى، مبدأ إسلامي في أصول الحكم الذي يقوم على الانتخاب ، ويقتصر فيه الاجتهاد على الأمور الدنيوية ، ولا مكان للاجتهاد مع الثوابت في النص القرآني والحديث النبوي . ويعتبر الشيخ محمد عبده هذا الاجتهاد في التوفيق بين الدنيا والآخرة ، في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، على كل من الحاكم والمحكوم . ونموذج الشورى الأمثل خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، التي دعا فيها الناس لتقويمه إن لم ينفذ أحكام الله . ووفق المؤلف : " .. مهما كانت الاختلافات متباينة في مفهوم الديمقراطية في التراث الإنساني فمن المتفق عليه أن الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب ، بصفة الأفراد كأفراد ،وليس بصفتهم الطبيعية أو الدينية وغيرها ، وجوهر هذا الأسلوب الديمقراطي أن يشعر كل فرد في الدولة أنه آمن ، يملك فرصة متساوية مع الآخرين في الحكم والتعبير". وللديمقراطية الحديثة أربعة أركان مترابطة، إذا غاب منها ركن تقوضت الأركان الأخري، أو أصبحت مهددة بالانهيار، وهي: النظام السياسي، التكنولوجيا العصرية، الوفرة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية. ولتوضيح مدي الاستنارة الفكرية والجراة التي تمتع بها رواد النهضة المصرية الحديثة في دعوتهم لديمقراطية، علينا أن نتذكر ما كان عليه الوضع القانوني في مصر العثمانية من عدم الاحتفال بالعدالة في توزيع الثروة، وما كان من استحالة مشاركة الشعب للسلاطين في حكم البلاد، وكانت أي محاولة تهدف إلي المشاركة السياسية تعد من المحرمات، وتنال عقوبة الفساد في الأرض. لهذا فإن النقلة التي يمثلها عهد محمد علي وخلفائه، في الأوضاع السياسية والاقتصادية، وفي الفلسفات الاجتماعية، مجلس العدل في عصر محمد علي. نقلة كبيرة ، تحول بها المجتمع المصري من مجتمع إقطاعي ديني محدود الأبعاد يخضع للمحاكم الشرعية وحدها إلي دولة مدنية يتعدد فيها القضاء ما بين شرعي وأهلي ومختلط وقنصلي، وتتسع فيها الملكيات الزراعية التي منحها محمد علي لكبار رجال الإدارة والجيش، وقد اتسعت معها الفروق بين الطبقات نتيجة نظام الاحتكار الذي طبقه محمد علي منذ سنة 1811، بعد أن قضي علي خصومه وهو مايعرف برأسمالية الدولة، وتطلع أصحاب الثروة الجديدة إلي السلطة. وتحت عنوان "الحرية المدنية" بقلم رفاعة الطهطاوي يقول المؤلف أن رافع الطهطاوي (1801-1873) قدم في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" الفكر الديمقراطي الليبرالي للبرجوازية الفرنسية في القرن التاسع عشر معتبرا العدل والتعليم ونشر المعارف والعوم الطبيعية أساس المجتمع والعمران والتمدن الذي يؤدي إلي إلي دفع الحضارة، ورقي الإنسانية وتقدم الأوطان. ويحدد الطهطاوي في أعماله الفروق بين الحضارة الغربية والحضارة العربية في أن حضارة الغرب تقوم علي العقلانية والحقوق الطبيعية، بينما تقوم حضارة العرب علي مبادئ التحليل والتحريم الديني دون اجتهاد ودون تجديد. وجاء في "حرية المرأة" بقلم قاسم أمين أنه كان يري كمفكر ليبرالي في انحطاط وضع المرأة في بلاده انحطاطا للوطن بأسره وفي رقيها رقيا لهذا الوطن بالعلم والمعرفة، والحقوق الوضعية وسبيل هذا الارتقاء المساواة الكاملة في المواطنة بالمفهوم الليبرالي الاجتماعي لجميع أفراد الأمة لا تتأخر فيه النساء عن الرجال ولا يتقدم فيه الرجال علي النساء. ولعل أهم ما تضمنه هذا الكتاب تأكيد قاسم أمين علي أن العيوب التي عاني منها الشعب المصري ترجع إلي الحكومات الفاسدة التي توالت عليه، وليس إلي طبيعة تكوينه. وفي دفاعه عن الإسلام يذكر قاسم أمين ان هذا الدين لم يعرف امتيازات الميلاد أو الثروة الموروثة كما عرفتها أوروبا قاسم أمين في العصور الوسطي ولهذا اعتمد قاسم أمين في دعوته علي الشريعة الإسلامية جنبا إلي جنب اعتماده علي الحقوق المدنية الحديثة. وجملة القول إن قاسم امين يعد من أوائل المفكرين المصريين الذين آمنوا بالتعدد، والتنوع، والاختلاف، وبأن القانون هو الذي يضمن حرية الفرد، ويمنح السلطة مشروعياتها. وهذا نص قاسم أمين من كتابه "المرأة الجديدة": "لم يخطئ قدماء الفلاسفة في مسألة خطأهم في معني الحرية الإنسانية، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن الله خلق الناس علي قسمين: قسم ميزه بالحرية، والقسم الآخر قضي عليه بالرق، وكانت معيشة الأحرار بعيدة عن الاستقلال الذاتي، ومتأثرة بسلطة رؤساء العائلات ورؤساء الحكومة. والتاريخ يحدثنا بأن الحكومة في تلك الأعصر الخالية كانت تتداخل في كل ما يتعلق بالحياة الخاصة، وكان لها الشأن الأول في نظام العائلة والتربية والديانة والأخلاق والعواطف حتي أنها كانت تحدد في المعاملات التجارية أثمان البضائع، وقد وصلت بها الأثرة بالتدخل في شئون الحياة الخاصة إلي حد قوانين اليونان القديمة كانت تحجر علي النساء الخروج من منازلهن إلا في احوال مبينة. فكانت العيشة الاجتماعية هي أشبه بالعيشة العسكرية يأمر الحاكم حينما يريد بما يريد، وما علي الحكومة إلا أن تطيع أوامره". ويقول في موضع آخر: "فالحرية هي قاعدة ترقي النوع الإنساني ومعراجه غلي السعادة ولذلك عدتها الأمم التي ادركت سر النجاح من أنفس حقوق الإنسان، ومن المعلوم ان المقصود من الحرية هنا هو استقلال الإنسان في فكره وإرادته وعمله متي كان واقفا عند حدود الشرائع محافظا علي الآداب وعدم خضوعه بعد ذلك في شئ لإرادة غيره اللهم إلا في أحوال مستثناة كالجنون والطفولية حتي بالنسبة للأطفال رأي علماء التربية الصحية أن الضغط علي الأطفال مميت لعزيمتهم ورجحوا أن يترك الطفل يتصرف في نفسه بحريته وإنما علي والديه إرشاده ونصحه، فهذه الحرية علي ما بها من سعة يجب أن تكون أساسا لتربية نسائنا". وتحت عنوان "الديمقراطية" بقلم مي زيادة يقول المؤلف: لم يصدر للكاتبة مي زيادة غير اثني عشر كتاب، منهم واحد عن المذاهب السياسية عنوانه "المساواة" تناولت فيه القضية الاجتماعية في تطورها الدائم منذ بداية تكون الشعوب، والثورات، والأرستقراطية، والعبودية، والاشتراكية السلمية، والاشتراكية الثورية، والفوضوية والعدمية وغيرها. وبين فصول هذا الكتاب فصل عن الديمقراطية تعرض فيه مي زيادة لتاريخها وتطورها في بعض الثقافات والحضارات. والمساواة عند مي كما جاءت في وثيقة حقوق الإنسان التي أعلنتها الثورة الفرنسية (1789) هي المساواة بين البشر مي زيادة في الحقوق العامة وفي فرص الترقي إلي كافة المراتب دون إلغاء للتفاوت الاجتماعي، ذلك أن مفهومها للعدالة لا يختلف عن مفهوم أفلاطون في كتابه "الجمهورية" حيث تبقي الطبقات علي حالها الذي ورثته من الماضي، وتقوم بتوريثه في المستقبل. وهذا المفهوم ينبع من رؤيته لحكومة الحكماء او العارفين، وهي بالطبع حكومة غير ديمقراطية بالمعني أو المفهوم الحديث. ومع هذا فإن مي تذكر في موضع آخر من كتابها "المساواة" أن تغيير هذه الأوضاع الثابتة يكون بالمعرفة والتعليم وإنماء المواهب المنبهة للأطماع العامة، وإثارة النفوس علي التقاليد الموروثة. وهذا الرأي نفسه الذي يري أن الشعوب الجاهلة لا تصلح لممارسة الديمقراطية قال به جون ستيوارت مل، وقال فولتير في سياق مشابه عن تنازل المرء عن حريته يتنافي مع طبيعته الإنسانية. اما محمود يتمور في مقال له تحت عنوان "الديمقراطية ومستقبلها" الذي نشر في مجلة "الرسالة" فبراير 1942، تناول نشأة الديمقراطية في الحضارة اليونانية القديمة، وعرض جوهرها المثالي في نظم الحكم بين الحاكم والمحكوم، كما عرض تطورها عبر المجالس النيابية التي تراقب الحكومة في أدائها، وتحمي الطبقات من طغيان بعضها علي بعض، وتحمي المراة من استرقاق الرجل، تحقيقا للمساواة سواء في النظم الجمهورية كفرنسا، أو في النظم الملكية كانجلترا. ولم تكن قضية المرأة غائبة عن المشتغلين بالنهضة، بل كانت علي رأس اهتمامهم، لأن تحرير المرأة كان جزءا عضويا من تحرير المجتمع من الاستبداد والحكم المطلق. والكتاب زاخر بآراء الكثير من رواد النهضة والفكر في الحرية والديمقراطية.