من بعيد بدتْ بملابسها الريفية المصرية تسير حافية القديم قرب آذان المغرب فى شارع قريب من منطقة الحرم المكى الشريف وبدا عليها التعب والخوف الشديدين وبدت الحاجة العجوز تتلفت حولها بترقب وتتبرم فى الوجوه الكثيرة والغريبة من مختلف الألوان والأجناس وسط الزحام الرهيب،فكان يوم الخامس عشر من رمضان وقد اكتظت المدينة المقدسة بأكثر من مليونى مٌعتمر من مختلف أنحاء العالم..ألاحظها بترقبُ،فقد تركتٌ زوجتى وأطفالى قريباً من أبواب الحرم الشريف لإحضار غرضاً من سيارتنا المركونة بعيداً عن تلك المنطقة،وقد حال الزحام المهول دون دخولنا للمسجد الحرام،وفى طريق عودتى وقع بصرى عليها ولاحظت الحاجة مُراقُبتى الخجلة لها..ورددت العجوز بصوتٍ مسموع والبٌكاء قد اقتحم عينيها رغماً عنها "راحوا فين وسابوني..!؟ هكذا بلهجتنا المصرية..اقتربت منها راجياً أن أظفر بمساعدتها.وسألتها أقدر أساعدك ياأمي؟.تهتُ من جماعتى ياولدي،معك العنوان.؟ أخرجتْ من"جيب"عباءتها الفضفاضة جواز سفرها وأمسكتُ به وقلبتُ بصفحاته وبه اسم المطوف والمكتب ولا يوجد أى بيانات أخرى من عنوان أو تليفون أو غيره.!، وسألتها وأين الكارت ياأمي؟ قالت وهى مازالت تبكى كارت إيه ياولدي؟ كارت الحاج ؟لا أعرف شيء فقد وصلنا قبل الظهر ونزلنا للحرم للطواف والسعى وكنا سنعود للسكن للإفطار ونعود بعدها لأداء صلاة الترويح..تُهتُ منهم ياولدي،والعجوز مازلتْ غارقةً فى دموعها..وبين الحين والآخر أحاول طمأنتها..وكلما مررتٌ على فوجُ من جماعتنا المصريين سألتهم،حتى وصلتُ لزوجتى وأطفالي،وأخرجتْ بعضاً من إفطارنا وقدمته للعجوز.وظللنا بعدها ساعات طويلة نسأل ونتحرى إلى أن وصلتٌ وبصعوبة كبيره الحاجة العجوز التائهة إلى فوجها وجماعتها التى قدمت معها. وفى العام قبل الماضى عند وداعى لأحد الأقارب بميناء جده وقع بصرى على احدى الجدات المصريات تجلس حزينة باكيةً وسط زحام المسافرين وعلمت منها أنها كانت مع جماعه حجاج وتركوها بسبب فقد جواز سفرها ورفض سلطات المينا سفرها وفقنا الله لما فيه الخير آنذاك وتم تسفير تلك الحاجة التى لاأعرف حتى اسمها أو مدينتها سوى أنها كانت تحتاج لمساعده بسيطة من مسئولى بلدها.!، وفى موسم الحج للعام الماضى سمع أفواج الحجاج فى منى صوت صراخ عجوز وهى تعلو وتنادى وهى تبكي.. يا حاجه هانم، يا حج سالم.؟، حيثٌ تاهتْ تلك الحاجة عن مكان خيمتها اقتربتُ منها وبعضاً من شباب المتطوعين للطمأنة والمساعدة وبالبحث والتحرى أوصلناها إلى خيمتها وأقاربها.،وللمملكة السعودية وهيئاتها المتنوعة من مراكز إرشاد الحجاج التائهين وغيرها جهود طيبه فى إرشاد الحجاج التائهين،ولكن نرجو أيضاً من أصحاب حملات الحج والقائمين والمشرفين على مراكز الحج وضع العناوين والتليفونات لمكاتبهم فى مكةالمكرمة بدقه وعناوين الخيام بأرقام أعمدة الخيام التى حول الاعمده أو القريبة منها على بطاقات وكروت الحجاج التعريفية.خاصةً كبار السن منهم والتنبيه المستمر على الحجاج والمعتمرين بضرورة حمل كارت الحاج التعريفى المدون به بياناته، فغالباُ ونتيجة الضغوط الكبيرة تتوقف أو تتعطل شبكات الهواتف المحمولة فى منى وعرفات،كما أنه أحياناً تُسجل أرقام هواتف ثابتة ومحمولة ناقصة أو خاطئة على البطاقات التعريفية للحجاج،فحالة تسجيل بيانات واضحة وصحيحة ستسهل كثيراً فى إرشاد وإيصال الحجاج التائهين عن ذويهم وخيامهم، وعند تمام الانتهاء من آداء فريضة الحج كالعادة يتكدس حجاج البحر بمنطقة وشوارع المينا بجده لانتظار عباراتهم للعودة للوطن ويضطرون للمبيت بالشوارع عدة أيام لعدم وجود مآوى ولعدم توافر سيوله ماليه مع الكثيرين منهم حيث أحياناً كثيرة لاتوجد أماكن للمبيت نتيجة الزحام بمدينة حجاج البحر والموفرة من قبل الأجهزة السعودية،كذلك يتكدس الكثير من المغادرون بالأوتوبيس بمحطات النقل البرى ويضطروا لافتراش الأرض عدة أيام لانتظار الخلاص، فيحتاج هذا الأمر من القائمين والمشرفين على قوافل وأفواج حجاج البحر والبر إلى تنظيم عملية عودتهم من مكة إلى جده إلا إذا توافرت أماكن بوسائل المغادرة بالسفن أو الباصات،وحج مبرور وذنب مغفور لمن وُعدَوا بالحج والعمرة، ووعد الله من أرادوا تأدية فريضة الحج أو العمرة وحقق أمانيهم.. آمين.. وكل عام وحضراتكم بخير.