اعتقال ليبي بشبهة التخطيط لمهاجمة السفارة الإسرائيلية في ألمانيا    بعد اتهامها بمحاولة اغتيال نتنياهو .. بيان عاجل من إيران    بالصواريخ.. حزب الله اللبناني يُعلن قصف صفد في شمال إسرائيل    تفاصيل وكواليس ما حدث فى قطاع غ زة بعد غارات الاحتلال العنيفة.. فيديو    وثائق سرية تكشف استعداد إسرائيل للهجوم على إيران .. تفاصيل    قبل الكلاسيكو.. ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيجو 2-1 بالدوري الإسباني    نجم بيراميدز السابق يكشف مفاجأة مدوية بشأن موقف رمضان صبحي من العودة للأهلي    متعب والحضرى وشوقى ويونس فى الاستوديو التحليلى لمباراة الأهلى وسيراميكا    اليوم.. محاكمة 6 متهمين في «خلية الحدائق»    اليوم .. محاكمة اللاعب أحمد ياسر المحمدي بتهمة اغتصاب فتاة في قطر    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    طارق الدسوقي خلال افتتاح ملتقى المسرح للجامعات: هذه الدورة الأصعب على الإطلاق    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    تفسير آية | معني قوله تعالي «أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى»    كلمة السر في مرض أحمد سعد .. خطر غير مرئى هو السبب    اللواء سمير فرج: حماس ضعفت وتحتاج إلى 10 سنوات لاستعادة قوتها مرة أخرى (فيديو)    بلدية المحلة في مواجهة صعبة أمام المصرية للاتصالات بدوري المحترفين    حرب غزة.. استشهاد طفل في قصف للاحتلال على النصيرات    شعبة المخابز تحدد موعد ارتفاع أسعار الخبز السياحي (فيديو)    الشرطة الألمانية تستخدم الكلاب لتفريق متظاهرين منددين بجرائم الاحتلال    هرسه في ثانية، لحظة دهس سيارة نقل ثقيل يقودها طفل ل شاب بالصف (فيديو)    نوة رياح الصليب وأمطار غزيرة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الأحد    أهالي شارع عمر بن الخطاب بمصر الجديدة يستغيثون ويُناشدون وزارة التنمية المحلية    معرض فرانكفورت للكتاب: توزيع جوائز تيك توك بوك للمنطقة الناطقة بالألمانية    موعد بداية فصل الشتاء 2024.. وتوقيت فتح وغلق المحلات قبل تطبيق التوقيت الشتوي    عاجل - زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر 2024 وخطوات التقديم عبر موقع الوكالة الوطنية للتشغيل    «احتفالا بحملها».. سلمى أبوضيف تظهر بفستان أبيض من جديد (صور)    «زي النهارده».. اندلاع ثورة القاهرة الأولى 20 أكتوبر 1798    غدًا.. عبد الرحيم علي ضيف برنامج «كلام في السياسة» على «إكستر نيوز»    الحمصاني: لن نتخلى عن المواطن.. ونطبق الحماية الاجتماعية من خلال ضبط الأسعار    فرض ضريبة جديدة على الذهب في مصر.. ما حقيقة الأمر؟    هل تذكيري لأصدقائي بتلاوة القرآن وذكر الله عليه أجر؟.. دار الإفتاء تجيب    اللهم آمين | أثر الدعاء للشهداء وأهلهم    ملف يلا كورة.. قرعة الدوري.. الهزيمة الأولى لأرسنال.. و"يد الأهلي" بطلًا لأفريقيا    منها الجوع الشديد..تعرف على أعراض مرض السكري عند الأطفال    نقص الفيتامينات والضغط العصبي.. تعرف على أهم أسباب الشيب المبكر    وداعًا للوزن الزائد .. 10 خطوات بسيطة لإنقاص الوزن بدون حرمان    اليونسكو تساعد الأجيال المستقبلية على صون التراث الثقافي غير المادي    للمسافرين كثيرًا.. كيفية الصلاة في المواصلات ومعرفة اتجاه القبلة |الإفتاء تجيب    بسبب مكالمة هاتفية.. مقتل سائق على يد شقيقان وزوج شقيقتهم بشبرا الخيمة    الحكومة: استمرار رفع أسعار المواد البترولية حتى نهاية 2025    سعر التفاح والموز البلدي والمستورد بالأسواق اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    الغرف التجارية: لا زيادة في أسعار السلع الغذائية بعد تحريك المحروقات    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    يوفنتوس يهزم لاتسيو ويقفز لصدارة الكالتشيو    عبد الرحمن فيصل: بطولة إفريقيا هديتنا للجماهير    مصرع شخص وإصابة 20 آخرين في حادث تصادم سيارة برصيف بالفيوم    هشام يكن: الزمالك سيدخل لقاء بيراميدز بمعنويات عالية    حدث بالفن| وفاة والدة فنانة وخالد الصاوي يحذر من حقن التخسيس لهذا السبب    مين فين ؟    «مش هفتح بطني عشان بُقي».. خالد الصاوي يرفض عمليات التخسيس|وهذه أهم المخاطر    نائباً عن السيسي.. وزير الأوقاف يصل إندونيسيا للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    جامعة قناة السويس تنظم برنامجاً تدريبياً لطلاب STEM حول تصميم وتنفيذ كوبري مائي متحرك    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    فرص عمل جديدة بمحافظة القليوبية.. اعرف التفاصيل    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في خضم الثورات...هل مات مشروع الوحدة العربية؟
نشر في مصر الجديدة يوم 25 - 05 - 2012

مما لاشك فيه أن الوضع العربى الراهن له خصوصيات لابد من إستيعابها و أخذها فى الحسبان عند تصور أى مشروع يسعى لتحقيق الوحدة العربية ، و لعل من اهم هذه الخصوصيات ان الدولة القطرية موجودة و مضى على قيامها وقت ليس بالقليل ، و قامت تلك الدولة بتكوين مؤسسات و اصبح لها وضع دولى و قانونى ، هذا إلى جانب ان تلك الدول القطرية قد شهدت منافسة على الزعامة و تكوين المحاور و هى متفاوتة من حيث الحجم و عدد السكان والامكانات المالية و توافر الموارد الطبيعية ، وبالتالى فإن وضعا كهذا لا يناسبه زعامة واحدة أو قيادة دولة واحدة . وعليه فإن مجال الإهتمام لابد أن ينصب على النظرة الجماعية و العمل التعاونى و التفاعل المتعدد و البناء التدريجى لعلاقات الاندماج و فتح المجال واسعا أمام الجميع للمساهمة فى بناء صرح الاندماج و التكامل و من ثم تحقيق حلم الوحدة العربية .
ولا ريب أن هناك العديد من الأبعاد الداخلية والخارجية لإشكالية الوحدة العربية ، فعلي المستوي الداخلي توجد العديد من الازمات الداخلية والتي تمثل عائقاً أمام مشروع الوحدة، ففي كل دولة من دولنا العربية توجد أزمة ولا تكاد دولة عربية واحده تخلو من وضع الأزمة الخاصة فالمغرب له مشكلة الصحراء الغربية ومورينانيا لم يستقر نظامها الذي واجه معوقات داخلية والجزائر مرت بمرحلة الصدام الداخلي الذي شهد الكثير من إراقة الدماء ولاتزال تعاني من أثاره حتي الآن، وفي تونس توجد أزمة عقب ثورة الياسمين في بناء الدولة الحديثة، وفي ليبيا نظام جديد لم تستقر اركانه بعد سقوط نظام القذافي ، ومصر وهى أكبر دولة قطرية بالمنطقة تعاني وضعاً اقتصاديا متباينا بعد ثورة يناير، الى جانب حالة من التخبط السياسي والأمني، وفي السودان أزمة داخلية خطيرة حيث صارت الدولة دولتين، وفلسطين تحت الاحتلال الصهيوني بكل ما فيه من وحشية و يعاني لبنان عدم استقرار داخلي نتجت عنه الحرب الأهلية ويمر الآن بوضع غير مستقر وفي سوريا أزمة متعددة الجوانب فجزء من ترابها الوطني محتل ونظام الحكم مختلف عليه وهو الأن يقتل شعبه والأردن في وضع سياسي واقتصادي حرج و يتعرض نظام الحكم فيه إلي ضغوط داخلية وخارجية والعراق في أزمة ظاهرة للعيان حتى بعد الإنسحاب الأمريكي وانهيار الدولة ويتعرض لخطر يهدد وحدته الوطنية ويعاني اليمن حالة اضطراب داخلي ونمو اتجاهات العنف والتطرف الديني حتى بعد رحيل نظام عبد الله صالح ، أما دول مجلس التعاون الخليجي فلا تجلو من حالة الأزمة وإن اتخذت اشكالاً أخري.
وعلي الطرف الآخر فهناك العديد من المعوقات الخارجية التي تقف حائلاً أمام مشروع الوحدة العربية، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية فى الصف الأول من القوي المعادية للوحدة العربية فهي الحليف الاستراتيجي للصهيونية والمؤيدة لبقاء الدولة اليهودية فى فلسطين وتعتبر أن جزءاً كبيراً من أمنها القومي يتمثل في بقاء إسرائيل والتي تري بدورها أن وحده الصف العربي هو خطر كبيراً علي البقاء الإسرائيلي ذاته ، ولقد تبلور الموقف الأمريكي المعادي للوحدة العربية في طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير بديلاً لمشروع الوحدة العربية الشاملة والذي يضم اضافة إلي الدول العربية دولاً أخري لها حوار جغرافي وأن كانت لاتنتمي للعربية مثل باكستان وأفغانستان وتركيا وإيران وإسرائيل، اضافة إلي ذلك فان الولايات المتحدة في علاقتها مع الاقطار العربية لاتنطلق من وجود أمة عربية واحدة ولا من فرضية أن الدول العربية تربطها روابط قومية وأنها أمه واحده لها مشروع للتوحيد بل من وضع التجزئة وأن لكل دولة عربية إستراتيجية معينة في التعامل تختلف عن كافة الدول العربية الأخرى.
أما عن الموقف البريطانى تجاه مشروع الوحدة العربية فقد سعت بريطانيا الى عرقلة قيام أي نوع من التوحيد العربي، فهي بحكم علاقتها الاستعمارية القديمة في البلاد العربية نجدها قد سعت بجميع الوسائل لخلق وضع التجزئة في المنطقة العربية بعد أن كانت موحدة ألي حد بعيد في ظل الحكم العثماني، وخلال الحرب العالمية الثانية والفترة التي أعقبتها مقترحات عدة لإقامة مشاريع متعددة للوحدة العربية شملت معظم أقطار الوطن العربي، وكانت سياسة بريطانيا ازائها معرقلة وسلبية تماشياً مع سياسة التجزئة والفرقة .
ولم يختلف الموقف الأوروبي كبيراً عن مواقف كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا ففي مقابل مشروع الشرق الأوسط الأمريكي قدمت أوروبا مشروعاً أسمته (الشراكة الأوروبية المتوسطية) وسجل المشروع سبعة عشر دوله أوروبية أضافة إلي بعض الدول العربية المطلة على ساحل البحر المتوسط مثل الأردن ومصر و سوريا ولبنان وفلسطين والجزائر والمغرب وتونس وإسرائيل وتركيا وبذلك يكون المشروع بديلاً للوحدة العربية ويودى لإلغاء الاتفاقات والمعاهدات العربية كاتفاقية معاهدة الدفاع العربى المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية.
أما عن التساؤل الخاص بما يمكن عمله من أجل مشروع التوحيد و هو متعلق بالجانب العملي. فيمكن أن يتضمن الجانب العملي مسألتين، الأولي تتعلق بالأداة وهي قيام الجبهة القومية، والثانية تتعلق بمادة العمل، أي النشاط الذي يجب القيام به ابتداء من نقطة البداية. وهنا لابد من التأكيد أن برنامج العمل يجب أن تحدد له بعض الأسس أهمها هو البدء بالجانب الاقتصادي- الاجتماعي في حياة الجمهور العربي فالشأن الاقتصادي هو الطريق الذي حدد لمشروع الوحدة. فالاقتصاد هو الوسيلة الناجحة لملامسة الوضع النفسي للفرد العربي في الظرف الحاضر، ذلك الوضع الذى يدفع للإحباط وضعف الثقة وتراجع الفعالية. لذلك فالسبيل العملي لتحسين الوضع يكمن في الخطوات التي يمكن أن تحرك ذلك الوضع النفسي وبعبارة أخري يجب أن يلمس الفرد العربي تحسناً ملموساً في معيشته من جراء تلك الخطوات لموازنة عوامل الإحباط وانخفاض الروح المعنوية عن طريق تكوين الشعور بالأمل والجدوى.
الفكرة الأساسية الأخرى في برنامج العمل هي البدء بنسيج النظام السياسي القائم وليس بركائزه، بمعني أن تبدأ حركة التوحيد بإصلاح النظام السياسي الموجود انطلاقاً من الموقف الإيجابي، من أجل بناء حالة الاطمئنان وتقبل حركة الوحدة والمساعدة علي امتدادها في المجتمع وعموم الحياة العامة . فالوحدة العربية مشروع له فكرة رئيسة يمكن التعبير عنها من خلال نشاطات تفصيلية ترمز إلي الفكرة وتقربها من الذهن العام. وبعبارة موجزة يجب الاهتمام كنقطة بداية بالقضايا التي توضح قضية الوحدة وترمز إليها وتضع حجراً بعد حجر في صرح بنائها مع وجود الكيانات القائمة أكثر من الذهاب مباشرة إلي إلغاء الدولة القطرية.
وتأسيساً علي ذلك يمكن التعرض لأهم النقاط التى تعد اساسا لتحقيق الوحدة العملية بين الاقطار العربية حيث تتبلور المسألة الأولي التي تتصدر نشاط الحركة هي قضية إلغاء التأشيرة بين البلاد العربية لتسهيل السفر وانتقال الأشخاص لمختلف الأغراض. إن خطوة كهذه من شأنها أن تخلق ارتياحاً عاماً وترفع عن كاهل المواطن العربي عبئاً وعائقاً هما الآن مبعث معاناة لكثير من المواطنين. كما أنها خطوة بسيطة ومعروفة وهي مطبقة الآن من قبل بعض الأقطار العربية ثنائياً، وسبق لها تطبيقها، وليس من الصعب إيجاد السند القانوني لها في الاتفاقيات الربتة الموجودة.
و القضية الرئيسة الثانية تتعلق بالمسألة الاقتصادية المطروحة منذ مدة، وهي برنامج التكامل والاندماج الاقتصادي بدءا من منطقة التجارة الحرة إلي إقامة اتحاد جمركي ثم سوق عربية مشتركة وصولاً إلي الوحدة الاقتصادية العربية، إن هذا المشروع هو العمود الفقري للوحدة العربية، وهو مشروع طويل الأمد ويحتاج إلي جهود واسعة. ولهذا المشروع تاريخ معروف في مناقشات وقرارات جامعة الدول العربية بدءاً من مؤتمرات القمة، ولا تزال الخطوة الأولي فيه وهي إقامة منطقة التجارة الحرة قيد العمل في الجامعة العربية. ويجري الاهتمام الآن بمعالجة القيود غير الجمركية، كموضوع قواعد المنشأ، وإيجاد آلية لتسوية المنازعات وتنفيذ اتفاقية محكمة العدل العربية المقررة منذ 1964 والذي يبدو أن التجارة البينية هي الخيار المتاح، أي توسيع السوق إمام المنتجات الوطنية، وذلك بإحلال المنتج العربي محل المنتج الأجنبي ونقطة البداية لمشروع السوق المشتركة والوحدة الاقتصادية. ولعل من أهم القضايا المتعلقة بالعمل الاقتصادي العربي المشترك هي قضية وضع الأجهزة المتعلقة بذلك وبخاصة علاقة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والازدواج في المهمات.
اما المحور الثالث فيتمثل فى وجود مؤسسة الجامعة العربية ذاتها التي اتسم تاريخها بالتباطؤ والإحباط. و التى يجب العمل لإصلاح هذه المؤسسة ومعالجة نواحي النقص فيها وليس إلغاؤها. وهناك في هذا الصدد عدد من القضايا تتصدرها قضية إصلاح الميثاق في ما يتعلق بطريقة اتخاذ القرارات، وهو مشروع يتعلق بجعل القرارات تتخذ بأكثرية الثلثين أو الأكثرية البسيطة بدلا من الإجماع. كما أن اجتماعات القمة نفسها تحتاج إلي تنظيم من حيث المواعيد ومستوي الحضور ومدة الاجتماع وطبيعة المداولات. وأهم القضايا التي يجب إثارتها من جديد وتلافي الخلل الذي حدث في تناولها هما قضية معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي الموقعة في منتصف 1950 والتي عطل تنفيذها، وقضية استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك(1980-2000) وميثاق العمل القومي التي أقرها مؤتمر القمة العربية في عمان في تشرين الثاني /نوفمبر 1980 ثم قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالتخلي عنها بتحريض من بعض وزراء الاقتصاد والمال العرب في اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي . أن إحياء هذين الموضوعين ووضعهما مجدداً إمام الرأي العام العربي يشكل بنداً مهماً في عملية إصلاح مؤسسة الجامعة العربية وبعث الحيوية في عملها. كما أن تفعيل معاهدة الدفاع المشترك وقضية إحياء استراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك تشكل أهم جزء من العمل الميداني الذي يجب أن تضطلع به حركة الوحدة العربية كجزء من برنامج نشاطها العملي في المرحلة الأولي. فكلا الموضوعين له من المبررات الموضوعية المتعلقة بالأمن والتنمية ما يجعل طرحه مقبولاً ويلقي تجاوباً شعبياً واسعاً.
وعلى الجانب الآخر فإن إصلاح الناحية المؤسسية لهيكل الجامعة العربية يدور الآن بحث عدد من القضايا المهمة، منها إصلاح وضع المنظمات العربية المتخصصة، من حيث الاختصاص والعلاقة بالأمانة العامة للجامعة، فهناك مقترحات لتحويلها إلي مراكز خبرة وتحويل مهماتها ألي اللجان المتخصصة التابعة للأمانة العامة للجامعة, هناك الآن خمس عشرة منظمة عربية مخصصة وخمس مؤسسات تمويل عربية بحسب ما ورد في دليل الأمانة العامة –الشؤون الاقتصادية، إدارة المنظمات والاتحادات العربية
الغرض من إبراز كل ذلك هو الإيضاح بأن هناك بناءَ مؤسسياً قد تمّ إنجازه في نطاق جامعة الدول العربية وبمبادرات خاصة من المنظمات الأهلية خلال الفترة الماضية، وأن هذا البناء وإن كان انعكاسه في مجال التطبيق لم يكن عالياً إلا أنه مهما كان فهو جهد تأسيسي يمكن اتخاذه كنقطة انطلاق، وتوظيف جوانبه القانونية والخبرة العملية التي ترشحت منه في عمل حيوى جديد يخدم مشروع الوحدة بدلاً من إهماله والبدء من جديد.
إن عملية بعث الروح في ما هو موجود الآن وإصلاح نواقصه وإنجاز خطوات جديدة، يحتاج إلى زحم شعبي وحملات عمل تنقل أفكار هذه المشاريع إلى أوساط الرأي العام ويعبأ من أجله الجمهور ونخب المجتمع وطبقاته في اتجاه الإصلاح والتجديد.
رابعاً: في المجال العملي هناك ما يستحق الاهتمام كمشاريع عمل مشتركة ذات بعد قومي، والمثال الجيد على ذلك طرق المواصلات لربط البلاد العربية بشبكة جيدة تنمي التواصل البشري وتدعم التنمية المشتركة. وكمثال جيد عن ذلك، لتحقيق التواصل بين جناحي الوطن العربي في المشرق والمغرب، إنشاء جسد بري بين مصر والمملكة العربية السعودية عبر مدخل خليج العقبة عند مضايق تيران عبر مجموعة الجزر المتناثرة هناك. وبذلك يتم الاتصال بين الخليج والمغرب العربي، وتوفير ضمانات لحرية العبور، لعقد اتفاقية ترتب حرية المرور لجميع الأقطار العربية. ثُمّ هناك شبكات نقل عربية داخلية يمكن ربطها بالأقطار الأخرى عن طريق استكمال بعض الوصلات الناقصة. فشبكة الخطوط الحديدية العراقية يمكنها أن ترتبط بالشبكة السورية عن طريق وصلة بين دير الزور والبوكمال وإحياء الخط الحديدى الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة مروراً بالأردن الذي بلغت الدراسات عنه مرحلة متقدمة ولم يبق غير موضوع التمويل.
خامساً: وكإجراء تمهيدي للوحدة العربية يمكن العمل لتوحيد القوانين والنظم التي تعمل بموجبها مؤسسات حكومية وشعبية لتكوين نسيج مترابط قومياً - وإن كان يعمل الآن كُلّ في محيطه القطري - فهناك العديد من التشريعات التي يمكن التفكير بتوحيدها، وفي مقدمتها القانون المدني وقوانين القضاء وممارية المهن والإقامة وقوانين الضرائب والرسوم وقوانين البلديات والإدارة المحلية وتشريعات البيئة وقوانين وأنظمة التعليم بمختلف المراحل وتنظيم السجل المدني وقوانين الجنسية.. الخ. كما أن هناك الأنظمة المؤسسة للتنظيمات الشعبية والمهنية كالعمال والفلاحين واتحادات الطلبة ومنظمات النساء ومؤسسات المجتمع المدني والأوقاف وقوانين وأنظمة الوزارات المختلفة.
إن برنامجاً مفصلاً للقيام بمبادرات وحملات شعبية ورسمية لتوحيد هذه القوانين والأنظمة من شأنه تكوين أرضية متماثلة ترتكز عليها عملية التوحيد السياسي التي يتضمنها مشروع الوحدة عندما تتهيأ له الظروف، مما يجعل المشروع يرتكز على أرض صلبة ممهدة بدلاً من أن يواجّه جملة من القوانين والأنظمة المتباينة، الأمر الذي يستغرق وقتاً طويلاً لتوحيدها. وبجانب ذلك يكون لمثل هذه الحملات أثر معنوي وإعلامي يتم من خلالها إيصال الرسالة للجمهور وإيضاح فكرة الوحدة ويجعلها قضية حاضرة حية في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
إن البنود التي يتضمنها برنامج الوحدة العربية ليست كُلّ ما يجب أن يتضمنه عمل حركة الوحدة لتحقيق مشروعها، بل هي مقترحات لمرحلة البداية، ولم يكن الغرض من إيرادها الادعاء بأنها قابلة للتنفيذ جميعها في المرحلة الحالية. فالصعوبات التي أعاقت مشروع الوحدة والمشاريع التي سبق طرحها بخصوصه ماثلة للعيان ومعروفة. بل الغرض من إيرادها هو أن تكون مادة لبرنامج حملات تقودها حركة الوحدة في المرحلة الأولي، محاولة تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه، ولمثل هذه الحملات مزايا عديدة فهي مجال لاكتساب الخبرة والتعرف على الصعوبات واختبار الوضع العربي الرسمي والجماهيري، كما أنها وسيلة مهمة للتوعية والدعوة إلى مشروع الوحدة وتحريك المشاعر القومية، وجعل قضية الوحدة في صدارة الاهتمام العام. فالمعروف هو أن العمل وليس غيره ما يفتح الآفاق الجديدة ويبعث الحيوية ويفجر الطاقات الكامنة.
محمد صادق إسماعيل
كاتب ومحلل سياسي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.