اتفق ممثلو المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان على رفضهم مشروع قانون الجمعيات الأهلية التي طرحته وزارة التأمينات الاجتماعية مؤخراً، لكون العمل الأهلي بحاجة إلى تحريره وخاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير على غرار الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، جاء ذلك في ختام فعاليات الاجتماع الثالث للجنة الاستشارية المعنية بتحرير العمل الأهلي، والذي عقد في المنظمة المصرية أمس وقد انتقد المشاركون بشدة مشروع القانون الذي اقترحته وزارة التأمينات الاجتماعية لتعديل قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002، نتيجة جملة من الأسباب وذلك على النحو التالي: أولاً: فيما يخص حرية تنظيم الجمعيات، فنجد أن مشروع القانون المقترح يقوم على مبدأ الهيمنة والوصايا على الجمعيات الأهلية بشكل أكثر ضراوة من القانون الحالي 84 لسنة 2002. فلم يتضمن بأي شكل من الأشكال تعريف لماهية الجمعيات، وإنما جاء التعريف عن الجمعيات فقط بصيغة عامة ومختصرة جدا حيث لم يتطرق إلى الصفة العقدية أو الصيغة المكتوبة أم لأنظمة الجمعية، ولا ربط صفتها كجمعية بأهدافها التي تحتفظ أعضائها فقط بحرية تحديدها، واكتفي أيضا القانون محل البحث بتعريف الجمعية بصفة واحدة وهي لتحقيق غرض غير الحصول على ربح. وبالنسبة لماهية الجمعية فقد خلي القانون محل البحث من وجود مواد تعريفية كافية لماهية الجمعيات وأهمية دورها في خدمة وحماية حقوق الإنسان في المجتمع كما جاء في تعداده للحالات غير المبررة الناتجة عن أهداف الجمعيات أو أنظمتها أو شخصية مؤسسيها أو عددهم أيا كانت مجالات عملها أو تصنيفها فلا يجوز مثلا بالنسبة لعدد المؤسسين وضع شرط لحد أدني غير مبرر من عدد المؤسسين فهو يخالف مفهوم الحريات وأيضا فيما يخص الأنشطة أيضا لا يجوز ضع شرط للأنشطة التي تقوم عليها الجمعيات فهو مخالف لتعزيز حقوق الإنسان بمفهومها الواسع الذي من شأنه أن يعزز حقوق الإنسان ويلبي احتياجاته المتغيرة. ثانياً: فيما يخص حرية التأسيس دون الحاجة إلى ترخيص أو حتى إذن مسبق، فقد جاء مشروع القانون محل البحث ليقوم على مبدأ الإقصاء سواء كان بواسطة فرض القيود على إنشاء وإشهار الجمعيات أو تحديد ميادين محددة للعمل الأهلي بهدف تصفية منظومة العمل الأهلي واختزالها في الميادين التنموية والخيرية في تحد صارخ لحرية التنظيم المكفولة بموجب الدساتير والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وجاء النص ملئ بمواد جميعا تخضع تأسيس الجمعيات لتدخلات مسبقة من قبل السلطة الإدارية مما يعد مخالفة صريحة لنص المادة 4 من الإعلان الدستوري وأيضا لما جاء من مواثيق واتفاقيات دولية لحرية تكوين الجمعيات التزمت بها مصر جميعها أكدت مبدأ الحرية في تكوين وتأسيس الجمعيات بالأعلام المسبق فقط دون الإذن المسبق حتى وأن بدا أنها تكون باطلة أو تعمل علي تحقيق أهداف غير مشروعة لا يمكن إخضاعها لتدخل مسبق من السلطة الإدارية أو حتى من السلطة القضائية. وكان لابد أن تتسم إجراءات التأسيس الإدارية بالسرعة والوضوح والبساطة وبدون تكلفة ولا يجوز أن تخضع للسلطة التقديرية للإدارة. أيضا بالإض افة إلى ذلك ومن أمثلة القيود ما فرضه القانون محل البحث من اشتراط وجوب التسجيل كمجال لقيام الجمعيات القانوني. ثالثاً: أن مشروع القانون المقترح يسعى إلى دمج منظمات المجتمع المدني ضمن أجهزة الدولة، وهو أمراً لا تستقيم معه الأمور من الناحية القانونية، فالمجتمع المدني وفقا لتعريفه لا يعد بأي حال من الأحوال جزءاً من كيان ومؤسسات الدولة بل أنها تعد قطاعاً ثالثاً يختلف عن المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، وبهذه الصورة فإن الجمعيات الأهلية ستصبح أحدي مؤسسات الدولة تؤرق لها التحكم في أنشطتها كما تريد، وكأنه أحد مؤسسا ت الدولة. رابعاً: فيما يخص وضع قيود قانونية على ممارسة هذا الحق استخدم مشروع القانون مزيداً من الهيمنة والحصار من جانب الجهات الإدارية متمثلة في الاتحاد الإقليمي للجمعيات ووزارة الشئون على منظومة العمل الأهلي، وبالتالي فمشروع القانون لا يشجع حرية العمل بالمجتمع المدني، وإنما يفرض مزيدا من القيود على أنشطة الجمعيات الأهلية من خلال حظر إجراء البحوث الميدانية، والأنشطة الحقوقية التقليدية، مثل دعم المطالبة بحقوق أصحاب مهنة معينة في مواجهة أصحاب الأعمال، سواء كان العاملون بالقطاع العام أو الخاص. وبالتالي عدم تقديم المساعدة القانونية للعاملين الذين تتعرض حقوقهم للعسف، أو التضامن مع العاملين المنتهكة حقوقهم في العمل. خامساً: فيما يتعلق بعدد أعضاء الجمعية، فنجد تعديل للمادة الأولى من القانون القديم قررت بألا يقل عدد أعضاء الجمعية عن عشرين بدلا من عشرة أعضاء كما كان مقرر في القانون القديم مما يعنى (زيادة أعباء جديدة ) وضرورة اكتمال هذا العدد على الأقل لإنشاء جمعية مما يخلق نوع من الظلم للفئات ذات العدد المحدود التي لن تجد هذا العدد من الأعضاء لإنشاء جمعية ويحرمها من أحد الحقوق التي رعاها الدستور وهو حق تكوين التنظيمات. سادساً:فيما يخص الدور الرقابي لمؤسسات المجتمع المدني فقد خلي النص تماما من أن يتضمن مشروع القانون الجديد التأكيد علي الدور الرقابي لمؤسسات المجتمع المدني علي أداء الدولة في جانب الخدمات التي تقدمها وكذلك الموازنة العامة والإنفاق والقروض والمنح وأن تخضع المؤسسات للجهاز المركزي للمحاسبات شريطة استقلاله عن الدولة. سابعاً: فيما يخص التدابير اللازمة لتعزيز حرية الجمعيات خلي النص من التشجيع على ممارسة حرية الجمعيات وتقوية مجتمع مدني مستقل، ناشط وديمقراطي واتخاذه تدابير من شأنها عدم المساس بحرية الجمعيات ومن أمثلة تلك التدابير والتعزيزات التسهيلات والإعفاءات المالية والضريبية التي جاءت دون أن تخلي من القيود والاشتراطات الإدارية المعقدة والمقيدة لاستخدام الحق وأيضا مرهقة وبشكل جلي للجمعيات. ثامناً: فيما يتعلق بأنشطة ودور الجمعيات كشريك للدولة في العمل التنظيمي فقد اغفل مشروع القانون دور المشاركة الذي تطلع به الجمعيات في وضع الإطار التنظيمي للجمعيات وأيضا إغفال دورها في العمل الرقابي بما فيه المشاركة في وضع مشاريع النصوص التنظيمية والمشاركة الفعلية في كافة الوظائف التنظيمية مختلفة الأنماط. تاسعاً: فيما يخص وضع الأنظمة الأساسية والداخلية وتعديلاتها والأهداف والأنشطة فلا يجوز وضع أي ممارسات إلزامية من قبل السلطة الإدارية لتطبيقها في عملية التأسيس أو أثناء أجراء أية تعديلات بالأنظمة الأساسية لها، ووجوب احترام الأصول التي نصت عليها أنظمة ولوائح الجمعيات ولمؤسسيها حق وضع دساتيرها من خلال أنظمتها وانتخاب مؤسسيها وممثليها في حرية تامة وتنظيم أدارتها ووجوه أنشطتها وصياغة أهدافها وبرامجها لما تشكله جزء من القانون الواجب احترامه ولا يج وز للسلطة الإدارية أن تتدخل أي تدخل من شانه أن يحد من هذه الحقوق أو أن يحول دون ممارستها المشروعة. عاشراً: فيما يخص واجب الدولة في أن توفر للجمعيات تسهيلات وإعفاءات ضريبية فنجد أن النص خلي تماما من أي تشجيع للمانحين والمتبرعين عبر خصم قيمة ما يتبرعون به من وعائهم الضريبي وبنسبة مقبولة، دون أن تتحول هذه المزايا والإعفاءات الضريبية إلي وسائل للتدخل في شئون الجمعيات. احدي عشر: فيما يخص دعم المنظمات غير الحكومية فقد خلي النص تماما من أي إشارة من شانها دعم المنظمات غير الحكومية لتمكينها من القيام بمهامها والتزام الحكومات بمبدأ الشفافية وتمكين منظمات المجتمع المدني من الوصول إلى المعلومات وإيجاد الآليات المحققة لذلك. بما فيها إصدار تشريعات جديدة تستوعب المعايير الدولية بشأن حرية التنظيم وتمكين المنظمات الغير حكومية من الشراكة في تعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان. اثني عشر: فيما يخص العقوبات والجزاءات فنجد أن النص جاء مخالفا لمبدأ تناسب الجزاءات مع المخالفات فلا يجوز كما جاء في نص القانون محل البحث توقيع عقوبات جنائية على العمل الأهلي للجمعيات أو علي أعضائها وفي مطلق الأحوال لا يمكن أن يقرر هذه الجزاءات أو العقوبات إلا من قبل السلطة القضائية وحدها فقط بعد ضمان حق الدفاع وفي محاكمة علنية وعادلة. ثلاثة عشر: فيما يخص الحل فقد جاء مشروع القانون مخالفا المعايير التي وضعتها المواثيق والاتفاقيات الدولية فيما يخص حل الجمعيات والتي أكدت علي أنه لا يحق للإدارة العامة حل الجمعيات وضرورة أن يكون بحكم قضائي نهائي بات وأن يكون في ظل محاكمة عادلة وعلنية توافرت فيها كافة أساليب الحق في الدفاع وأيضا أن يكون الحل مشروط بحدود يقرها القانون صراحة وحصرياً. وبالتالي فلا يجوز أن تخضع الجمعيات لقراØ �ات الحل أو الوقف عن العمل التي تتخذها السلطة الإدارية . وفي نهاية الاجتماع؛ اتفق المشاركون على تمسكهم بمشروع القانون المقدم باسم المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والذي وقعت عليه أكثر من 120 منظمة من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في مصر، والذي تضمن مجموعة من المبادئ التالية هي؛ ضرورة أن يكون التسجيل بمجرد الإخطار وتسهيل الإجراءات في تسجيل المنظمات الأجنبية، وعدم تدخل الجهة الإدارية في الشأن العام للجمعيات، وإلزام السلطات المحلية بإشراك منظمات المجتمع المدني في خطة التنمية المحلية، وإطلاÙ ‚ حرية تأسيس الاتحادات النوعية التي تكون منوطة ببناء الشراكات، وإلغاء كافة العقوبات السالبة للحرية لكون قانون العقوبات به ما يكفيه لتوقيع العقوبات على الجمعيات المخالفة أما أن يكون هناك قانون للجمعيات فينبغي أن يكون للتنظيم فقط، والانضمام إلى التحالفات الدولية، وتعديل التشريعات الوطنية بما يتواءم مع المواثيق والاتفاقيات الدولية.