امتدت أزمة منظمات المجتمع المصرى من التمويل إلى قانون 48 المنظم للجمعيات، ونشبت أزمة عنيفة بين وزارة الشئون الاجتماعية والجمعيات بعد إعلان الوزارة عن نيتها تعديل القانون مما أثار مخاوف الجمعيات من فرض مزيد من القيود على إدارة وتمويل الجمعيات، وطالبت الجمعيات بإلغاء القانون وعدم تعديله وعمل قانون جديد يناسب الظروف الجديدة يحد من هيمنة الشئون الاجتماعية على منظمات المجتمع المدنى والسؤال المطروح: من سينجح.. منظمات المجتمع المدنى سوف تتحرر من قبضة الشئون أم ستزيد الحكومة من قبضتها على المجتمع المدنى؟! 27 ألف جمعية مرخصة فى مصر القليل جدا منها يعمل، وأغلبها حبر على ورق، بدون نشاط أو اجتماعات أو أى شىء، مجرد وسيلة لجمع الأموال والتمويلات الداخلية والخارجية. وحاولت «صباح الخير» معرفة الخطوط العريضة للتعديلات الجديدة لقانون الجمعيات خاصة المواد التى فى موضع صراع واختلاف مع منظمات المجتمع المدنى الخاصة بسطوة الوزارة عليها والتمويل والإنشاء والتراخيص فى ظل رفض المجتمع المدنى كله لقانون 84، ولديهم مشروعات قوانين جديدة كلها تحلم بإنهاء هيمنة الوزارة وبداية مرحلة جديدة للمجتمع المدنى وإعادة صياغة العلاقة بين كل أطراف الموضوع، وذهبنا بأوراق القضية إلى المستشار محمد الدمرداش المستشار القانونى لوزارة التأمينات والشئون الاجتماعية ووكيل مجلس الدولة لنعرف ملامح التعديلات التى أعدتها الوزارة. قال: إن ما قدمته الوزارة ما هو إلا مسودة وليس مشروع قانون بصفة نهائية، لافتا إلى أن الوزارة تتلقى جميع الاقتراحات من الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية على الموقع الإلكترونى للوزارة أو الاتحاد العام للجمعيات الأهلية. وفيما يتعلق بمسألة التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية فى التعديل الجديد، أكد الدمرداش أنه ليست هناك أى علاقة عدائية مع منظمات المجتمع المدنى .. وقال: إن الحكومة ممثلة فى الجهة الإدارية لاتعترض على قبول الجمعيات للمنح الأجنبية، ولكن بشروط وطبقا لما حددتها مواد القانون، فضلا عن استمرار دور الوزارة فى مراقبة الأموال التى تقدم للجمعيات الأهلية، لأن هذا حق أصيل لها. لافتا إلى أن تعديل مواد القانون جاء بهدف تنظيم عمل الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية بما ينعكس على خدمة المجتمع. مشيرا إلى أن الوزارة حريصة على التشاور مع قيادات العمل الأهلى لتبادل وجهات النظر بشأن مشروع القانون الجديد للجمعيات الأهلية وقال: إن الوزارة وافقت على قيد جمعيات أهلية خلال عام 2011 أكثر من 04500 جمعية، مقارنة بالأعوام السابقة وكانت 800 جمعية فى مصر. وأضاف الدمرداش: إن مسودة القانون التى أعدتها الوزارة تنص على أنه لا يجوز لأى جهة ممارسة نشاط الجمعيات الأهلية. وقال: إن المسودة تنص على أنه فى جميع الأحوال لا يجوز لأى جمعية أن تحصل على أموال من الخارج سواء من شخص مصرى أو أجنبى أو من جهة أجنبية أو من يمثلها فى الداخل، ولا أن ترسل أموالاً إلى أشخاص أو منظمات فى الخارج إلا بعد الحصول على إذن بذلك من الوزير المختص أو مرور ثلاثين يوماً دون اعتراض كتابى منه، وذلك فيما عدا الكتب والنشرات والمجلات العلمية والفنية ورسوم الاشتراكات. ∎ المخالفات! وتبين اللائحة التنفيذية إجراءات الحصول على هذا الإذن وما يجب أن يتوافر عند طلبه من بيانات ومعلومات. وفى جميع الأحوال يمتنع على الجمعية الدخول فى مضاربات مالية. ويجوز للجهة الإدارية، إذا استمرت الجمعية فى ارتكاب أى من المخالفات المنصوص عليها فى الفقرة السابقة، أن تصدر بناءً على موافقة الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية قراراً بعزل مجلس إدارة الجمعية وتعيين مجلس مؤقت من أعضائها يباشر أعمال الجمعية لحين دعوة جمعيتها العمومية لانتخاب مجلس إدارة جديد وفقاً لأحكام هذا القانون فى مدة أقصاها تسعون يوماً من تاريخ إصدار قرار العزل. وتؤول الأموال الناتجة عن تصفية المؤسسة إلى صندوق إعانة الجمعيات والمؤسسات الأهلية وفيما يتعلق بالمنظمات الأجنبية تنص المادة 55 على أنه يجوز للوزير المختص التصريح للمنظمات الأجنبية بممارسة نشاط أو أكثر من أنشطة الجمعيات والمؤسسات الأهلية الخاضعة لأحكام هذا القانون وفقاً للقواعد المقررة فيه وبمراعاة الاتفاق المبرم بين المنظمة ووزارة الخارجية. ∎ الأجانب! وتحدد الجهة الإدارية قواعد ممارسة النشاط المصرح للمنظمة الأجنبية بممارسته، ويجب فى جميع الأحوال أن يكون هذا النشاط متفقاً واحتياجات البيئة المصرية ومراعياً النظام العام والآداب. كما نص القانون على خضوع المنظمة الأجنبية المصرح لها بالعمل داخل جمهورية مصر العربية لرقابة الجهة الإدارية المختصة، وعليها أن تقدم لهذه الجهة تقرير إنجاز سنوياً خلال مدة ممارسة النشاط المصرح به. ويؤكد بهى الدين حسن مدير مركز القاهرة أن القانون بمثابة حلقة جديدة فى مسلسل قمع العمل الأهلى وتكميم أفواه المنظمات الحقوقية، معتبرًا أنه يعيد العمل الأهلى نحو خمسين عامًا للخلف، ويتعامل مع الجمعيات والمؤسسات الأهلية بشكل تسلطى فج يجعلها تتلقى الأوامر فقط من الجهة الإدارية والسلطات الأمنية وما عليها سوى التنفيذ. وأضاف أن المركز قدم رؤية تحليلية لجميع البنود الواردة فى مشروع القانون المقترح من قِبل وزارة الشئون الاجتماعية حول تنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والتى تتضمن مداخل جديدة لاغتيال العمل الأهلى ومحاصرة النشطاء وعرقلة قيام المجتمع المدنى بدوره المنوط به فى مراحل التحول الديمقراطى. وأكد أن القانون المقترح يتضمن تعديًا صريحًا على العديد من النصوص القانونية بما فيها الإعلان الدستورى، فقد قصر القانون المقترح عمل الجمعيات الأهلية على «الرعاية الاجتماعية، التنمية وتنوير المجتمع» مستبعدًا مجال العمل الحقوقى من أنشطة الجمعيات، فلا مجال للدفاع عن حقوق الضعفاء والمسجونين وشهداء تعنت السلطة، بما يمثل خرقًا لما نصت عليه المادة 4 من الإعلان الدستورى. ولم يكتف القانون بحصر أنشطة الجمعيات، وإنما ألزمها بعدم الجمع بين أكثر من ميدان عمل إلا بموافقة الجهة الإدارية. وأشار إلى أن القانون أيضًا أعطى لوزير الشئون الاجتماعية سلطة غير مبررة لحل أى كيان أياً كان الإطار القانونى الذى ينظمه، وفرض عقوبة الغرامة على من أنشأه إذا تبين له أنه يقوم بعمل من أعمال الجمعيات الأهلية، وهو ما يُعد تدخلاً سافرًا فى إرادة مؤسسى المنظمة ويمنع الهياكل القانونية الأخرى «مثل الشركات المدنية» من ممارسة نشاط يندرج ضمن أنشطة الجمعيات الأهلية. وأضاف بهى الدين: إن مشروع القانون اشترط أيضًا الموافقة المسبقة لبعض الأنشطة التى تقوم بها الجمعية من أجل تنمية مواردها المالية كجمع تبرعات من الجمهور، أو الحصول على تمويل أجنبى أو التعاون مع إحدى المؤسسات أو الجهات الأجنبية فى نشاط معين من ضمن أغراض الجمعية، كما أنه سمح للجهة الإدارية بالتدخل والاعتراض على بعض الأمور الداخلية للجمعية بما فى ذلك حق الجهة الإدارية فى الاعتراض على قرارات الجمعية، أو أن تقف ضد إرادة أعضاء الجمعية وتعترض على مرشح أو أكثر من مرشحى انتخابات مجلس إدارة الجمعية. وأشار إلى أن 39 منظمة من منظمات حقوق الإنسان المستقلة كانت قد بادرت فى عام 2009 بطرح مشروع قانون لتحرير العمل الأهلى كبديل للقانون 48 لسنة 2002 يلتزم بالمعايير الدولية لحرية التنظيم، وقد أعادت طرح ذلك المشروع على حكومة عصام شرف بتاريخ 16 نوفمبر 2011، ثم تقدمت بالمشروع نفسه لكمال الجنزورى رئيس مجلس الوزراء الحالى ونجوى خليل وزيرة الشئون الاجتماعية بتاريخ 71 ديسمبر 2011، وكذا لرئيس المجلس الاستشارى ، فما كان من الجهات المعنية إلا أن ردت على ذلك المقترح بطرح مشروع قانون عبد العزيز حجازى لتنظيم العمل الأهلى والذى سبق وتم طرحه فى عهد مبارك مارس 2011، واعتبرته المنظمات الحقوقية وقتها قانونا فاشيا للقضاء على العمل الأهلى. وأضاف أن القانون المقترح من وزارة الشئون الاجتماعية سمح للجهات الإدارية بمنح الترخيص المسبق للجمعية أو المؤسسة قبل مزاولة نشاطها، كما أضاف -القانون- عائقا آخر لم يكن موجودًا فى القانون الحالى وهو أن تقدم الجمعية طلب التأسيس للاتحاد الإقليمى ليقوم بدوره بمراجعته ويقرر ما إذا كان الطلب مستوفيا أم لا، كما ضاعف من الحد الأدنى لعدد الأشخاص المؤسسين للجمعية، وزاد من الأعباء المالية على المؤسسات الأهلية بأن ضاعف رأس المال اللازم لتأسيس المؤسسة الأهلية إلى عشرة أضعاف ما كانت عليه فى القانون الحالى. وأضاف أنه استكمالاً لوضع العراقيل أمام المنظمات أقر المشروع العضوية الجبرية فى الاتحاد العام والاتحادات الإقليمية، إذ يُلزم القانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالانضمام إلى الاتحادات الواردة بالباب الخامس منه مثل الاتحاد الإقليمى، الاتحاد النوعى والاتحاد العام، كما حرص المشروع المقدم من الوزارة على احتفاظ الجهة الإدارية بحق وقف أنشطة الجمعية أو المؤسسة الأهلية بقرار إدارى ذ بعد موافقة الاتحاد العام - وليس بحكم قضائى. إن المشروع المقترح من وزارة الشئون الاجتماعية يبتعد كل البعد عن أبسط مفاهيم وقواعد عمل المجتمع المدنى، ويبذل جهدًا ملحوظًا لضمان السيطرة الكاملة لوزارة الشئون الاجتماعية والجهات الأمنية على عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية على اعتبارها مجرد وحدات إدارية تتبع الجهاز البيروقراطى للدولة. ∎ ارتداد وقالت د. إيمان بيبرس رئيس جمعية تنمية ونهوض المرأة: إن مواد هذا القانون تعتبر ارتداداً سيئاً لعصور مظلمة قديمة يسود فيها التحكم والديكتاتورية وتدخل السلطة التنفيذية فى العمل الأهلى وتعيين أعضاء مجالس إدارات اتحاداته. لافتة إلى أن مشروع هذا القانون يلقى بظلال الشك على من أصدره، فهو من الواضح انه امتداد لعصور حسنى مبارك وعلى مصيلحى، وهو نفس المشروع الذى كان مقدماً من وزارة التضامن الاجتماعى فى النظام السابق وقوبل برفض شديد من الجمعيات الأهلية، وكان يهدف إلى قتل الجمعيات الأهلية، والدليل على ذلك تأكيد هذا المشروع على تعيين ثلث أعضاء مجالس الاتحادات الإقليمية والنوعية وحتى الاتحاد العام من جانب السلطة التنفيذية. وأشارت إلى أن الهدف الأساسى من مشروع هذا القانون - منذ أيام عصر مبارك - هو هيمنة الاتحادات الإقليمية على الجمعيات التابعة للجماعات الإسلامية لتكون فى يد السلطة التنفيذية ومتحكمة فيها من خلال أذرعها المنتشرة فى الاتحادات الإقليمية، فضلا عن المحاباة الواضحة للاتحادات الإقليمية التى سلمها القانون رقاب الجمعيات الأهلية وجعلها بصورة ملتوية الرقيب والمشرف والمهيمن على الجمعيات الأهلية، فتكون الجمعية الأكثر احتراماً هى الأكثر طاعة للاتحاد الإقليمى وليس أكثرها خدمة للمجتمع. وأكدت د. إيمان: إننا نتحفظ على مشروع قانون الجمعيات الأهلية الأخير حول تنظيم عمل منظمات المجتمع المدنى؛ حيث نرى أن نصوص المشروع المقترح هى ذاتها نصوص مشروع قديم تمت صياغته قبل الثورة على يد النظام السابق برعاية الدكتور على مصيلحى -وزير التضامن الاجتماعى الأسبق- والذى تم الدفع به فى وقت سابق لتقييد عمل منظمات المجتمع المدنى وفرض رقابة السلطة التنفيذية والأمنية للدولة عليها، كما أن صياغة القانون بهذا الشكل لا يحقق المتطلبات الأساسية لتحرير العمل الأهلى فى مصر. كما نطالب البرلمان الحالى وأعضاءه بدعم مشروع تحرير العمل الأهلى، خاصةً أننا قد عانينا من قانون المؤسسات لعام 4691 منذ ستينيات القرن الماضى وحتى الآن. فنتمنى وجود تعاون مثمر فيما بين منظمات المجتمع المدنى ومجلس الشعب والأطراف المعنية لإقرار قانون جديد يحقق الصالح العام. وشددت د. إيمان على ضرورة استمرار التواصل فيما بين الجمعيات الأهلية وبعضها البعض من ناحية، وما بينها وبين الجهة الإدارية (ممثلة فى وزارة التضامن والعدالة الاجتماعية وكذلك جميع مكونات المجتمع كالنقابات والأحزاب والاتحادات) من ناحية أخرى. ∎ فزاعة! وأضافت الناشطة الحقوقية منى ذو الفقار رئيس جمعية تحسين الصحة أنه لأول مرة يحدث إفراج عن مسودة مشروع القانون، مشيرة إلى أن القانون السابق لم يعد مقبولا. وطالبت ذو الفقار أن يجب تحرير العمل الأهلى من قيود السلطة الإدارية من خلال الاكتفاء بالإخطار، لاسيما أن الدستور ينص على حرية التنظيم أسوة بالأحزاب السياسية التى يكتفى إنشاؤها بالإخطار. وأضافت أنه لابد من رفع القيود عن العمل الأهلى من خلال تعزيز قواعد المحاسبة ورفع أى وصاية على الجمعيات الأهلية، واعترضت على كون القانون ينص على الجمعيات الأهلية تكتفى بالعمل فى مجال واحد أو مجالين فقط فهذا يتعارض مع العمل الأهلى. وأشارت ذو الفقار إلى أن الموافقة الأمنية هى «الفزاعة» التى كانت تستخدم ضد عمل أى جمعية حقوقية، مشيرة إلى أنه لا يجوز أن نتكلم بحساسية مفرطة عن الجمعيات الحقوقية.