تبدأ المحكمة المصرية غدا الأحد محاكمة المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى التى يوجد بها أمريكيون والتى جعلت علاقة مصر متوترة مع واشنطن. وأعلنت القاهرة الأسبوع الماضي بدء محاكمة 43 ناشطا متهمين في قضية التمويل غير المشروع للجمعيات الأهلية ومن بينهم 19 أمريكيا. ومنذ إثارة هذه القضية توترت العلاقة بين مصر والولاياتالمتحدة التي طالما اعتبرت مصر حليفا استراتيجيا لها، والتي تقدم مساعدة عسكرية إلى الجيش المصري تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا. وفي ضوء هذا التوتر لمحت واشنطن إلى قطع هذه المساعدات، بينما حذر ثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي مصر من أن خطر حصول قطيعة حادة بين البلدين نادرا ما كان بهذا الحجم. وقد شوهد عدد من المتهمين الأمريكيين يلجئون إلى سفارتهم في القاهرة بينهم سام لحود، نجل وزير النقل الأمريكي راي لحود، وهو المشتبه به الرئيسي في القضية والذي يرأس المعهد الدولي الجمهوري في مصر. وتدور الاتهامات في هذه القضية حول خمس منظمات، أربع منها أمريكية؛ وهي المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديموقراطي، ومنظمة فريدم هاوس والمركز الدولي الأمريكي للصحفيين، أما الخامسة فهي مؤسسة كونراد اديناور الالمانية للتنمية، بحسب ذات المصدر. وقال المحامي نجاد البرعي، الذي يمثل بعض المتهمين الأمريكيين في القضية إنه لا يتوقع حضورهم جلسة الاستماع الأحد، مضيفا: "لا أتوقع حضورهم، وفقا للطريقة التي تسير بها الأمور". وبالرغم من أن السلطات المصرية لم تعتقل أيا من هؤلاء المتهمين وبنيهم جنسيات اخرى غير أمريكية، حيث يوجد بينهم صرب ونرويجيون وألمان وفلسطينيون وأردنيون، إلا أنها أصدرت قرارا بمنعهم جميعا من مغادرة البلاد لحين انتهاء المحاكمة. وساعدت بعض هذه الجمعيات في تدريب النشطاء والمرشحين السياسيين لإدارة حملات الانتخابات التشريعية التي بدأت في نوفمبر الماضي، وهي الانتخابات الحقيقية الأولى التي شهدتها مصر منذ عقود. وتأتي هذه القضية التي اعتبرها عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي "ذات دوافع سياسية"، بينما يواجه المجلس العسكري الذي يتولى زمام الحكم في مصر منذ الإطاحة بمبارك احتجاجات واسعة تطالبه بتسليم الحكم إلى سلطة مدنية. وغالبا ما تنسب السلطات ووسائل الاعلام الرسمية المصرية حركة الاحتجاجات والتظاهرات ضد الجيش في البلاد إلى "مؤامرات" حيكت خارج البلاد وإلى "أياد أجنبية". وفي أكتوبر اتهمت وزيرة التعاون الدولي المصرية فايزة أبو النجا في إفادة خلال التحقيق في تمويل الجمعيات الأهلية، الولاياتالمتحدة بأنها عملت على "احتواء" الثورة المصرية و"توجيهها" لخدمة مصالحها ومصالح إسرائيل من خلال تلك الجمعيات. ويعتبر البرعي أن هذه المحاكمة تاتي كنتيجة لتوتر العلاقة بين مصر والقاهرة ويقول: "هناك أزمة في العلاقة بين الولاياتالمتحدة ومصر، بينا علق باقي المتهمين الآخرين في الوسط". وأعربت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي عن أملها في حل الخلاف بين البلدين. وجاءت تصريحات كلينتون بعد زيارة لوفد من خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى القاهرة برئاسة السيناتور الأمريكي جون ماكين لإجراء مباحثات مع المسئولين المصريين لاحتواء الازمة. وصرح ماكين آنذاك أن المشير حسين طنطاوي القائد الاعلى للقوات المسلحة المصرية أكد له أن السلطات المصرية تعمل "بشكل فاعل" على حل القضية. لكن التدخل السياسي في هذه القضية التي باتت بين يدي المحكمة الآن قد يدحض ادعاء السلطات بأنها لا تتدخل في استقلال السلطات القضائية والتي تواجه أكبر اختبار لها في قضية تهم القتل والفساد في محاكمة مبارك المثيرة للجدل. من جانبها أكدت الصحف الأمريكية اليوم فشل ضغوط واشنطن على القاهرة فى قضية التمويل الأجنبى. وقالت الصحف: إن بدء محاكمة 43 موظفا فى مؤسسات المجتمع المدنى، بينهم أمريكيون، غداً أمام محكمة استئناف القاهرة يعنى فشل الضغوط بقطع المعونة الأمريكية عن مصر فى حال الاستمرار فى اجراءات المحاكمة . وقالت الصحف: إن المشير طنطاوى يواجه صعوبات فى الوفاء بوعوده لأوباما ، ووزير دفاعه، ومكين بإنهاء القضية. وحذرت الصحف الأمريكية من أن تضع المحاكمات نهاية لشهر العسل بين القاهرةوواشنطن بعد 33 عاما من العلاقات الجيدة. قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية اليوم إن ضغوط واشنطن على مصر في القضية لم تؤت ثمارها حتى الان ، وهذا يعني أن المحاكمة ربما تكون النهاية ل33 عاما من العلاقات الجيدة بين القاهرةوواشنطن، فربما يواجه المتهمون عقوبة السجن لمدة 5 سنوات بجانب عقوبات مالية في حال الإدانة. وقالت الصحيفة: انه ما لا يقل عن 16 من بين 43 من موظفي المنظمات الأجنبية يواجهون المحاكمة اليوم في قضية يمكن أن تؤثر على مستقبل علاقة الولاياتالمتحدة مع واحدة من أقوى شركائها في الشرق الأوسط، خاصة أن ضمن المتهمين نجل وزير النقل الأمريكي سام لحود. واشارت الى أن السلطات المصرية تحيط الاتهامات بهالة من الغموض الأمر الذي يجعلهم يقولون إنها ملفقة وتهدف للانتقاص من الناشطين المؤيدين للديمقراطية. وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في افتتاحيتها إن التحالف المصري الأمريكي بات على المحك بسبب المضي في المحاكمة. واضافت أن المشير حسين طنطاوي ربما يجد نفسه غير قادر على الوفاء بتعهداته للرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير دفاعه ليون بانيتا والسيناتور جون ماكين وربما تقوم الحكومة بعمل محاكمة لحفظ ماء الوجه. وتابعت الصحيفة إن الجيش ربما يستغل هذه القضية للاحتفاظ بالسلطة فوق حكومة ديمقراطية. ونوهت إلى أن العسكر في مصر يبدو أنهم يقبلون بتعليق المساعدات كثمن للعبة السلطة القبيحة، أو أنهم يعتقدون أن أوباما والكونجرس سيتراجعان لمنع التمزق في العلاقات بين البلدين. وقالت شبكة بلومبيرج الأمريكية: على رغم من أن بعض النواب الأمريكيين يطالبون بوقف المساعدات إلى مصر إذا لم يتم حل قضية منظمات المجتمع بشكل مرضٍ، فإن بعض المسئولين والمعلقين في مصر يتوقعون ان الولاياتالمتحدة ستتراجع في النهاية، لأن قطع المساعدات يمكن أن يهدد البنية الكاملة لاتفاق كامب ديفيد الذي يربط قبول مصر للسلام مع إسرائيل بتلقي تمويل اقتصادي وعسكري هائل. وقال معهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط (ميمري) إن الأزمة بين مصر وأمريكا حول تمويل منظمات المجتمع المدني تتفاقم. وأضافت أن الحكومة المصرية لا زالت تستغل القضية لكسب التأييد الداخلي، مع تأكيداتها المتتالية بأن مصر لم تكن في حاجة إليها أصلا. كانت النيابة قد وجهت للمتهمين فى القضية اتهامات تلقى أموال بصورة غير شرعية ، وممارسة عمل بدون ترخيص بشكل يهدد سيادة الدولة. يذكر أن المتهمين الأمريكيين فى القضية قد لجأوا الى مبنى السفارة الأمريكية