تواجه المجتمع الإسرائيلي ظاهرة جديدة مثيرة للقلق: اعتداءات همجية يقوم بها بعض المستوطنين ومن يساندهم ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وضد المواطنين العرب في إسرائيل، فضلا عن الهجمات المتزايدة على مجاميع السلام الإسرائيلية. وشكلت هذه الهجمات في البداية فعلا انتقاميا للمستوطنين وكانت بمثابة الثمن المترتب على العنف الفلسطيني، الا إنها تحولت إلى حملة إرهاب منظم. ويشكل مستوطنون فرقا مسلحة تشن غارات استهدفت فيها قلع أشجار الزيتون وحرق المساجد والمدارس، فضلا عن إطلاق النار على السيارات ودهس الأطفال. ومن السخرية أن يقوم يهود بهذه الأفعال المشينة، وهم أناس ينتمون إلى طائفة تحمل إرثا ثقيلا ومؤلما كونها تعرضت للإضطهاد المتمثل بالمذابح والعزل في الغيتو وجرائم الإبادة الجماعية، خصوصا أن اليهود كانوا في الصفوف الأمامية التي حاربت من أجل تحقيق المساواة والعدالية للمحرومين. فلا يستقيم ذلك كله مع الحملة المتصاعدة من الهجمات الدموية التي تشنها عصابات المستوطنين وحلفائهم ضد الفلسطينيين. أوليس ضحية هذه المأساة فلسطينيون قرويون عُزّل يتصدون بصدورهم العارية لعصابات تقلع أشجار الزيتون وتحرق الحقول؟إن شجاعة الشباب اليهود من الأمريكيين الذين ذهبوا إلى ابعد نقطة في جنوبالولاياتالمتحدةالأمريكية للقتال في نهاية القرن الماضي، وفي بعض الأحيان لقوا حتفهم في النضال من أجل نشر الحقوق المدنية للجميع قد ضربوا مثالا حاضرا في كل الأوقات. شجاعة هؤلاء بتصديهم لوحشية قوات الشرطة والعصابات العنصرية تقف في تناقض صارخ مع العنجهية والدموية التي يتسم بهما بعض يهود إسرائيل.وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة والتيار الوسطي في المجتمع الإسرائيلي عن مواقف شجب وإدانة إلا أن هذه الأفعال البغيضة لم تتوقف فضلا عن أن فاعليها لم يواجهوا العقاب الذي يفرضه القانون حتى الأن.ويضيف النظام السياسي المعقد والمنقسم في إسرائيل صعوبات أمام أية جهود تهدف لوضع حد لهذه المأساة. ويعتمد هؤلاء المستوطنون ومن يساندهم من داخل المؤسستين البيروقراطية والسياسية وبنجاح على حالة اللافعل وحتى اللامبالاة التي تتسم بها مواقف الأجهزة الحكومية. وأنتقد رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض في مهرجان منظمة فريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين في 19 اكتوبر/تشرين الأول عدم إكتراث الحكومة الإسرائيلية بالقول "إن هناك حاجة إلى أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بلعب دور أفضل لمحاسبة المتورطين في هذه الأفعال الشنيعة...إننا نرى قليلا جدا من هذا الدور". وبحكم القانون الدولي والمعايير الأخلاقية المتعارف عليها فإنه يتحتم على إسرائيل ضبط مواطنيها ومنعهم من إلحاق الأذى بالمدنيين الذين يقطنون المناطق التي تحتلها. إلا أنه من النادر أن يلتفت الجهاز القضائي الإسرائيلي لهذه الجرائم الفضيعة، موفرا مناخا عاما للافلات من العقاب. ولكن يجب أن يعلم الجميع أن محاولة إخافة الفلسطينيين بهدف دفعهم للهرب من أراضيهم لن تنجح. كما إن إسرائيل ومن يدعهما لن تستطيع أن تعلن معارضتها لثقافة الكراهية في نفس الوقت الذي يقوم مواطنوها الخارجون عن القانون بإشعال لهيب الكراهية باستمرار. يجب أن تتوقف كل أشكال التحريض والعنف، فهما ألد أعداء السلام.إن الوازع الأخلاقي يحتم علينا نحن في المجتمع الفلسطيني في أمريكا والذين أعلنا وبوضوح استنكارنا للإرهاب الموجه ضد المدنيين الإسرائيليين، ومنهم المستوطنون، أن نستنكر هجمات المستوطنين الإرهابية وأعمالهم التخريبية ضد المدنيين الفلسطينيين.وتقود هجمات المستوطنين الإرهابية هذه إلى تقوية القوى المتشددة في فلسطين فضلا عن العالمين العربي والإسلامي. يجب أن يقف الإسرائيليون الذين يرفضون أعمال التخريب هذه في صف واحد مع من يتصدى لهؤلاء المشاغبين للدفاع ليس فقط عن القيم الأخلاقية اليهودية بل والمصالح الإستراتيجية لدولتهم أيضا. وأخيرا تنبّه بعض القادة الإسرائيليين لخطورة هذه التهديد. وقال رئيس الكنيست الإسرائيلي رؤفان ريبلين مؤخرا في سياق إحياء ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين على يد متطرف إسرائيلي، قال إن "أولئك المجرمين الخسيسين الذين الحقوا الخراب بأماكن عبادة وحقول وبيوت وممتلكات الفلسطينيين هم من اليهود، وهذا إرهاب يهودي، ويجب علينا أن لا نطلق أية تسمية أخرى عليه".أما وزير التربية والتعليم غدعون ساعر فوصف هذه الأعمال ب "السرطان الخبيث" التي تنخر في المجتمع الإسرائيلي. من جهته استنكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بيامين نتانياهو بقوة الهجوم على مسجد في شمال إسرائيل معلنا "إستياءه وغضبه" من أعمال الحرق والتخريب هذه. إذا أرادت إسرائيل أن تتجنب الإنتقاد العالمي وتحافظ على الإستقرار النسبي على الأرض عليها اتخاذ إجراءات سريعة ومحسوبة ضد هذا السلوك الإجرامي. ويجب عليها أن تستجيب لتحذيرات إثنين من كبار قادتها العسكريين الذين لهما خبرة في التعامل مع هذا النوع من الإجرام: رئيس القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي الجنرال آفي ميزراحي والقائد السابق لفرقة في الضفة الغربية الجنرال نيتزان آلون، كلاهما وصف هجمات "دفع الثمن" هذه كونها أعمال عنف إرهابية، وحذرا من أنها ستعود على إسرائيل بعاصفة من نار تسوقها الهجمات الإنتقامية الفلسطينية. وفي ظل التوترات الحادة بين جميع اطراف النزاع، فإن آخر ما يحتاجه الجميع هو إندلاع أعمال عنف واسعة النطاق في الأراضي المحتلة. لذا فإن وضع حد لهجمات "دفع الثمن" وبصورة عاجلة مهم ليس فقط للإسرائيليين والفلسطينيين فحسب، بل وللولايات المتحدةالأمريكية أيضا. وفي هذه القضية تلقتي مصالحنا جميعا مع قيمنا الأخلاقية. • رئيس منظمة فريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين، ومقرها في واشنطن.