اليوم| الأهلي يتسلم درع الدوري عقب مواجهة جورماهيا    ألافيس يحسن مركزه في الليجا على حساب إشبيلية    حبس متهم مفصول من الطريقة التيجانية بعد اتهامه بالتحرش بسيدة    رسميا.. رابط الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل الصف الثاني الابتدائي    فيلم «السرب» يتصدر الأعلى مشاهدة في مصر بعد طرحه بساعات على «watch it»    مقتل 3 وإصابة العشرات بقصف أوكراني على دونيتسك    فلسطين.. شهيد وعدة إصابات جراء قصف الاحتلال لمنزل في خان يونس    ضبط 12شخصا من بينهم 3 مصابين في مشاجرتين بالبلينا وجهينة بسوهاج    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    هل يؤثر خفض الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب في مصر؟    فصل التيار الكهرباء عن ديرب نجم بالشرقية لأعمال الصيانة    رياضة ½ الليل| مواعيد الإنتركونتينتال.. فوز الزمالك.. تصنيف القطبين.. وإيهاب جلال الغائب الحاضر    النيابة تأمر بإخلاء سبيل خديجة خالد ووالدتها بعد حبس صلاح التيجاني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    مندوب سوريا يطالب مجلس الأمن بإدانة الهجمات الإسرائيلية على لبنان    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 34    أرباح أكثر.. أدوات جديدة من يوتيوب لصناع المحتوى    عمرو أديب: بعض مشايخ الصوفية غير أسوياء و ليس لهم علاقة بالدين    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    هاني فرحات: جمهور البحرين ذواق للطرب الأصيل.. وأنغام في قمة العطاء الفني    وفاة والدة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية    عاجل - رياح وسحب كثيفة تضرب عدة محافظات في العراق وسط تساؤلات حول تأجيل الدراسة    موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    "حزب الله" يستهدف مرتفع أبو دجاج الإسرائيلي بقذائف المدفعية ويدمر دبابة ميركافا    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    صرف فروقات الرواتب للعسكريين 2024 بأمر ملكي احتفاءً باليوم الوطني السعودي 94    مواصفات فورد برونكو سبورت 2025    في احتفالية كبرى.. نادي الفيوم يكرم 150 من المتفوقين الأوائل| صور    عبد المنعم على دكة البدلاء| نيس يحقق فوزا كاسحًا على سانت إيتيان ب8 أهداف نظيفة    مواصفات هاتف Realme P2 Pro الجديد ببطارية كبيرة 5200 مللي أمبير وسعر مميز    ملف يلا كورة.. تأهل الزمالك.. رمز فرعوني بدرع الدوري.. وإنتركونتيننتال في قطر    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لخوض كأس الأمم الإفريقية    الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تعزى وزير الداخلية فى وفاة والدته    نائب محافظ المركزي المصري يعقد لقاءات مع أكثر من 35 مؤسسة مالية عالمية لاستعراض نجاحات السياسة النقدية.. فيديو وصور    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    مستشفى قنا العام تسجل "صفر" فى قوائم انتظار القسطرة القلبية لأول مرة    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    أوقاف الفيوم تفتتح أربعة مساجد اليوم الجمعة بعد الإحلال والتجديد    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الإفتاء: مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم مصحوبة بالموسيقى أو الترويج لها محرم شرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى الوالى .. طنطاوى
نشر في مصر الجديدة يوم 07 - 11 - 2011

بعضُ الفُرَص ِتأتي كأنها دعوةٌ إلىَ التَوّبة، فإذا تمَّ الإعراضُ عنها أسرعتْ إلىَ من يُقَدّرها حقّ قَدْرِها!
عندما يتوب الطاغيةُ، ويعتذر، ويبكي بحُرْقةٍ علىَ ما فرَّط في حقوقِ أبناءِ وطنِه، فإنَّ فرصةَ الصَفْحِ عنه تَكْبُر
إذا كانت جرائمُه تملأ راحة اليد، وتصغر إذا زاد عددُ كِلابِ قَصْرِه عن أيام حُكْمِه.
لكن دموعَ الطُغاة عصيّةٌ علىَ العَيّن رغم تمساحيتِها، وتنهمر إذا تمكنتْ منه جماهيرُ شعبِه، فقد يستجديه
المعذَّبون في الأرض أربعين عاماً فلا يكترث، وإذا وقع بين أيديهم، وتوسل إليهم أربعين دقيقة، فعذابات العقودِ
الأربعة يختصرها الغاضبون في تلك الدقائق.
صمتَ السادات في حضور عبد الناصر فأضحى بعد رحيل الزعيم سيّدَ القصر. وسكت مبارك .. نائبُ الرئيس
فرفعته نيران خالد الاسلامبولي إلى قصر العروبة بعدما اختبأ تحت المقاعد بجوار زعيمه القتيل.
وتركتَ أنت الثكنة العسكرية لتصطحب مبارك في جولاته، وصولاته، وحفلاته، فلما أسقط ميدانُ التحرير طاغيتَنا
الثمانيني، أصبحتَ، سيدي المشير، الرئيسَ، والزعيمَ، والقائدَ العسكريَّ، والشاهدَ الأهمَ في المحكمةِ، وحاملَ أسرار
وأختامِ الدولة.
رأى الساداتُ شعبيةَ عبد الناصر رغم المرارةِ والهزيمةِ ويوميات حربِ الاستنزاف فلمْ يتعلمْ أنَّ الشعبَ يأخذ بيد
زعيمِه ليرفعه حتّى لو سقطا معاً!
وأحصىَ مبارك الذين خرجوا في جنازةِ السادات فوجدهم أسهلَ من جدول الجَمْعِ لتلاميذ المرحلةِ الابتدائية، ولم
يتعلم!
وجاء دورُ طاغيةِ الطُغاة لأكبر بلدٍ عربي فحركتْ الملايين قبضاتِها في الهواءِ، ثم رفعتْ الأحذيةَ فتنَّحىَ الرئيسُ
مخلوعاً، وخُلع نائبُه مُتنحيّاً، وأهداك المصريون أمانةَ الأمةِ الغاضبة. وكانت النيةُ مُنعَقِدةً علىَ عمل
فورماتيرنج لصُحْبِتِكَ معه، كما يُلغي برنامجٌ جيّد كُلّ الآثار من الهارديسك.
وقف أمامك ثمانون مليونًاً علىَ استعدادٍ للدفاع عنك، وحمايتِك شريطةَ أنْ تكتمل ثورةُ يناير بكل مَطَالبِها، لا
تنقص واحدة، وهي فرصة لا تأتي إلا لجنرال واحد بين كل مئة جيش، ولا تعود مرة أخرى!
سيدي المشير، كان خيارُك لا يحتاج لأكثر من دقيقتين لتتخذ قرارَك النهائي فتنحاز إلى الخالع أو المخلوع، إلى
المظلوم أو الظالم، إلى التعجيل أو التسويف، إلى الملائكة أو الشياطين، إلى الشعب أو .. الديكتاتور.
الدقيقة الأولى تستدعي خلالها نهايات كل الطُغاة لتنفخ فيك روحَ الحقِّ والحقيقة، والدقيقة الثانية لتمسح تاريخَك
كلَّه معه، وتتبرأ من جرائمِه، وتساعد الشعبَ على الإمساك بهم، ومحاكمتهم محاكمة عادلة، وإعادة أموال
المصريين التي نهبها مبارك ورجالُه!
وأنت تعرفهم كما تعرف أهلَ النوبةِ الطيبين، فعشرون عاماً مع الرجل الذي لم يكره المصريون مثلَه أحداً، ولم
يبغض المصريين مستبدٌ كما فعل المخلوعُ، هي فترةٌ كافيةٌ ليلتف حبلُ المشنقة حول مَنْ أذاقوا شعبَنا الويلات،
ونهبوا خيراتِِه، وأفسدوا الحياةَ اليومية، وصنعوا التزويرَ والتزييفَ، وكانوا حُرّاساً مخلصين لكل اللصوص، وهم
قَتَلة، ومجرمون، وقُساة، وكاذبون حتى النخاع.
لكنك، سيدي المشير، نقلته إلى منتجع شرم الشيخ، وتركت زكريا عزمي لعدة أشهر حتى يقوم بترتيب عملية نقل
السلطة فيصبح الطاغية ورجاله أشباحاً تحكُم من وراء ستار أو من خلف القضبان، وأغمضتَ العينَ علىَ أم
الجرائم وهي أموال شعبنا في الخارج وكان من المفتَرض أنْ لا يعود أيُّ شخص في المجلس العسكري والحكومة
إلى بيته وأولاده وزوجته قبل استرداد الأموال المنهوبة حتى لو اضطررتم لعمل محاكمة ثورية عاجلة تُختَم في
أيام معدودات، فلا ينتهي شهر فبراير إلا وتكون مصر قد تخلصت نهائيا من مبارك وولديه وزوجته والعصابة
برمتها.
رهانُ السلطة لا يحتمل الخيارَ الثالثَ، فموسوليني وقف فوق دبابةٍ وسأل عن القوة العسكرية للبابا، فأعدمه الشعبُ
الإيطالي في نهاية الحرب العالمية الثانية. ومنجستو هيلامريم ظن أنَّ الجيشَ يحميه من الشعب، فقتلَ من أبناء
أثيوبيا ربع مليون في عشر سنوات، وانتهى به الأمر لاجئا لدى صديقه موجابي في هراري.
لا أدري شيئاً عن كنه رهانك، سيدي المشير، فهو ضد طبائع الأشياء، وعكس مسيرة الثورة، وإخفاء لمعالم جريمة
لو استوقفت طفلا من أطفال الشوارع في القاهرة فسيسردها على مسامعك كأنه مؤرخ صغير، ومع ذلك فنحن
نقترب من الاحتفال بالعيد الأول لثورة 25 يناير، ولا يزال صندوق الأسرار في جعبتك.
نحن لا نعرف، وليس من حق الشعب أن يعرف، يوما واحدا من يوميات هؤلاء الأوغاد الذين دمروا، وخرّبوا،
وسمَّموا، وسرّطَنوا، وسرقوا، وقتلوا، وزيَّفوا، وخدعوا، وكادت مصرُ تُفْلِس من نهم الجشع الذي جعلهم
يُقَسِّمون الوطنَ فيما بينهم، من أراض زراعية، وعقارات، ومصارف، وشواطيء، واحتكار للمواد الغذائية، فكان
أثرياء أوروبا والخليج يخجلون من فقرهم مقارنة بحيتان مصر في عهد مبارك.
هل هم حقا في السجون والمعتقلات يأكلون مثلما يأكل السجناء الآخرون، وينامون على (البُرش)، ويتبوّلون في
جردل قذر بجوار باب الزنزانة، ويتغوّطون في مرحاضٍ مفتوح بابه، يتلصص عليه شاويش جِلْف، خشن
الصوت، يتعجلهم كل دقيقة، ويستحمون مرة واحدة في الأسبوع ولمدة سبع دقائق لا تزيد ولكن ،، تنقص؟
سيدي المشير،ومر عيد ميلادِك الذي لو انتهجت نهج مانديلا ومهاتير محمد وسوار الذهب وحتى رجب طيب
أردوغان لكانت بطاقات التهنئة متراصة تُوصِل قصرَ العروبة بشواطيء الثغر، لكن التهنئة من السفاح الطاغية
آذتك، ولو كنتَ فرحاً بها، ومع ذلك فحيرتي ليست في التهنئة فقط، إنما في الحوار بينك وبينه!
لا أتخيله، ولا أريد أن يتعرف علي تفاصيله جهازي العصبي الذي لن يتحمل الصدمة!
هل خاطبته بالسيد الرئيس ورد عليك ب ( يا طنطاوي)، أم خاطبك بالسيد المشير ورددت عليه ب (أبو علاء)؟
هل تمنيت له طول العمر، وأياما سعيدة، وعرضت عليه المساعدة، ودعوت له بالصحة والعافية، وطمأنته بالبراءة؟
هل كان في جناحه بالمستشفى، أم تساوىَ مع الآخرين، واشترى كارت شحن للموبايل بعشرة جنيهات من فودافون
أو الاتصالات؟ وقام صاحب العظمة(!) ملك البحرين بزيارته ليشدّ من أزره، ويؤكد له أن مملكته تفتح ذراعيها
للصديق العزيز وأنه سيسعى إلى وقف تلك المحاكمة، فالشعوب لا تحاكِم أولي الأمر، والظَهْرُ لا يعاتب الكرباج،
والعبيد إذا ثاروا نلتفّ عليهم بالذكاء والحيلة والدهاء والحنكة وخبرة الأسياد.
سيدي المشير، لا أدري بماذا يهمس في أذنك المحيطون بك؟
أغلب الظن أن الاسطوانة المشروخة تتكرر، فيؤكدون لك أن شعبيتك في أعلى مستوياتها، وأن الجنين في بطن أمه
ينطق اسمك، وأن الجيش كله رهن إشارتك، وأن الأحزاب الكرتونية والورقية وأحزاب الوجبات السريعة فضلا عن
القوى الدينية المسيطرة على الشارع والعقول تبايعك أميراً للمؤمنين والعلمانيين، وهؤلاء من يتزوج من أم أحدهم
الأرمل، يعتبرونه الأب الحقيقي، ومن يجلس في قصر عابدين حتى لو كان طباخ الريّس يخضعون له قبل أن يقطع
رقبة أي منهم.
لو أتيت لي بالشمس والقمر شاهديّن على أنك لا تستطيع أن تُعَلِّم البلطجية والمجرمين والقبضايات وأباطرة
الإجرام أن يسيروا بجانب الحائط خافضي رؤوسهم فلن أصدق، فالمجلس العسكري والجيش والأمن القومي
وأجهزة المخابرات ووزارة الداخلية يعرفون عدد أسنان أي مجرم ومسجَّل خطِر هارب ومطلوب للعدالة،
ويعرفون أين ينام، ولو أخفت ديدان الأرض لديها بعضهم لبعض الوقت، وبإمكانك، سيدي المشير، أن تجعل مصر
كلها آمنة مطمئنة، وأن لا يُطِلّ مجرم أو بلطجي من نافذة أو كُوّة أو حتى ماسورة مجاري.
فكيف لي أن اصدق عملية استيلاء كتيبة من البلطجية على 2000 وحدة سكنية في مدينة 6 أكتوبر، وهذا لم
يحدث في تاريخ عتاة الإجرام من كاراكاس إلى سان خوزيه، ومن جوهانسبرج إلى بوجوتا، ومن ريو دي جانيرو
إلى مكسيكو سيتي؟
هل المطلوب مِنّا حُسْن النيّة حتى لو انتقل ختم ضربنا على أقفيتنا من مخلوع إلى موضوع، ومن مستبد إلى
منتدب، ومن ناكث بالعهد إلى مؤجل للوعد.
لو جلستَ، سيدي المشير، مع أحد أحفادك وطلبت منه البحث عن اسمك في المواقع والمنتديات والفيسبوك
والتويتر، أي بين عشرة ملايين شاب وفتاة من أم الدنيا، فسيقرأ لك حفيدك ما يجعل كل الأوسمة والنياشين التي
تزين كتفيك وصدرك تقفز من موضعها، فشعبيتك تغوص في الصفر بعدما كان بإمكانك أن تجعل كل الأدعية تبتهل
إلى العلي القدير، ليلا ونهاراً، أن يحفظك لمصر، وتمسح ذاكرةُ المصريين من أرشيفها أكثر من عشرين عاماً
قضيتها أنت ملامساً كتف الطاغية، وصامتاً على دراكيولا المصريين عندما كان وأولاده يَمُصّون دماءنا، ويقتطع
أطباؤهم من أجسام المصريين في المستشفيات ما تحتاجه الأجسادُ المعتلة لحيتان العصر الأسود.
لا أدري كيف يعمل ميزان العدل لديك؟
باقي من الزمن أربع سنوات ليبقى على بلوغك المائة عام عشرون أخرى، فكيف قمت بالعملية الحسابية لتنتهي
إلى التصويت لحساب فلول النظام، من فوضى وبلطجة واستمرار السرقة والنهب واستدعاء المتخلفين لتولي
مناصب القرار السياسي والاجتماعي والتعليمي والإعلامي والسياحي والديني والفني؟
النوبيون يختارون دائما مجرى النيل فهو متجدد وأكثر نظافة ويسير في الاتجاه الطبيعي، وأنت نوبي أصيل، وفي
لحظة من لحظات انكشاف السماء على الأرض التي تشبه ليلة القدر، والشياطين مصفدة في معتقل طرة، يسألك
التواب الرحيم إن كان قد جاء موعد التوبة، والانحياز إلى الشعب العظيم، والقضاء على شياطين الإنس من رجال
وأسرة وعائلة وأقارب مبارك، فتأتي إجابتك بالنفي أو التأجيل أو التسويف أو الصمت على من ستقرأ أمامه يوم
القيامة كتاباً منشورا!
الفقرة ( ج) من المادة 14 للشرعة العالمية لحقوق الإنسان تقول عن المتهم:
أن تجرى محاكمته دون تأخير زائد عن المعقول!
لكنك تركته ينتجع في شرم الشيخ كأنه لم يغادر قصر العروبة بعدما نطقت أحذية الملايين بلعنات عليه وعلى
عهده، ثم تحت ضغوطات ميدان التحرير والاعتصام تم عرضه على محكمة لو وقف أمامها متهم بسرقة ملابس
قديمة من حبل غسيل لاعتبرها إهانة، ومع ذلك فقد تحولت إلى جلسات سرية، ثم تم تأجيلها فالجلاد في القفص
يريد أن يستريح، ويستدعي الشهود قبل حُكم البراءة.
سيدي المشير،لم يتعرض شعبنا الرائع والثوري والكريم لمهانة أكثر من مشهد محاكمة جزّارعلى ضحايا سقطوا
غدراً في ثلاثة أسابيع شريطة أن نهيل التراب على آلاف من ضحاياه في ثلاثة عقود!
هذا الازدراء للمصريين هو دعوة صريحة لعودة الثوار وأهلهم وأبنائهم وكل من كان في صدره ذرة حب لمصر
لاعتصام ملاييني لا ينفضّ حتى يلتف حبلُ المشنقة حول أعناقهم جميعاً، فالمسرحية أسخف من كل ما عرضه
مخرجون معاقون ذهنيا، والمحكمة بهذه الصورة التي تبصق خلالها على الثورة وشبابها، وعلى غضب المصريين
زاعمة أنها تحاسب الزعيم على عدة أيام وتغفر له ثلاثين عاماً لا تستحق أن تُمَثِّل القضاء وميزان العدالة.
هل أحدثك بما لم يتجرأ الأقربون منك على الهمس به؟
إنها غضبة جديدة لن تبقي ولن تذر، ولو أصدرتْ كل القوى الدينية بيانات ترفض الخروج على الحاكم أو أمير
المؤمنين، وترى معصية الناس لمشيرهم كالكفر بالله أو أشد، فإن المصريين قد عرفوا كلمة السر للثورة دونما
حاجة لهاكرز أو لص خزائن أو .. متسلق على المواسير.
المصريون الآن قادرون على الدعوة لانتفاضة واعتصام وتكملة الثورة في أقل من يوم، وحينئذ ستطول قائمة
المطلوبين، بل ربما تتوجه الملايين لمعتقل ومستشفى (طره) لتأخذ بثأر شهدائها قبل أن يُصْدِر المستشار حُكْماً
بالبراءة، أو يقوم مَلَكُ الموت بزيارة الطاغية ريثما تُحْضِر له ممرضة حسناء طعام الإفطار.
سيدي المشير، لو أتيت لي بالمشتري والمريخ شاهديّن على أنك لا تستطيع معرفة قاتلي الشباب الشهداء، وأن
أدلة إثبات مجزرة (الجمل) اختفت تسجيلاتها من كل أجهزة التصوير الأمنية والمخابراتية والعسكرية والموبايلية
لآلاف الشباب فلن أصدق حرفاً واحداً منها، فالمجرمون القَتَلةُ موجودون بيننا، وتستطيعون قبل انبلاج فجر اليوم
التالي أن تأتوا بهم جميعا، ولو أردتم تجميع كل أباطرة الإجرام والبلطجة والاغتصاب والاعتداء على الناس
وممتلكاتهم، فمعسكر وحيد في منطقة صحراوية معزولة يمكن أن يستوعبهم قبل أن تستيقظ صباحاً وترتدي بدلة
المشير .. القائد الأعلى للقوات المسلحة!
إعادة أموال المصريين وهي بعشرات المليارات مرهونة بشرطين: أن يصدر حُكم ضد هؤلاء الأوغاد اللصوص،
وأن تكون السلطة الحالية في مصر مهتمة باسترداد أموال الشعب المنهوبة، وتقترب الثورة من عيدها الأول، ولم
يتحقق وعدٌ واحد، بل انشقت الأرض وخرج منها شياطين في صورة مصريين متطرفين، وطائفيين، وكارهين
لبعضهم، وأصحاب سوابق إجرامية.
الوعد الوحيد الذي أوفىَ به طاغيتنا المخلوع هو: إما أنا أو .. الفوضى!
وبمليارات يلعبون بها على الساحة المصرية رغم إغلاق أبواب الزنزانات عليهم، يمكنهم أن يحوّلوا مصر إلى
سلخانة، ومذبحة، ومجزرة تصغر بجانبها رواندا، فقد تلقوا تربية من مبارك، وتعلموا القسوة، وظهرت أنيابهم في
الاعتداءات المتكررة على شباب آمن وعاشق لمصر.
خليط من اللعبة الطائفية، والتطرف الديني، والاستعانة بقوى خارجية، والتمهيد بفلول النظام، والدعم السخي من
أنظمة شقيقة تريد أن تجعل الدستور مكتوباً بشعيرات اللحية، ومَحْميّاً بجلباب من ألفوا عليه آباءهم، فصادَروا
العقل لحساب النقل، وقرؤوا التاريخ من مؤخرته، ولمَّعوا سيوفَهم لقطع رقاب مُخالفيهم.
سيدي المشير،حُكم مصر ليس نزهة في القناطر الخيرية، وليس اجتماعا للمجلس العسكري لاتخاذ قرار بشأن
تعيينات ومناصب والرد على تهنئة من زعيم دولة، لكنها مهمة شاقة حتى على الأنبياء إن لم تدعمهم السماء
برسالة، فكيف هي بين يديك؟
حُكْمُ مصر، يا سيدي، يحتاج إلى كاريزما، وعبقرية، وثقافة رفيعة، وإلمام غير عادي بقضايا وهموم المجتمع،
وإخلاص لا حدَّ له، وتاريخ طويل من المعارضة ومناهضة الطغيان، ومنافحة الاستبداد، وجهاز عصبي يصل
بسهولة إلى مرحلة الغليان مع أول مشهد للظلم تقع عليه عينا الحاكم.
الحاكم العبقري يهتم بما لا يعرضه عليه مستشاروه، وما يخفيه عنه مساعدوه، ويبحث عن النقد ليتعرف على
ملامح الوطن بين يديه، ويعطي أذنيه لمناهضيه لعلهم يشيرون إلى أخطائه، وعيوبه، وضعفه.
أما صناعة الخوف فهي الأسهل، لأنها تُعَبِّد الطريق للعبودية والكراهية، لكن هل هناك حاكم يضمن رأسَه فوق
عُنقِه إذا زرع الخوفَ في نفوس شعبه؟
سيدي المشير،الشعب عرف طريقه إلى الغضبِ، والغضبُ يحمل في أحشائه براكين، وزلازل، وأعاصير معجونة
بحب الوطن، ومصر قبلت المهانة قبل 25 يناير، وهي ليست مصرَ التي أعيدت إليها الروح بفضل شباب الثورة.
إنَّ الانحرافات التي أفرزها مبارك لا تزال كما هي، ودولة بدون أمن كوطن يجبر أبناءَه علىَ الرحيل عنه، أو البقاء
فيه للدفاع فقط عن الأهل والأحباب.
من العبث أن أحََدثَك عن جرائم الطاغية المخلوع، وأنا علىَ يقين من أنَّ لديك تفاصيلَ مُفْزعة، ومُروّعة،
وكارثية عن فواجع الوطن خلال الفترة التي قضيتها بجانب المستبد اللص، فهل ستحتفظ بها إلىَ يوم القيامة، أم
سيستيقظ ضميرُك من هول ثِقَلها عليه، وتعيد للثورة مصرَنا الحبيبة؟
أنت أمام اختبار العمر كله قبل أن تحتفل الثورة بعيدها الأول، فسُحُب الغضب التي تتجمع كلها تنذر بما أخفاه عنك
كل الذين يرجون رضاك.
سيدي المشير،
قارئة الفنجان تقول لك بأن طريقك مسدودٌ .. مسدود، وعليك أن تختار للمرة الأخيرة قبل هبوب أم العواصف بين
اثنين: الشعب أو مبارك!
من الذي يُعطي الأوامرَ لضباط الأمن بترك الفتوات والبلطجية يفتكون بالناس، ثم تأتي قوةٌ متواضعة على استحياءِ
لتُحصي الضحايا؟
الجريمةُ مُقَيّدة ضد مجهول كما هي جريمة قتل مئات الشباب، وأيضا جريمة انتهاك عِِرض أمة لثلاثين عاماً
تحت سمع وبصر الدنيا ومن فيها، ولا تزال مقيدة ضد مجهول، والسيد المستشار يراها مشكلة صغيرة يمكن
تأجيلها مرات و .. مرات!
سيدي المشير،هموم الأقباط ساذجة، وطيبة، ومتواضعة رغم أنهم شركاء لنا، نحن المسلمين، فهم لا يريدون أكثر
من مواطَنة كاملة، ومساواة عادلة حتى لو كانت في الظلم، ودور العِبادة لن ينقص بها عددُ المسلمين، بل
ستحتضن المسيحيين بعيداً عن أجواء مشبوهة في الشارع والمقهى والفراغ.
يريدون مناصبَ في كل وظائف الدولة، وهو حقٌّ لهم، حتى لو أراد القبطي أن يصبح طالباً في الأزهر، ويتعلم دين
إخوانه المسلمين، ويُبدع في أيّ تخصص، فله ما لنا، وعليه ما علينا.
يريدون انتزاعَ مشاعر الفوقية التي صبغت عقولَ المتدينين الجُدد، فالقبطي ليس الآخر، وليس من أهل الذمة فكلنا
نملك نفس الحق في الوطن، وليس في حماية المُسلمين، فنحن نجد صعوبة جمَّة لحماية أنفسنا، فكيف نحمي
شركاء الوطن.
يريدون وقفَ الفتاوىَ الغثة، والنتنة، والمتخلفة التي نستوردها لتضرب الوطن في مقتل، وتغتال مبدأ المواطنة.
مطالبُ الأقباط، سيدي المشير، يمكن حلُّ أكثرها بين عشية وضحاها، لتبقى الكلمة الأخيرة للتربية والتعليم والبيت
والأحزاب والإعلام،وهذا لا يعني تبرئة جماعات من أقباط الولايات المتحدة، وأخرى من مهووسي الفضائيات
يضربون في معاركهم تحت الحزام، وتوجيه الإهانات للإسلام وقرآنه المجيد، ونبيه الكريم، لكن الطالبانيين الجُدُد
يريدون سرقة الحق الإلهي في أبواب الجنة.
سيدي المشير،
هل تستمتع بأعلى منصب في الدولة كما كان يبتهج به من سبقوك؟
إنه منصب أوهن من بيت العنكبوت إذا كان ضد إرادة الشعب، وهو منصب أبدي خالد لو كان ممهوراً بتوقيع أفراد
شعبِك، حتى لو جاء أجَلُك، وغاب جسدُك، فستظل روحُك مُحَلقة لأجيالٍ قادمة، فماذا ستختار؟
لغةُ السُلطة خادعة، وكُرسي العرش ساحر، قد يتبادر إلى ذهنك أنه لا يهتز، وأمامه يأتيك الناسُ من كل فجٍّ عميق
فتظن أنهم يُثنون عليك، لكن الصوتَ الذي لا يتناهى إلىَ سمعِك يُزلزل في المستقبل أكثر العروش ثباتاً، كعرش
الطاووس البهلوي، وعرش الإمبراطور هيلاسلاسي الذي كان يجلس وعن يمينه ويساره أسَدان!
دعني أجمل لكَ بعض النصائح رغم معرفتي اليقينية بأن العسكر لا ينصتون إلا لقعقعة السلاح،فأحذية أصحاب
اليونيفورم إذا انغرست في البساط الأحمر لقصر الرئاسة تلتصق به حتى يأتي جنرالات آخرون أو يسبقهم .. ملك
الموت.
1 قدم اعتذارا علنيا وصريحا ومؤثرا لشعبنا المصري على سنوات صمتك على جرائم مبارك، وعلى الشهور
التسعة الماضية التي لم تنصف خلالها الثورة.
2 نظف مصر من كل البلطجية وأصحاب السوابق والإجرام، وأشدد عليهم، واعزلهم في معسكرات تعليمية وتثقيفية
لثلاث سنوات.
3 صارح شعبك بأن محاكمة مبارك شكلية، وأن القاضي لا يملك من أمر حكمه إلا المطرقة ورفع الجلسات أو
الانسحاب، أما الجلاد الراقد أمامه فنجاتُه من حبل المشنقة فيه احتقار شديد للثورة ولشبابها ولشعبنا المصري.
4 خذ على عاتقك مهمة استرداد كل قرش قام الأوغاد .. أولاد الكلب بتهريبه خارج مصر، فأن تتم سرقة عشرات
المليارات من بلد فقير فإن الإعدام سبعين مرة فقط لمبارك ورجاله يبدو كأنه حُكم البراءة لتاجر مخدرات.
5 انتخابات مجلس الشعب بنظام الدوائر جريمة بكل المقاييس، وثورة مضادة، وحجز الحصانة البرلمانية لقوى
الغباء والتخلف والأمية والوصولية والتزلف والنفاق والكيف والقروض .
في جعبتي، سيدي المشير، آلاف الأفكار التي لا تترك صغيرة أو كبيرة في إصلاح مصرنا إلا وبسطتها أمام العقل،
ولا أريد أن تطول رسالتي فتصبح مجلدات، ولا أريد اختصارها في عدة فقرات فما يجيش به فؤادي لا تحتمله قلوب
مصنوعة من حديد.
سيدي المشير،
الرئاسة التي أنت فرح بها قد تكون مصيدة من القدر، فاهرب من القصر إلى أحضان شعبك، وهو سيعيدك، ربما،
لو حققت مطالب ثورته.
أشفق عليك من جبال من الكراهية والبغضاء والرفض والتهكم تطارد اسمك، وإذا لم تفك قيود نظام الطاغية اللعين
عن معصميك فإنني أخشى أن يضم الثوار ملفات مبارك إلى أكثر من عقدين كنت أنت ثالث أو رابع رجاله، وحينئذ
لن يكون لك مخرج من الاثنين معاً: حساب الدنيا .. وكتاب الآخرة.
لا تصدق شياطين يهمسون في أذنك، ويوحون إليك بأن كرسي العرش يستجديك أن تجلس عليه، ففيه شوك
وعذاب ووخز ضمير قبل حساب عسير من الشعب.
سيدي المشير،
العسكر لا يقرؤون، فالتاريخ المزيف يضعه أمامهم مساعدون ومستشارون من نسل الشياطين، فلا تصدقهم، فقد
قالوا من قبل للعقيد بأنه رسول الصحراء وإمام المسلمين.
أكتفي بهذا القدر رغم أن في داخلي ما تعجز عن حمله كل جبال الأرض هَمّاً، وحزنا، وأسفا، وغضباً، وأترك لك
الكلمة الفصل، فالعرش كحلاوة الشهد لمن يُعطي أذنيه لوسوسة المستشارين والمنافقين والإعلاميين والوصوليين
وجبناء كل عهد، لكنه قد يحرق من يجلس عليه، فيظن أولا أنَّ دفء الحُكم يسري في جسده، قبل أن يكتشف أنها
شواظ من نار.
سيدي المشير،
من قال لك بأنك ستحكم مصر رغم أنف أهلها، فابصق في وجهه فهو لا يعرف كيفية استخدام مقياس الغضب لدى
الشعب.
تلك رسالة حب إلى مصر، فهل تعنيك في شيء؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.