باحث فى الشئون السياسية استقطبت بلدة "جسر الشغور" الاهتمام الدولي في الفترة الأخيرة ، حيث كانت أول بلدة تخرج عن سيطرة الحكومة السورية منذ الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام والتي انطلقت في الخامس عشر من شهر مارس الماضي وأخذت تتسع شيئا فشيئا لتشمل قطاعات شعبية جديدة ولتنضم إليها أيضا مدن كانت توصف بأنها هادئة كمدينة حماة بشمال البلاد. فقد أعلنت دمشق رسميا في السابع من يونيو 2011 م أن 120 من قواتها الأمنية والمدنيين قتلوا في بلدة " جسر الشغور" التي تقع شمالي غربي سوريا ويقدر عدد سكانها بنحو 45 ألف نسمة من عرب وتركمان وكرد وشركس ، مما أدى إلى قيام الجيش السوري في اليوم التالي مباشرة بشن حملة عسكرية واسعة في وسط البلدة بالمروحيات والدبابات ضد من أسمتهم السلطات بالعصابات المسلحة الأمر الذي أدى نزوح الآلاف من السكان إلى تركيا إلى أن أحكمت السلطات قبضتها على البلدة مرة أخرى. تباينت الرؤى والتفسيرات تجاه هذا الحدث الذي يشكل نقطة مفصلية في مسار الاحتجاجات التي تشهدها البلاد وأعاد للأذهان مشهدا دمويا مشابها بنفس المدينة في مارس 1980 م عند اندلاع الانتفاضة على يد "إسلاميين" ضد نظام الرئيس السابق حافظ الأسد، إلا أن عناصر من القوات الخاصة وقوى الأمن سرعان ما سيطرت على البلدة حينها بعد مقتل العشرات. فما بين رواية رسمية تقول بأن العصابات المسلحة هي التي تقف وراء مقتل ال 120 شخصًا إلى تفسيرات ترى فيما حدث نتيجة انشقاق بين صفوف الجيش بسبب رفض بعض عناصره إطلاق النار على المتظاهرين المدنيين، وثالثة تذهب إلى القول باتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية وتزايد الإحباط بين المتظاهرين الى الدرجة التي جعلتهم يتخلون عن سلمية احتجاجهم ويحملون السلاح للدفاع عن أنفسهم في وجه القمع والبطش الذي يتعرضون له على أيدي قوات الجيش. إلا أن الراجح فيما يبدو أن ما حدث في جسر الشغور يشير إلى حدوث انشقاق بين صفوف الجيش السوري بالنظر إلى عدد من الاعتبارات والشواهد من أهمها أن هذا الانقسام في صفوف الجيش قد حصل في مدينتي درعا والرستن، إضافة إلى ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف أجهزة الأمن وهو ما لم يحدث من قبل ، فضلاً عن إعلان ضابط برتبة ملازم أول في الجيش السوري انشقاقه عن الجيش ودعوته لزملائه للانضمام إلى "ثورة الشعب السوري". وبالنظر إلى دخول الصراع في سوريا إلى مرحلة لا يمكن التراجع عنها أو التوصل معها إلى مصالحة أو حلول وسط في ظل الرفض الشعبي لما تقدم عليه السلطات من إجراءات من قبيل العفو عن السجناء أو تشكيل لجنة للحوار الوطني ، وفي ظل صعوبة أن يقوم الجيش السوري بذات الدور الذي لعبه الجيش المصري والجيش التونسي لوجود عدد كبير من الضباط العلويين والذي يشغلون مواقع قيادية في الجيش السوري، فقد تشهد سوريا حربًا أهلية في ظل انقسام الجيش السوري وتحول بعض عناصره إلى دعم الحركة الاحتجاجية في مواجهة النظام السوري، أو ربما تقرر قيادات الجيش"العلوية" التضحية بالرئيس بشار الاسد مقابل استمرارية النظام "البعثي" عبر الانقلاب العسكري. وهناك احتمال ثالث لمستقبل الاوضاع في سوريا يتمثل في تحرك دولي على غرار ما حدث في ليبيا وإن كان ذلك مستبعدًا حتى الآن في ظل الموقفين الروسي والصيني المعارضين لمثل هذا القرار ، إلا أن إطالة أمد الصراع وسقوط المزيد من القتلى واتساع وتيرة الاحتجاجات وتصاعد نوعيتها وزيادة حجم القمع الرسمي ربما تدفع المجتمع الدولي إلى التحرك والتدخل عسكريًا في سوريا كما حدث في ليبيا عسكريا من أجل حماية المدنيين. ويبقى هذا الاحتمال الأخير مرهونًا بعدد من الاعتبارات أهمها بديل النظام السوري القائم حاليًا ومدى القبول الذي يلقاه هذا البديل من دول أهمها إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية .