مصر وإيران دولتان ذات تأثير إقيلمي، لكل منهما أهدافها ورؤيتها الخاصة لتحقيق مصالحها، وقد تتفق هذه الرؤى في بعض زواياها وقد تختلف، وعلى هذا الأساس تتشكل طبيعة العلاقات الثنائية بين الدولتين. تطور العلاقات المصرية الايرانية رحب شاه إيران محمد رضا بهلوي -الذي كان يوصف بأنه رجل أميركا في المنطقة كما أن إيران كانت تعترف بإسرائيل- بتصريح الرئيس المصري أنور السادات بأن حل قضية الشرق الأوسط بيد الولاياتالمتحدة الأميركية بنسبة 99% وأن الوقت قد حان لإقامة تحالف إستراتيجي معها، وأن الحروب ضد إسرائيل قد ولت. وتبادل الزعيمان السادات وبهلوي الزيارات وأقامت الدولتان علاقات دبلوماسية كاملة، واستمر هذا الحال إلى عام 1979 وهو العام الذي شهد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة آية الله الخميني وهروب الشاه الذي استضافته مصر في نهاية المطاف وتوفي ودفن فيها. توجست مصر خيفة من شعارات الثورة الإسلامية الوليدة، وراحت ترقب بقلق نذر تصعيد الخلافات الإيرانية الأميركية. وأغضب إيران قرار مصر استضافة شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي بعد أن رفضت الولاياتالمتحدة استضافته. وما إن أقدمت مصر على توقيع معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل في مارس 1979 حتى بادرت طهران بقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة. وبعد اغتيال السادات في أكتوبر 1981 أطلقت إيران اسم قاتله خالد الإسلامبولي على أحد شوارع طهران الرئيسية. وهو ما بات عامل توتر إضافيا في العلاقات ولم تفتأ مصر من مطالبة إيران بإزالة ذلك الاسم. فترة حكم مبارك شكل تأييد مصر العراق في حربها مع إيران والتي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988- العامل الأقوى في التأثير على العلاقاتبين البلدين إلا أنه وبرغم تأييد مصر للعراق فإن الحملات الإعلامية بين البلدين انتهت مع بداية تولي حسني مبارك رئاسة مصر. وفور انتهاء الحرب نشطت الوفود المتبادلة بين الدولتين على مستوى الفرق الرياضية والفنية والفلكورية ثم على مستوى الوزراء في مناسبات دولية وإقليمية مختلفة، واستمر الخط البياني للعلاقة في تصاعد إلى عام 1990 وهو العام الذي غزا فيه العراق الكويت، فبدأت العلاقات المصرية الإيرانية تأخذ منحى آخر. فقد رحبت مصر بالقوات الدولية التي حشدتها الولاياتالمتحدة لإخراج العراق من الكويت، بل واشتركت بنفسها في تلك القوات بفرقة عسكرية كاملة، وبعد هزيمة الجيش العراقي عام 1991 وتحرير الكويت بقيت القوات الأميركية في منطقة الخليج. وقد اعتبرت إيران بقاء هذه القوات والاتفاقات الأمنية التي وقعتها مع دول الخليج لحمايتها وإقامة قواعد عسكرية في تلك الدول تهديدا لأمنها القومي. في المقابل اعتبرت مصر أن من حق دول الخليج أن تستعين بمن تشاء لحمايتها لا سيما وأن أمن الخليج كما رأت مصر لا يخص الخليجيين وحدهم وإنما هو قضية عالمية تبررها حاجة القوى الكبرى في العالم إلى الطاقة. وبالرغم من أن قضية أمن الخليج مثلت إحدى معوقات تطوير العلاقات المصرية الإيرانية فإن الملاحظ أن البلدين راحا يعملان على تحسين العلاقات فيما بينهما، فاستمرت زيارات الوفود، وعادت العلاقات الدبلوماسية على مستوى مكاتب رعاية المصالح عام 1991، وأيدت مصر عام 1999 انضمام إيران إلى عضوية مجموعة ال15 وسعت لإقناع بعض دول أميركا اللاتينية التي كانت رافضة لهذا الانضمام، وتبادل الرئيسان حسني مبارك ومحمد خاتمي التهنئة تلفونيا بعد انضمام إيران عام 2000 في المؤتمر الذي استضافته القاهرة آنذاك. ولم يؤثر تباين وجهات نظر الدولتين بشأن القضية الفلسطينية وسبل حلها على مستوى العلاقات السياسية آنذاك، فعلى الرغم من أن إيران تدعم المقاومة الفلسطينية، ومصر تدعو إلى السلام كوسيلة للوصول إلى اتفاقات تؤسس لدولتين فلسطينية وإسرائيلية فإن هذا التباين لم يكن عائقا كبيرا أمام تطوير العلاقات المصرية الإيرانية. وقد وصلت العلاقة بين البلدين عام 2003 إلى مرحلة متقدمة عبر عنها اللقاء الذي جمع الرئيسين محمد خاتمي وحسني مبارك في سويسرا.. وفي عام 2004 عادت أجواء التوتر تخيم من جديد على علاقة البلدين ولم يغير فيها قرار إيران برفع اسم خالد الإسلامبولي عن أحد شوارع طهران وإعادة تسميته بشارع الانتفاضة، إذ أعلن النائب العام المصري في السابع من ديسمبر عن إحباط أجهزة الأمن المصرية محاولة إيرانية لزرع جاسوس مصري يدعى محمد عيد استطاع دبلوماسي إيراني يعمل في القاهرة تجنيده، وقال بيان النائب العام إن هذا الجاسوس كان يخطط للقيام بعمليات تفجير في مصر والمملكة العربية السعودية وهو ما نفته إيران. ثم تدهورت العلاقة بين البلدين نحو الأسوأ على خلفية النفوذ الإيراني المتزايد في العراق، واشترطت مصر قبل التفكير في تطبيع العلاقة بينها وبين إيران أن تثبت الأخيرة حسن نواياها وجديتها بالعمل لإعادة الأمن والاستقرار إلى العراق، واعتبرت ذلك شرطا لابد من تحقيقه قبل التفكير في إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين وفي اعقاب ثورة 25 يناير بدات مصر محاولة انتهاج سياسة صفر مشكلات ، وتفكر في اعادة تطبيع العلاقات مع الجانب الايراني ، ولكن الراي العام وخاصة ذوي الرؤى في مصر انقسموا على انفسهم بين مؤيد ومعارض لاعادة تطبيع العلاقات مع الجانب الايراني . الفريق الاول وهو الفريق المؤيد لاعادة تطبيع العلاقات مع ايران ، يؤكد انه من مصلحة مصر اعادة العلاقات مع طهران ، ولا يجوز ان يكون هناك قوتان اقليميتان مثل مصر وايران وتكون بينهما هذه القطيعة الطويلة ، هذا بالاضافة الى امكانية استفادة مصر من التقدم العلمي في ايران خاصة في مجال الطاقة النووية ، والصناعات العسكرية ، بالاضافة الى امكانية تنشيط السياحة الدينية في مصر عن طريق فتح الطريق امام الايرانيين لزيارة الاماكن المقدسة في مصر . اما الجانب المعارض لتطبيع العلاقات مع ايران فيبرر معارضته بان ايران لديها مشروع توسعي في المنطقة العربية ، عن طريق نشر التشيع في العالم السني ، هذا بالاضافة الى تحرش ايران المستمر بالامن القومي المصري والعربي ، ويدللون على ذلك بالوجود الايراني في السودان وافريقيا ، ودعمها المستمر لحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والشيعة في البحرين ، وهو ما يعتبرونه تاكيدا على وجهة نظرهم القائلة بان ايران لديها طموحات توسعية في المنطقة العربية . بالاضافة الى ما سبق فان المعارضين يؤكدون على ان تطبيع العلاقات مع ايران من شانه الاضرار بالعلاقات المصرية مع دول مجلس التعاون الخليجي التي ترفض رفضا قاطعا اي تقارب مصري ايراني ، ويحذرون من اقدام هذه الدول على سحب استثماراتها من مصر ، وهو ما سيؤثر سلبا على الاقتصاد المصري . ولكن كيف تقبل دول الخليج اقامة علاقات كاملة ودافئة مع ايران في حين انها تنكر ذلك على مصر فعلى صعيد العلاقات الايرانيةالاماراتية نجد ان الامارات تقلع يوميا 36 رحلة جوية بين طهرانوالامارات ، بالاضافة الى ان حجم الاستثمارات الاماراتية في ايران يبلغ اكثر من 12 مليار دولار ، على الرغم من ان ايران تحتل ثلاث جزر امارتية بالقوة فيما يعرف " بقضية الجزر الاماراتية " وترفض التخلي عنها حتى اليوم ، ورغم ذلك يوجد تعاون تجاري واقتصادي قوي بين الدولة الخليجية وبين ايران .