ثورة 25 يناير انتشر في الماضي دجالون و مشعوذون يدعون التنبؤ بالمستقبل و استمروا حتى عصرنا هذا و كان المثقفون و الناس يطلقون على هذا مصطلح " الخزعبلات " , و لكن في عصرنا قد تنبأ كثير من المثقفين بثورة مصر وسجلوا هذه التوقعات في مؤلفاتهم . " نظر الرئيس من شرفة بيته فرأى دخانا يتصاعد بقوة من ميدان عبد المنعم رياض , ظن أن مصر تشتعل بثورة شعبية فأوصد باب غرفته عليه وصمت " بهذه الجملة أنهى الكاتب سامي كمال الدين روايته "هيلتون" التي نشرت طبعتها الأولى عام 2010 عن دار عين شمس . و كانت شخصيات الرواية جميعها تتشابه إلى حد كبير مع الشخصيات الفاسدة التي جاءت في عصر مبارك , زكى عبد الوهاب بطل الرواية و إمبراطور الحديد ما هو إلا نسخة من مسيرة أحمد عز حيث بدأ زكى عبد الوهاب عازفاً للدرامز ثم تدرج من السبتية حيث يعمل والده في تجارة الخردة حتى أصبح إمبراطور الحديد في مصر و يحلم بالوصول إلى كرسي الرئيس . عبد اللطيف ناصيف الذي أغرق أكثر من ألف مصري في عبارة الموت نكتشف تشابه حياته مع حياة ممدوح إسماعيل , أما بطلة الرواية التي يقيم معها زكى عبد الوهاب علاقة هي نفس مسيرة حياة أميرة عربية معروفة كانت تقيم بشكل دائم في فندق هيلتون رمسيس و يكتشف سير الأحداث كيف وفرت هذه الأميرة الحماية له من خلال علاقات بالولايات المتحدةالأمريكية . أما هجوم الشعب على الحزب الوطني و الفيلات و القصور الخاصة بمسئولي الحزب فقد جاءت في الفصل 28 من الرواية حيث قال المؤلف في روايته " بينما كان هشام يلقى خطبته العصماء و كلماته التي تخرج من بين آلامه كانت تتعالى أصوات أمام هيلتون رمسيس تسد الشارع و هاجم أهالي ضحايا العبارة شركة عبد الكريم ناصيف الخاصة بالملاحة البحرية و دمروا كل ما فيها ثم هاجموا فيلته و أشعلوا فيها النيران و كذلك الشركات الأخرى الخاصة به و لم يستطع أحد اعتراضهم , لم يصل خبر مانشر في " الحياة الجديدة " إلى الرئيس فقد كان رجاله يحملون ترددهم كالعادة في حجب ما ينشر عنه حتى لا يعكر مزاجه لكن صهر الرئيس جاء دون موعد إلى قصر الرئاسة سأل عن الرئيس ثم صعد إليه و فى يده صحيفة " الحياة الجديدة " قرأ الرئيس ما كتب فأصدر أوامره بإخراج الملفات الخاصة بالأميرة هناء و زكى عبد الوهاب . أما في وصفه لبداية الثورة و خروج الناس فقد كتب المؤلف أيضا " وكأن القاهرة كانت على استعداد لمن يناديها اخرجي يا مصر آن الآوان كل شيء كان متحفزا في انتظار من يدفع الباب لتلف الساقية و تروى الأراضي العطشى و تمحو " شيئا من الخوف " داخل نفوس المصريين و ترد لهم ما سرق من أعمارهم و أعمار ستأتي من بعدهم . و ذكر الكتاب أيضا انتقال الثورة عبر الانترنت و اليوتيوب و نقل الفضائيات لها و ذكر بالإسم قناة الجزيرة و ال BBC . أما عن كتاب " مصر على حافة ثورة " الممنوع من النشر في مصر للكاتب البريطاني و المحلل السياسي "جون برادلى" حيث يرسم فيه السيناريو المتوقع حدوثه في الدول العربية التي تشهد موجة عارمة من المظاهرات المطالبة بإسقاط الأنظمة الحاكمة محللا موقف أمريكا و إسرائيل تجاه ما يحدث . حيث قال في حوار له أن نظام الرئيس السابق حسنى مبارك كان يغذى الفتنة بين المسلمين و الأقباط مشيراً إلى أن الطرفين كانا يعيشان في سلام لولا سماح النظام بنشر الفكر الوهابي المتطرف القادم من المملكة العربية السعودية . و أضاف أن جمال مبارك كان السبب الرئيسي وراء تفجير ثورة 25 يناير نتيجة شعور الشعب المصري بإمكانية انتقال السلطة إليه يوما , و أكد أنه لولا تدخل المنظمات الدولية و وسائل الإعلام الغربية للضغط على الرئيس السابق حسنى مبارك للتنحي لأباد شعبه بالكامل من أجل البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة . و أجاب على سؤال كيف تنبأ بالثورة بأنه قضى فترة طويلة في مصر بحكم عمله كخبير و محلل سياسي و عشت في أحد الأحياء الشعبية الفقيرة و كنت قد قررت التقرب من الطبقات الشعبية على مختلف مستوياتها الاجتماعية والثقافية عندئذ وجدت الفساد يتسرب إلى حياة المواطن المصري يوميا من كل اتجاه و شاهدت الرعب و الوحشية المتزايدة التي يتبعها النظام الأمني في التعامل مع المواطنين و أحسست شعورهم بالغضب بسبب الفجوة الهائلة و المتنامية بين أغنياء هذا الشعب و فقرائه , و لكن للأسف لم يحاول النظام يوما إصلاح كل هذا بل زاد من غطرسته و معاملته القاسية و جشعه حيث تأكدت أن مبارك بالفعل عجز عن إجراء أى إصلاح ديمقراطي للبلد و اتضح لي أنه يسعى إلى تسليم السلطة لنجله جمال مبارك و كنت على يقين بأن الشعب لن يقبل هذا و عندما كتبت هذا الكتاب كنت على يقين أن هناك شيئا ما سيحدث و يغير الأوضاع تماما . و قال أنه ليس نبيا يتوقع الشيء قبل حدوثه و لكن كان شعورا طبيعيا بأن الشعب المصري لن يقبل بالاستمرار في سرقة كرامته قبل كل شيء وسيقوم بثورة لاستعادتها مهما كلفه الأمر . و قال أن الشباب المصري ليس سلبيا و أن جميع الفئات تتسم بالتنوع و الاختلاف و حتى الشباب المصري الثوري فيه من يفضل مشاهدة الجزيرة و القراءة و فيه من يفضل مشاهدة الأفلام الإباحية و فيه من هو شديد التدين و الالتزام و السبب في نشر هذه الصورة النمطية هي وسائل الإعلام التي تقدم أعمالا " غبية وتافهة " تقتصر على حياة الرفاهية التي يعيشها أولاد الطبقة الغنية و تتجاهل تماما النماذج الأخرى حتى جاءت الثورة و حطمت كل هذه الأفكار . و صدرت عن دار نشر مدبولى رواية "ماسبيرو" للروائي نصر رأفت و تدور أحداثها بالكامل داخل مبنى الإذاعة و التليفزيون و تستعرض أسرار و كواليس و خبايا حياة الموظفين اليومية بما فيها من أسرار و صراعات و مشاكل و أزمات و انحرافات و رشوة و فساد و تكشف الرواية الكثير من مجالات العمل داخل هذا المبنى العملاق الذي يضم 45 ألف موظف و هو أكبر مبنى حكومي يجمع هذا العدد العائل من البشر . و يقول في بداية الرواية " ماسبيرو صندوق عجائب كبير فيه سلاطين يحكمون بغير ما أمر الله و فيه أكابر يبصمون على الأوراق دون أن يروها , و فيه عساكر مدججون بالأوسمة دون أن يروها و فيه نجوم مرشحون لجائزة الأوسكار ، و ليس لهم إنجاز يذكر! فيه حاشية تمتص دم الموظفين الصغار بلا ضمير و فيه جنرالات يجلسون ساعة المعركة تحت السيشوار هذا المبنى الضخم العملاق الذي يشبه الديناصور المنقرض ماسبيرو فيه ملاك واحد و ألف شيطان رجيم ! و تنتهي أحداث الرواية باحتجاجات كثيرة يقودها موظفو ذلك المبنى ضد رؤسائهم و يطالبون بالكشف عن الفساد . و فى رواية " أجنحة الفراشة " الصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية تنبأ فيها الكاتب محمد سلماوى بحدوث موجة عارمة من الاحتجاجات التي لن يقدر النظام على إيقافها أو التصدي لها متحدثا عن دور التكنولوجيا الحديثة مثل الهواتف المحمولة و تجمعات الفيس بوك و كافة مواقع التواصل الاجتماعي في إشعال فتيل الثورة وتغيير شأن البلد تماما ليضع الجميع أمام مفاجأة كبيرة لم يتوقعها أحد . و لم يكتف بتحديد أسباب سقوط الحكومة و لكنه ذهب إلى أبعد بكثير عندما نجح في وضع خطوط سيناريو ثورة 25 يناير في روايته الصادرة قبل اندلاع الثورة بقليل , فأشار مثلا إلى قيام الحكومة باعتقال جميع أقطاب المعارضة و كل المتعاملين معهم و من ضمنهم مجموعة من الشباب وقود العصيان المدني و كذلك تخيل امتناع معظم الموظفين للذهاب إلى أعمالهم و غلق التجار أبواب محالهم حتى تضطر الحكومة للاستقالة فتبرز هيئة وطنية تعد لانتخابات حرة على مستوى البلاد . و حصل كتاب " إغراء السلطة المطلقة " تأليف د . بسمة عبد العزيز على جائزة أحمد بهاء الدين للباحثين الشباب لعام 2009 و الكتاب هو محاولة لتتبع مسار العنف في علاقة جهاز الشرطة بالناس العاديين كيف بدأ و كيف تطور خلال فترة ما قبل 25 يناير و يرصد و يحلل العنف بأشكاله المتنوعة و يناقش العوامل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية المؤثرة فيه , كما يتعرض لرد الفعل المضاد و انعكاسه على العقد الاجتماعي القائم بين الدولة و المواطن . و تنبأ الكاتب الساخر محمد شكري بقيام ثورة 25 يناير قبل الثورة بحوالي عام و ذلك في كتابه " ثورة 31 فبراير " الذي تم إصداره أواخر العام الماضي و نال الإعجاب في معرض الكتاب 2010 و يطرح فيه فكرة قيام ثورة في مصر على يد أحد البسطاء في مصر و من بعدها تتحول الحياة السياسية و الاجتماعية و الفنية في مصر و ذلك كله في إطار كوميدي فانتازى . و فى كتاب " الطريق إلى قصر العروبة " الصادر حديثا عن دار صفصافة للكاتب محمد على خير أكد فيه إننا بحاجة إلى صياغة دستور جديد يصاغ بما ينفى السلطات الاستبدادية لرئيس الدولة . ....................... فهل بهذا يكون مثقف هذا الزمان قد حل مكان العرافين القدماء ؟ و هل يعود الأمر لنوع خاص من الحساسية و الوعي ؟ أم هي فقط مجرد صدفة ؟!