حينما تسير في شوارع وسط القاهرة و تلقي بنظرة علي الميادين والمباني فيها ترى بعينيك ما تحمله تلك المباني من فن و تاريخ ، و في الوقت نفسه تنظر تحت تلك المباني ترى فقراء و بسطاء و باعة جائلين فرقاً شاسعاً بين هذا و ذاك لا يمكن تخيله تستطيع أن تسأل نفسك كثيراً من هولاء ؟ و من أين يأتون؟ و ما هي أحلامهم ؟ و ما هي متاعبهم ؟ أو الثورة في عيونهم, من هم قبل الثورة و بعدها ؟ كل تلك الأسئلة من الممكن الإجابة عليها من خلال جولة مثلاً في ميدان العتبة أو شارع الأزهر أو رمسيس تجدها في عيون عم ثابت بائع الحقائب المتجول أو عثمان الشاب الصعيدي الذي أنهي تعليمه و لم يجد عمل فقرر أن يتجول بمجموعة من الأحزمة أو محمد الذي يتجول بمجموعة من فساتين الأطفال , فتجد أن الجري وراء لقمة العيش ليس حكراً على الكبار فتجد من بين هولاء , و للمفاجأة , أطفال .. منهم طفل تسأله عن أسمه ، فيجيب : عماد الروبي . لم يتجاوز عمره 8 سنوات يتجول علي قدميه حافياً بعربة كارو لبيع الترمس و ينام في الشارع و رغم المعاناة المبكرة التي يعانيها إلا أن أحلامه بعد الثورة أن يكون ضابطاً !
و عم ثابت عطية بائع أحذية تسأله : ماذا تأمل بعد الثورة ؟ فيرد قائلاً أنه يأمل بعملية جراحية لابنه لتركيب صمام في القلب وعن أسعار رخيصة في متناول المواطن العادي . و عم زين يحلم أيضاً بأن يعالج نجله من كهرباء زيادة في المخ و تسأله : من تريده رئيساً لمصر؟ يقول لك : عمرو موسي . و عثمان الشاب الذي تخرج من كلية الاَداب- جامعة الأزهر، و يعول 4 من إخوته ، أتي من صعيد مصر لضيق سبل الحياة هناك أملاً في البحث عن فرصة عمل ، لم يجد ، فقرر التجول بأحزمة ، و لكنه يحلم بأن يعمل مدرساً للغة العربية ، و أن نقضي علي الرشوة والمحسوبية ، و أن تتحسن أجور الموظفين . و تسأله : من ستنتخبه رئيساً للجمهورية ؟ يرد : عمرو موسي . و ماذا تقول لحسني مبارك ؟ حسبي الله ونعم الوكيل ،.ربنا يسامحه علي اللي عمله فينا . و يتدخل شخص آخر قائلاً : نفسي أعرف حاجة ، هما اللي سرقوا البلد دول كانوا بيناموا إزاي ؟ فسألناه : أسمك إيه ؟ أحمد سيد صالح ، عندي 43 سنة و بلا عمل وعندي أربع أولاد بلا تعليم لضيق الحال و تسأله عن أحلامه بعد الثورة فيجيب : نفسي ألاقي سكن ليا و لعيالي عشان صاحب البيت هيطردني عشان مش معايا فلوس أدفع الإيجار . وتسأله : من تريده رئيساً لمصر ؟ أي حد بس يكون حاسس بيا و بالناس اللي زيي . تسير قليلاً في ميدان العتبة ثم تجد عم كوراني بائع الحقائب بعد أن أفني عمره عاملاً في وزارة الزارعة يخرج منها عام 2001 بلا معاش وعمره 71 عاماً و يضطر للجلوس بميدان العتبة لبيع الحقائب و عما يتمناه عم كوراني فيقول : نفسي أخد معاشي من نقابة المهن الزراعية اللي مبخدوش . و حينما تستقل سيارة ميكروباص يحدثك الأسطي مصطفي السائق عن رأيه في أحوال البلاد بعد الثورة يقول : الحال أحسن بكتير علي الأقل محدش من بتوع المرور بيعرف يكلمني و باخد حقي منهم باركن الميكروباص في أي حتة و بحمل عربيتي من أي مكان و أمين الشرطة ميقدرش يفتح عينه فيا و لا يقولي رايح فين . ...........!! و علي النقيض تماماً من الممكن أن تتحدث مع ضابط شرطة برتبة نقيب ( عبد الرحمن مصطفي ) و تسأله عن حال البلد بعد الثورة فيجيب: قبل الثورة كان أحسن طبعاً , الأول كان الناس بتحترمني و تضربلي 100 تعظيم سلام لكن مع الأسف الأيام دي راحت خلاص و الله يسامح اللي كان السبب . .................. !! و تستطيع أن تجد كثيرين من أمثال هولاء في أي مكان .. عشرات .. أو ألاَف ، بل ملايين من البسطاء من هذا الشعب يستطيعون أن يعيشوا بالرغم من صعوبة ظروفهم وحياتهم ، يضحكون من كثرة آلامهم و يبكون عند أفراحهم .. فقراء لكن ملوك و بسطاء لكن في الحقيقة عظماء لأن عظمة و إفتخار هذا الشعب لاتتجلى فقط في عقول المشاهير و العلماء و كبار الشخصيات في مصر و إنما العظمة الحقيقة هي للمطحونين والمعدمين في مصر .