يتحدث العاملون في مجال السياحة عن أن المنطقة صارت طاردة للسياح بعد أن ظلت طويلا مصدراً للجذب ، و يقولون : " نعلم أنها ضريبة للثورة ، ثمن للتغيير لكن ... نخشى فقط أن تطول الفترة " و في ( خان الخليلي ) ، أحد أهم المزارات السياحية بالقاهرة القديمة ، كانت لنا جولة ، و كانت لنا لقاءات ..
أمام أحد البازارات يجلس ( منصور سمير ) دافناً رأسه بين يديه جذبت مقعداً إلى جواره ، نظر إليّ قائلاً : " المشهد هنا يتحدث عن نفسه أنا أعمل في السياحة منذ أربعين عاماً و لم أر مثل هذه الحالة منذ أوائل التسعينات ، فأنا شاهد على جميع مراحل الشد و الجذب في السياحة ، كل شخص يجلس أمامك لديه أسرة تريد أن تعيش ، الأوضاع ساءت منذ الثورة فقد هلع السياح و أخذوا في الجلاء و لم يتبق منهم إلا عدد قليل جداً ، أعلم أنها مرحلة انتقالية لكن لو طالت ستقصر أمامها قوة احتمالنا و أخشي من أن يفور التنور فيغرقنا جميعاً ، أتمنى أن تسرع الحكومة الجديدة ، و تنفض الاحتجاجات التي تضر الآن أكثر مما تنفع ، لنتفرغ جميعاً لبناء مجتمعنا الذي فقد هويته في الثلاث عقود الأخيرة فهو أملنا الوحيد للخلاص . "
أما ( أحمد حسن ) فقال : " أعمل في هذا المقهى باليومية منذ فترة طويلة و لست أدري ماذا أفعل الآن ونحن "نهش وننش" فأجورنا مرتبطة بدخل المكان و ما جنيناه من الثورة حتى الآن هو تخفيض أجورنا ، و ضيق في معيشتنا، لقد أغلق المقهى في الأيام الأولى للثورة إلى أن دفعنا أكل العيش للعودة مرة أخرى ، السائح يحب الجلوس في المقهى بجواره الشيشة ، يحب أن يعيش الحالة الشعبية المصرية ، يجلس في الشارع متأملاً عبق التاريخ و هو يعانق شعبية الزحام ، كما ترى المقاهي هنا ليست عالية الديكور فخمة البناء و الأساس و هو ما يفضله السائح فهو يحب أن يعيش جو الحياة الشعبية بطبيعتها يحب فيها بساطتها ، قامت الثورة ففرحنا منتظرين أن نجني المغانم إلى أن طال انتظارنا أخشي أن يتسرب إلينا الشك وضعف الأمل أتمنى أن نتذكر هذه الأيام كضريبة دفعناها و مرحلة عابرة مررنا بها . "
( أحمد صلاح ) يعمل في فندق ، أخذ نفساً عميقاً ثم قال متنهداً : " قبل أيام من الثورة كان الفندق مكتظاً بالنزلاء إلا أن الثورة أطاحت بهم خارج البلاد . السائح يحب الهدوء يأتي هنا للترفيه لا لتكون حياته مهددة ، فقد كان أهم ما يميز مصر بجانب حضارتها هو الأمان ، و أخشى أن يهددنا فقده بفقد مصدر عيشنا ، فأنا أخاف أن تتحول الثورة إلى ثورة جياع ، تتحول إلى مقارنة بين مطالب سياسية يمكن أن تنتظر و مطالب معيشية لا تحتمل آلام الانتظار . "
فيما أكد الدكتور ( صلاح الجندي ) أستاذ الاقتصاد جامعة المنصورة أن الثورة أجلت أكثر من مليون و نصف مليون سائحاً تاركين خسائر كبيرة ، علماً بأنه في الظروف الطبيعية يأتي إلى مصر سنويا من 13 : 15 مليون سائح . اقتصادنا الآن في حالة احتضار و يجب أن نعمل على إنعاشه . من المهم أن نترك المظاهرات و نتحول إلى صفوف العمل ، فالمهمة الملقاة على عاتق الحكومة الجديدة صعبة ، جزء منها أن تروج لإعادة السياحة خاصة عن طريق وزارتي السياحة و الخارجية ، كإظهار الصورة الحقيقة لمصر الآن ، و إرسال القوافل أيضاً ، و يجب أن يعمل قطاع السياحة على العبور من الأزمة عن طريق التفاعل مع شركات السياحة الخارجية و علاقاتهم الشخصية بالسياح و أن تقدم تسهيلات تشمل تخفيضات و برامج مجانية ، و أؤكد أن مصر في ظروفها الطبيعية بإمكانها أن تستقبل أكثر من 30 مليون سائح فالسياحة ضلع أساسي في الدخل القومي لا يمكن الاستغناء عنه .