هل تختلف الجريمة التى ارتكبت فى مدينة الإسكندرية مساء الجمعة الماضى عن الجريمة التى ارتكبت فى مدينة نجع حمادى مساء يوم 6 يناير من العام الماضى؟ ليس كثيراً، فالاختلاف فى الحالتين يقتصر على الشكل فقط، أما المضمون فواحد فى الحالتين. بل لا أبالغ إن قلت إن الجريمة التى شهدتها الإسكندرية فى بداية هذا العام هى صورة طبق الأصل من جريمة مماثلة شهدتها مدينة نجع حمادى منذ عام بالضبط. فالمستهدف من الجريمة واحد فى الحالتين، وهم المسيحيون الأقباط، لمجرد أنهم مسيحيون وأقباط، وتم استهدافهم فى مكان لا يؤمه سوى مسيحيون أقباط وفى دور مخصصة لأداء العبادة وإقامة الشعائر: كنيسة القديسين فى الإسكندرية والكاتدرائية فى نجع حمادى، وفى أكثر المناسبات الدينية قداسة: صلاة عيد الميلاد فى ليلة رأس السنة الميلادية وصلاة عيد الميلاد وفقا للتقويم القبطى، والوسيلة المستخدمة فى الحالتين واحدة: أدوات عنف تدل على رغبة، مع سبق الإصرار والترصد، فى قتل وإزهاق أرواح بريئة. صحيح أن الوسيلة المستخدمة فى جريمة نجع حمادى، وهى البندقية، كانت أقل فتكاً من الوسيلة المستخدمة فى جريمة الإسكندرية، وهى العبوة الناسفة باستخدام سيارة مفخخة أو حزام ناسف (لا أحد يعرف حتى الآن بما فى ذلك أجهزة الأمن نفسها)، ومن هنا قلة عدد الضحايا فى الجريمة الأولى مقارنة بعدد الضحايا فى الجريمة الثانية، لكن القصد الجنائى فى الحالتين واحد، ألا وهو قتل وإصابة أكبر عدد ممكن من المستهدفين. لكن الأخطر من ذلك أن دلالات توقيت الجريمتين والمكانين اللذين وقع عليهما الاختيار كانا متماثلين تماماً فى الحالتين، حيث تعمد الجناة استهداف مكان لا يؤمه سوى مسيحيون أقباط. فى سياق كهذا لا أظن أن إدراك المواطنين المصريين، أقباطاً كانوا أم مسيحيين، لطبيعة هذه الجريمة، ولتأثيراتها المحتملة على الحالة العامة القائمة فى مصر حاليا، ستختلف كثيراً إذا ما ثبت أن تنظيم «القاعدة» هو من خطط لها أو حتى نفذها بنفسه. فالمشكلة الأساسية بالنسبة للأقباط المصريين أنهم أصبحوا عرضة للتهديد والقتل، ولن يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لهم إن تم قتلهم بأيدى متطرفين مصريين، كما حدث فى نجع حمادى وفى غيرها، أو بأيدى متطرفين من خارج مصر، إذا ما ثبت أن القاعدة وراء جريمة الإسكندرية. أما الأغلبية المسلمة، فالأهم بالنسبة لها ألا يتعرض أى مواطن، مسيحيا كان أم مسلماً، لأى تهديد من أى نوع، وأن يتم القصاص من المجرمين، أياً كانت ديانتهم، وسواء كانوا من الداخل أو من الخارج، بتقديمهم إلى محاكمة عادلة. ولأن كل الوطنيين فى مصر أصبحوا على قناعة تامة بأن النظام السياسى الراهن لم يعد معنياً إلا بأمر واحد، وهو المحافظة على كرسى الحكم بأى وسيلة كانت، فقد أصبحت هناك فجوة ثقة كبيرة. لو كان النظام تعامل بحزم وبشفافية مع جرائم مماثلة سابقة لكان قد نجح فى قطع الطريق على كل من تسوّل له نفسه القيام بأى عمل يهدد الوحدة الوطنية، ولكانت الثقة فيه اليوم أكبر مما هى عليه اليوم. فقد حاول النظام، على مدى ثلاثين عاما متواصلة، تبرير إصراره العنيد على مد حالة الطوارئ بضرورتها لمكافحة الإرهاب. وقد ثبت الآن بما لا يدع أى مجال للشك، مثلما ثبت من قبل فى حالات أخرى كثيرة، أن حالة الطوارئ استخدمت، ولاتزال تستخدم، فى قمع المعارضة بأكثر مما استخدمت، ولاتزال، فى مكافحة الإرهاب أو التصدى لمحاولات اختراق الأمن الوطنى من الخارج. وإذا كان النظام جادا حقا فى التصدى لهذا النوع من الجرائم فعليه أن يبدأ باتخاذ عدد من الإجراءات العاجلة فى مقدمتها: 1- إقالة وزير الداخلية فوراً باعتباره المسؤول الأول عما وقع 2- تعقب وكشف المخططين والمنفذين للجريمة وتقديمهم للمحاكمة خلال مهلة زمنية لا تزيد على شهرين، وإلا فعلى الحكومة كلها أن تتقدم باستقالتها. لكن الأهم من ذلك أن على النظام أن يدرك أن المعالجة الناجحة للحالة الطائفية التى تعيشها مصر حالياً لا تكون بالوسائل الأمنية وحدها وإنما بوسائل أخرى كثيرة، فى مقدمتها الإصلاح السياسى. وما لم يقدم على خطوات حقيقية تؤكد جديته فى القيام بالإصلاح السياسى المطلوب فعليه أن يتحمل المسؤولية الكاملة عن الخراب الذى يوشك أن يلحق بمصر.