أخطر ما فى جريمة نجع حمادى هو تعاملنا معها بمنطق الهوجة!..ما جرى ليلة عيد الميلاد المجيد ليس كخسارة فاروق حسنى فى معركة اليونسكو، أو كفشل المنتخب الوطنى فى الوصول إلى نهائيات كأس العالم، بل هو تهديدٌ صريح لأمننا الاجتماعى، لا يجوز معه أن نكتفى بالثرثرة فى برامج التوك شو على شاشات الفضائيات، ولا تصلح له الحلول التى تتمخض عنها قعدات المصاطب السياسية!.. ازداد شرخُ أسطوانة وحدتنا الوطنية التى لا يغلبها غلاب، ولم تعد صور عناق البابا شنودة مع الشيخ سيد طنطاوى تقنع حتى الأطفال بأن كل شىء على ما يرام!.. لن أتحدث عن الثمانينيات والتسعينيات، فقط أذكركم بما جرى فى قرية الكُشح بسوهاج عندما قُتل واحد وعشرون مواطناً مسيحياً قبل عشر سنوات.. بعد تلك الجريمة سالت دماء غزيرة لمسيحيين ومسلمين فى حوادث متفرقة، ورغم ذلك مازلنا نتهرب - عن قصد - من مواجهة الحقيقة التى تقول إن الوطن مهدد فى أعز ما يملك: أمنه الاجتماعى! بالنسبة لى على الأقل كان غريباً ومدهشاً، لدرجة الغيظ، أن تخرج الصحف الرسمية يومى الجمعة والسبت الماضيين لتؤكد أن الحياة عادت إلى طبيعتها فى نجع حمادى، حتى إن واحدة من تلك الصحف أرادت البرهنة على ذلك بطريقتها فأشارت إلى عودة طوابير أنابيب البوتاجاز من جديد!.. كنت حينها فى المدينة نفسها أسجلُ مشاعر خوف حقيقى لدى من التقيت من سكانها.. فى مساء الجمعة رصدتُ مواجهات وأعمال عنف، تبادل القيام بها مسلمون ومسيحيون فى منطقتى السوق والساحل.. قلت لنفسى ربما ظن مراسلو الصحف الرسمية أن السبب صراعٌ بين الطرفين للحصول على أنبوبة بوتاجاز!.. ثمة إصرارٌ غريب من الرسميين وصحفهم على دفن الرؤوس فى الرمال!.. كيف نطلب من طبيب معالجة مريض بالسرطان بينما هو على قناعة بأن الحالة مجرد صداع نصفى؟! سألنى صديق وعجزت عن الإجابة.. لن أنسى ما حييت ذلك الشعور الذى انتابنى حين مررت يوم السبت الماضى فى منطقة أغلبية سكانها مسلمون.. فى تلك اللحظة تساءلت: ماذا لو اعتقد بعض المتعصبين أننى مسيحى؟!.. تردد داخلى نفسُ السؤال ولكن بطريقة عكسية حين سرت فى شارع تسكنه أغلبية مسيحية!.. عدتُ بذاكرتى سبع سنوات إلى الوراء، وتحديداً فى أعقاب سقوط بغداد.. كنت أغطى أول احتفال لشيعة كربلاء بأربعينية الإمام الحسين.. فى الساحة التى تتوسط مرقدى الإمامين الحسين والعباس، وسط عشرات الألوف من الشيعة همس لى أحد الزملاء ناصحاً: «لا تصرح بأنك ُسنى!.. يا إلهى.. هل يمكن أن نشهد فى مصر جرائم قتل على الهوية الدينية كما هو الحال فى العراق؟!». يقشعر البدن لهذا السؤال، لكن لا مفر من ترديده، بل أدعوكم جميعا لترددوه حتى يستيقظ كلُ نائم بجوار المدفأة.. لا يلهيكم جدل عقيم حول أسباب جريمة ليلة عيد الميلاد.. المسألة أكبر بكثير مما يخوض فيه الخائضون.. لنصرخ بكل ما أوتينا من قوة: انتبهوا أيها السادة.. ما بعد نجع حمادى يختلف تماماً عما قبله! [email protected]