تابعت الضجة التي أثارها حزب الوفد وصحيفته علي مدي الأيام الثلاثة الماضية: الاثنين الثلاثاء الاربعاء. حول رفض التليفزيون إذاعة حملة إعلانية مدفوعة الثمن تقدم بها الحزب. ويدعو المواطنين فيها الي المشاركة في الحياة السياسية. وحدث خلاف بين الحزب والتليفزيون. قال المهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون: إن إعلانات الدعاية الانتخابية المدفوعة الثمن. سواء كانت من الأحزاب أو من المرشحين. يجب أن تحصل علي موافقة اللجنة العليا للانتخابات قبل إذاعتها. ورد حزب الوفد بأن هذه الحملة لا تدخل في إطار الدعاية الانتخابية وإنما هي دعوة سياسية عامة والتليفزيون يذيع اعلانات مماثلة للحزب الوطني علي مدار الساعة. *** والحق إن موقف حزب الوفد وصحيفته في "توصيف" هذه الحملة بدا ضعيفا ومضطربا علي مدي الايام الثلاثة علي النحو التالي: * يوم الاثنين 25/10 كتب رئيس تحرير صحيفة "الوفد" الزميل العزيز سعيدعبدالخالق توصيفا للحملة الاعلانية بأنها ترفع شعار حملة الوفد: يابلدنا آن الأوان. وندعو فيها المواطن الي المشاركة في الانتخابات وأهمية الادلاء بصوته لاختيار ممثليه في مجلس الشعب القادم. * يوم الثلاثاء 26/10 وفي نفس المكان من الصفحة الاولي الذي حمل توصيف رئيس تحرير الوفد. نشرت الصحيفة بيانا "من الوفد إلي الأمة" .. أي انه بيان رسمي من الحزب حول هذه الواقعة. تضمن التوصيف التالي: "رفض التليفزيون المصري المملوك للشعب بث إعلانات مدفوعة الثمن لحزب الوفد. يدعو فيها المواطنين الي ممارسة حقوقهم السياسية. والانضمام لحزب الوفد". * يوم الأربعاء 27/10 أمس نشر نفس رئيس التحرير. في نفس المكان من الصفحة الأولي للصحيفة مقالا تضمن توصيفا آخر للحملة جاء فيه: "رفض هذا التليفزيون اعلانا مدفوع الثمن يناشد المصريين المشاركة في الحياة السياسية.. لا أكثر ولا أقل.. ولم يدع هذا الاعلان المصريين الي الادلاء بأصواتهم في الانتخابات.. ولم يدعهم الي التصويت لمرشحي الوفد". هل هناك ضعف واضطراب أكثر من ذلك؟! أولا إعلان يرفع شعار حملة الوفد الانتخابية وهو "يابلدنا آن الأوان".. ويدعو المواطنين الي الانضمام لحزب الوفد.. والي أهمية الادلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في مجلس الشعب القادم وهذا بنص التوصيفات الصادرة من الحزب ورئيس تحرير صحيفته أليست هذه دعاية انتخابية لحزب الوفد. مما تدخل إجازته في نطاق اختصاصات اللجنة العليا للانتخابات أم هي دعاية انتخابية للحزب الديمقراطي الأمريكي في انتخابات الكونجرس مثلا؟! ثانيا حزب يختلف مع رئيس تحرير صحيفته في واقعة مثل هذه.. ورئيس التحرير يختلف مع نفسه ويكتب يوم الاربعاء كلاما يناقض ما كتبه قبلها ب 48 ساعة يوم الاثنين.. ليس غريبا أن يختلف مع التليفزيون. ومع الحزب الوطني. ومع النظام السياسي كله. وهذا ماحدث.. هل دخلنا مرحلة "الابتزاز السياسي"؟! لقد حول حزب الوفد "مسألة تنظيمية" يمكن حلها ببساطة في إطار حسن النوايا بأن يلتزم الحزب بالقواعد المنظمة للدعاية الانتخابية. وأن يلتزم التليفزيون الحياد في التعامل مع كل الاحزاب والمرشحين بلا تمييز. ويوقف كل مايخالف ذلك. الي قضية سياسية هائلة وصلت الي التهديد بمقاطعة الانتخابات. مانشيت صحيفة الوفد يوم الثلاثاء أول أمس كتب ذلك بالبنط الأحمر العريض : "الوفد يهدد بمقاطعة الانتخابات". رئيس تحرير الصحيفة سبق التهديد بتحذير. وذلك قبلها بيوم واحد. فقد كان عنوان مقاله يوم الاثنين: "ليس تهديدا بالانسحاب من الانتخابات ولكن.. نحذر من رد فعل الوفد". عدد الأربعاء أمس من الصحيفة رفع نبرة التصعيد. من التحذير. والتهديد. الي التلويح "بالفعل" فجاء المانشيت ليقول "المتحدث الرسمي للوفد: ندرس إعادة طرح المشاركة في الانتخابات علي الهيئة الوفدية". بينهما جاء عنوان مقال رئيس التحرير ليقول : "للمرة الثانية.. نحذر : مقاطعة الانتخابات تلقي تأييدا واسعا.. وللمصريين خالص الصبر والسلوان"!! *** والمانشيتات .. وعناوين المقالات. فضلا عن مضامينها. تفوح منها روائح. اقل ما يقال عنها إنها "غريبة". غريبة علينا. وغريبة علي حزب الوفد نفسه. فمن يقرأ هذه المانشيتات وعناوين المقالات وما تحتها يخرج. بانطباعات متعددة لكنها تصب جميعا في اطار واحد: أولا أن حزب الوفد يمنّ علي الأمة. وعلي النظام السياسي. وعلي الحزب الوطني. بقبوله المشاركة في الانتخابات.. فهذا تواضع وتنازل كبير منه. ثانيا أن حزب الوفد. وليس الأمة أو الشعب. هو مصدر شرعية النظام السياسي القائم.. ومشاركته في الانتخابات تضفي الشرعية علي النظام.. ومقاطعته لها أو انسحابه منها تنزع هذه الشرعية. ثالثا أنه بناء علي ذلك يجب أن يعامل حزب الوفد في هذه الانتخابات معاملة خاصة. وإلا.. وضع تحت "إلا" هذه ما تشاء من الخطوط. فبعدها حشد لا نهاية له من عبارات التهديد والوعيد. فضلا عن التجني والتهويل. وأستطيع أن أنقل من مضامين مانشيتات صحيفة الوفد ومقالي رئيس تحريرها من الفقرات ما يؤكد كل كلمة في هذا السياق. لكني سأكتفي بفقرة واحدة من مقال رئيس التحرير أمس يقول فيها : "ولم يتوقف زرع الألغام علي "الفقي" و"الشيخ" "في إشارة إلي وزير الإعلام أنس الفقي وأسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون. في موضوع الاعلانات" وفوجئنا بأنه من ضمن مسوغات الترشيح إلزام المرشح بتقديم شهادة ميلاده وشهادة ميلاد الأب.. وبيانات الأعمام والخالات وزوجات الأب وأزواج الأم وبيانات الاخوة وتواريخ ميلادهم.. وطبعا هذه أمور تعجيزية". هذا مجرد مثال.. وهو يثير سؤالا بسيطا : * هل هذه الشهادات والبيانات مطلوبة من جميع المرشحين للانتخابات. بمن فيهم مرشحو الحزب الوطني.. أم أنها مطلوبة فقط من مرشحي الوفد لتعجيزهم؟! وإذا كانت مطلوبة من الجميع.. فهل يريد "الوفد" معاملة تفضيلية خاصة لمرشحيه. تعبيرا عن امتنان الأمة لقبوله المشاركة في الانتخابات. وامتثالا من النظام السياسي. حتي لاينسحب الوفد من الانتخابات. فتنسحب معه الشرعية عن النظام؟! ولكي يقتنع القاريء بما أقول. سأنقل مثالا آخر يكاد يكون معاكسا. صحيفة "الأهالي" لسان حزب "التجمع" المعارض والعريق. والذي يخوض الانتخابات مثل حزب الوفد تماما. تناولت نفس الموضوع.. موضوع مسوغات الترشيح. في الصفحة الأولي من عددها الصادر أمس.. وسأنقل لكم ما كتبته بالحرف حتي يتبين الفرق. تحت عنوان : "شهادة ميلاد الأب. ضمن أوراق الترشيح" جاء التالي : يبدأ يوم الأربعاء المقبل "3 نوفمبر" فتح باب الترشيح لعضوية مجلس الشعب في جميع الدوائر. تتضمن الأوراق المطلوبة لأول مرة ضرورة أن يقدم المرشح شهادة ميلاد والده لإثبات صفة الجنسية إلي جانب الأوراق الأخري وهي شهادة ميلاد المرشح وموقفه من التجنيد وصحيفة الحالة الجنائية "حديثة" وشهادة الصفة إذا كان متقدما للترشيح علي مقعد العمال أو الفلاحين وايصال بإيداع مبلغ ألف جنيه لخزانة مديرية الأمن والبطاقة الانتخابية أو شهادة من مأمور القسم تفيد أن المرشح مقيد بالجداول. انتهي الخبر ............... هذا كلام ينفع الناس.. فشهادة ميلاد الأب مطلوبة لاثبات أن المرشح مصري الجنسية تطبيقا للفقرة الأولي من المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب. وعنوان هذه المادة : في الترشيح لعضوية مجلس الشعب. وتضع ستة شروط للمرشح أولها : أن يكون مصري الجنسية من أب مصري. هذه إذن ليست بدعة.. ولا هي مفاجأة في هذه الانتخابات فقط دون كل الانتخابات التي أجريت قبلها.. ولا هي شرط تعجيزي.. ولا حزب الوفد هو المقصود بها. ولا إشارة فيها ولا في الخبر الذي نشرته "الأهالي" للخالات والعمات والزوجات. * * * إن قنبلة الدخان التي فجرها حزب الوفد خلال الأيام الثلاثة الماضية. ونحن مازلنا في بداية الحملة الانتخابية. تثير عندي. وربما عند غيري علامات استفهام عديدة قد لاتكون معظمها في صالح الوفد وصورته لدي جماهيره ولدي الشعب كله. انتخابات مجلس الشعب ليست ساحة حرب.. ولا هي سرادق مجاملات. وحزب كبير وعريق مثل حزب الوفد. حين يتخذ قرارا بالمشاركة في الانتخابات. فإن الرسالة التي تصل للناس من هذا القرار. أنه صدر عن اقتناع من الحزب بأن له مصلحة مؤكدة من هذه المشاركة. وعن إحساس بمسئوليته تجاه أعضائه وناخبيه وتجاه الأمة. فضلا عن مسئوليته كشريك سياسي قوي في بناء الديمقراطية المصرية. لا أحد يتوقع أن يكون الحزب قد اتخذ قراره تحت ضغط من أي جهة. ولا مجاملة للحزب الوطني. أو مساندة للنظام السياسي. وأي كلام خارج هذا الإطار. يدخل في نطاق الابتزاز السياسي الذي لايليق أن يوصم به حزب الوفد.. ولن يستجيب لهذا الابتزاز إن صح أحد. لأن "النمرة غلط". وبنفس القدر. لا أحد يريد أن يحمل انطباعا. بأن حزب الوفد يريد بقنبلة الدخان هذه. وبنبرة التصعيد والتهديد والوعيد العالية فيها. أن "يلعب علي الحبلين".. حبل المشاركة وحبل التهديد بالمقاطعة. إرضاء لمن صوتوا ضد المشاركة من أعضاء جمعيته العمومية. أو لمعسكر المقاطعة الذي يضم أحزابا أو جماعات أخري. يستطيع حزب الوفد إذا شاء أن يتحمل مسئوليته في النضال من أجل انتخابات حرة نزيهة. من خلال المشاركة مهما كلفه ذلك من تضحيات.. ويستطيع إذا شاء أن ينسحب من الميدان دون تهديدات. وسيتحمل النتيجة في الحالتين. له أو عليه. أمريكا أيضا.. تشكو من سلبية الناخبين أمريكا أيضا.. تشكو من سلبية الناخبين كتبت في الأسبوع الماضي عن "فلوس الدعاية الانتخابية بين مصر وأمريكا" بعد أن وجدت أن زيادة انفاق المرشحين علي الدعاية الانتخابية بصورة كبيرة أو مريبة. تمثل مشكلة مشتركة في البلدين. فنحن في مصر نشعر بالقلق حين نري مرشحين ينفقون الملايين علي الدعاية الانتخابية.. والأمريكيون لديهم نفس الشعور أيضا. نحن في انتخابات مجلس الشعب 28 نوفمبر. وهم في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس يوم الثلاثاء القادم. القلق عند الأمريكيين مزدوج.. الخوف من سيطرة الشركات والاحتكارات الكبري علي الكونجرس من خلال مرشحي هذه الشركات والاحتكارات التي تساند دعايتهم الانتخابية بالملايين.. والقلق من تأثير ذلك علي اتجاه القوانين والتشريعات التي تصدر عن الكونجرس لخدمة وتعزيز مصالح هذه الشركات والاحتكارات وأصحابها. لدينا نحن في مصر قلق ثلاثي.. فنحن نضيف إلي هذين العنصرين عنصراً ثالثاً. وهو أن من يدفع الملايين ثمناً للحصول علي "الحصانة" لابد أنه يعرف كيف يجعل هذه الحصانة تدر عليه خلال فترة عضويته أضعاف ثمنها. *** الجديد في مناسبة انتخابات مجلس الشعب هنا. وانتخابات الكونجرس في أمريكا. أن أمريكا تشكو أيضا من ظاهرة نشكو منها نحن أيضا في كل الانتخابات. وهي: ضعف مشاركة الناخبين في الانتخابات. ربما يكون هذا آخر ما يتوقعه البعض. قياساً إلي النظام الديمقراطي الذي يتمتع به المواطن الأمريكي. وإلي حريته الكاملة التي نسمع عنها في الاختيار. وإلي ارتفاع مستوي ثقافته ووعيه السياسي. لكن "جريجوري رودريجز" وهو أحد الكتاب والمحللين السياسيين الأمريكيين يفاجئنا بغير ذلك. فقد كتب مقالاً بديعاً بعنوان: الديمقراطية الطاردة.. ضعف المشاركة الانتخابية ينعي فيه أيام كانت الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية تمثل حدثاً مشهوداً ينتظره ويشارك فيه الجميع ويحتفلون بذلك.. بينما غاب ذلك الاحتفاء الآن. وتدنت معدلات مشاركة الناخبين. إلي الدرجة التي دفعت بالبعض إلي اقتراح أن يسمح بالتصويت بالبريد. في محاولة لاستعادة مشاركة الناخبين في الانتخابات ولو بالمراسلة. ويبدو أننا جميعاً.. في الهم سواء.. وأتذكر أني كتبت في هذا المكان مقالاً يوم الخميس 7 أكتوبر الحالي حول هذه القضية بعنوان: المهمة القادمة.. مشاركة الناخبين.