سبق لي أن تناولت في مقالات عدة ممارسات وصفات وسمات الطغاة والمستبدين على مستوى الأسرة علاوة على الإدارات المؤسسية في المجتمع المحلى والوطني، ثم على مستوى قيادة البلاد وأيضًا عبر التاريخ على مستوى قيادات الأقاليم التي شكلتها مجموعة مجتمعات وأصبحت إمبراطوريات أو دولاً كبيرة بدأت الآن تفكر في الانفصال وأيضًا حتى هذا التفكير الانفصالي الذي يؤدي إلى تجزئة هذه الكيان، فإنه وراءه أفكار ليس بعيد عنها المستبدون والطغاة الذين لم يتمكنوا من ممارسة استبدادهم في الكيان القومي الموحد. ولكنني أيضًا وعبر الممارسات التاريخية القديمة والحديثة والمعاصرة وجدت نفسي أمام حقيقة أن للشعوب دورًا كبيرًا في صنع الطغاة، ولعل البعض يقول: كيف يكون ذلك والشعوب مغلوبة على أمرها من هؤلاء المستبدين التي يحكمونها بالنار والحديد، والأمر هنا ليس بمعقد كثيرًا ففي بداية ظهور المستبد الطاغية يظهر بشكل القائد الإصلاحي الذي جاء لإحداث تغيير ثوري جذري لينقل المجتمع من التخلف إلى التقدم وشعاره في ذلك تحقيق العدل والمساواة لكافة أفراد الشعب، ثم يبدأ دور صناعته وتحويله من إصلاحي إلى طاغية مستبد بالتزلف والتقرب والتبجيل من قبل الشعراء والكتاب والفنانين، وقد يكون بعضهم صادقًا ولكن الأكثرية مأجورة، وبعد مسلسل التبجيل ومنح الألقاب والإشادة بالأدوار يبدأ سيناريو السمع والطاعة وأنه الأوحد الذي يستكان إليه في إنقاذ الشعب وقيادته، حيث يبدأ يتسرب إلى صاحبنا حب العظمة والرفعة ويشرع في الاقتناع على درجات بأنه فعلاً الأعظم والأكمل خاصة عندما يتفنن هؤلاء المحيطون به بإحضار مجموعات من المشاهير في كل المجالات ليعبروا عن إعجابهم بهذه الشخصية الفذة المنقذة لأمتها، وهؤلاء الذين يلعبون هذا الدور هم أول المساهمين في صناعة الطغاة. ومن هنا يكون المدخل إلى الشعب حتى وصف القرآن شعب مصر بأنهم إناس غير راشدين عندما أطاعوا فرعون الذي علا في الأرض وأظهر فيها الفساد، حيث قال في سورة الزخرف آية رقم 54: {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين}. "واستخفاف الطغاة بالجماهير أمر لا غرابة فيه; فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة, ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها, ولا يعودوا يبحثون عنها; ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة، ومن ثم يسهل استخفافهم ويلين قيادهم , فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين! ثم تأتي بعد ذلك السلبية التي يمارسها الشعب في مواجهة التصرفات غير المسئولة من بطانة الزعيم، هذه السلبية التي قد تكون ناتجة لما رأوه من قمع ضد أي محاولة للتعبير عن رأى مخالف، وبالتالي يبدأ الناس- وفقًا وتنفيذًا للتعليمات- الخروج في المظاهرات والاجتماعات الحاشدة ويطلق عليها التنادي وكأنهم تواجدوا في أماكن ظهور الزعيم وبطانته لا إرادي وعفوي وهو في الواقع منظم من خلال أماكن أعمالهم أو تنظيماتهم الاجتماعية والمؤسسات التعليمية وفى بعض المجتمعات يكون ذلك مدفوع الأجر، وهذا ما عبرت عنه بالنفاق الجماهيري في إحدى مقالاتي السابقة وعبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر لدينا امثلة كثير من قادة اصلاحيين جميعهم تعرضوا من خلال بطانة التملق الارزاقيين الى مثل هذه الافعال فقليل منهم من استوعب الامر قبل فوات الاوان واستدركه واوقفهم عند حدهم ولم يتحول ابدا الى طاغية اما الاغلبيه وقعت فى شبكة الصيد الاسترزاقيه التبجيليه وتحولوا تدريجيا الى طغاة من خلال هذه المصيدة وياتى هنا سؤال هل يمكن العودة ...نعم يمكن العودة اذا كان القائد مسلما واتخذ القرأن اساسا له وسنة رسولنا الكريم منهجا لحياته فمجرد رجوعه الى ذلك سيضرب بيده القويه بالايمان كل هؤلاء وسيحول شعبه من شعبا يمارس النفاق الجماهيرى بقيادة هذه البطانة الى شعب حر يمتلك مقدرات نفسه ويعتز بوطنه ويصون كرامته . والجانب الثاني الذي يسهم فيه الشعب في صناعة الطاغية عدم وقوفه لنصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتساهله في المطالبة بحقوقه الأساسية التي أمر بها ربنا في كافة الشرائع الإلهية أن هذا الموقف قد يكون هو أيضًا ناتج من الخوف ولكن الله ورسوله لم يأمران بذلك، فلا طاعة لمخلوق- مهم-ا كان في معصية الخالق والمعصية هنا هي الأمور التي تتعلق بالحقوق والكرامة والعبادات. وإن تساهل الشعوب في هذا الأمر وجبنها يجعلها في تصوري مسئولة في صنع الطاغية واستمرار استبداده وطغيانه؛ لأنه وجد الأمور سهلة ولم يجد أمامه شعبًا عنيدًا لأي ممارسات خاطئة، شعبًا يقف ويهب وقفة رجل واحد ضد الفساد وما يقوم به الطغاة المستبدون من ممارسات تنتهك حقوق الإنسان، هذا الإنسان الذي جسد احترامه في موقف العزيز قاهر الطغاة ربنا عز وجل عندما أمر الملائكة بالسجود لآدم وجعله خليفته في الأرض فنفذوا جميعهم الأمر إلا إبليس الذي أبى وستكبر وهذا إلا إبليس هو الأب الروحي لكافة الطغاة في هذا الكون . فهل ستتنبه شعوب العالم الثالث عامة والشعوب العربية خاصة لهذا الأمر وتقف بجديه لإنهاء ظاهرة الطغاة المستبدين ولا تكون ممن يسهمون في صناعتهم حذارِ، أيتها الشعوب لأن أشاهدك الآن وأنتِ تتبنين صناعة طغاة جدد صغار من أبناء الطغاة الكبار! www.dribrahimguider.com [email protected]