لقد كانت حرائق الغابات التي حدثت في روسيا في الشهر الماضي بمثابة الحجر الذي القي في بركة آسنة فطفا علي السطح مابها وعلي رأسه بالقطع مشكلة القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ولاسيما وأن روسيا قد أعلنت عن أنها سوف تغلق عن نفسها بابها لتحقق اكتفاءها الذاتي من القمح وأنها بما حدث لها لايمكن ان تفي بما لديها من تعاقدات مع الدول الأخري ومن بينها بالقطع مصر علي الرغم من أن مصر لاتعتمد علي روسيا وحدها كمصدر لتوريد القمح لها ولكن عدة دول منها أمريكا وفرنسا والمانيا وكندا وكازاخستان وإن كانت اسعارها تزيد علي سعر طن القمح الروسي لقد أتت الحرائق علي حوالي 1/5 المحصول وتستورد مصر مايقرب من ستة ملايين طن من القمح سنويا من هذه المصادر المختلفة والتي من المتوقع أن تزيد الي 5.8 مليون طن مع التنبؤ بزيادة الاسعار الي مايقرب من 46% في الاسواق العالمية وهو ماتتزايد معه المخاوف لدي البعض بأن يكون ذلك بادرة حدوث أزمة غذائية علي مستوي مصر في واحدة من أهم السلع بل هو السلعة الرئيسية بلا منازع ويصل دعم رغيف الخبز الذي تخصصه الدولة الي مايزيد علي 10 مليارات كل ذلك مع توقع زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة ومايزيد علي الدهشة لدي هؤلاء البعض هو كيف ان تصل مصر الي تلك المرحلة في هذه السلعة الاستراتيجية والتي كانت قبل انفصالها عن الدولة العثمانية المصدر الأول للقمح في المنطقة بل الأكثر من هذا كانت من المصدرين لهذه السلعة وهو مالابد وان يعيد الطرح لهذه الاشكالية في ضوءمايحدث وهل يمكن لمصر ان يكون لديها اكتفاء ذاتي من القمح؟ الاجابة لابد وان تكون بالايجاب وذلك نتيجة لعديد من الاسباب أول هذه الاسباب هي أنها تاريخيا تعد البلد الأول في انتاج القمح وكيف أنها قد اطعمت العالم وقت المجاعة أيام سيدنا ابراهيم كما يذكر التوراة وأيام سيدنا يوسف ولايعقل أن تكون الدولة الاولي في العالم في الاحتياج الي القمح السبب الثاني والاهم هو الظروف السياسية العالمية والاقليمية والتي تجعلنا نحرص علي ان يكون هناك اكتفاء ذاتي من القمح حتي لاتتأثر الارادة السياسية للدولة وهو مايتطلب أيضا أن يكون القمح هو السلعة الرئيسية في قائمة اهتمامات السياسة الزراعية للدولة التي قد يعيب عليها البعض ولكن من المؤكد ان هناك اعتبارات أخري تؤخذ في الاعتبار عند تحديد هذه السياسة الزراعية ولكن عندما يتعلق الامر بالامور الاستراتيجية فلابد وان تعطي لهذه الاعتبارات المكانة الاولي وكما يقولون ان الضرورات تفرض المحظورات من الاسباب الأخري التي تؤكد علي ضرورة ان يكون القمح كسلعة استراتيجية لها مرتبة الاولوية في السياسة الزراعية لمصر أيا كانت التكلفة وهو ظاهرة التغير المناخي ومايصحبها من زلازل وبراكين واعاصير وفيضانات وسيول وحرائق غابات علي غرار ماحدث بروسيا وأيضا من ضمن ظواهر التغير المناخي هي الجفاف والتصحر وندرة الموارد المائية ومن ثم لايجوز ان نربط مصيرنا بمصير هذه الدول التي تتعرض لمثل هذه النوبات القوية لظواهر التغير المناخي كما رأينا في الايام الماضية في كل من روسيا وباكستان وإن كان ذلك لاينفي أننا قد نكون عرضة أو ندخل في دائرة التغيرات المناخية ولكن وقتها سيكون الامر مختلفا أول الاعتبارات التي قد يدفع بها بعض المسئولين والتي لها وجهة نظرها حتي وان لم تلق قبولا لدي البعض هي البعد الاقتصادي اي حسابات التكلفة فلا يعقل ان تتم تكلفة زراعة القمح بأعلي من السعر الذي يتم به استيراده وقد كان ذلك دافعا لذلك الشعار أو المثل الذي رفعه بعض المسئولين وهو شراء العبد ولاتربيته ولكن الحقيقة هي انه في حالة القمح تعد تربية العبد هي الافضل وذلك لتجنب اي ضغوط سياسية خارجية يمكن ان تؤثر علي اقتصاديات مصر والوضع السياسي الداخلي كما يعتقد هؤلاء البعض وهم لديهم كل الحق في الحقيقة قد يكون تحقيق الاكتفاء الذاتي هو الطموح المشروع بل هو الضرورة التي تفرضها مجمل الظروف والاوضاع السياسية العالمية وايضا الظروف الطبيعية وعلي رأسها التغير المناخي والتي تهدد بالقطع المحاصيل الزراعية نتيجة لاختلاف ظروف الطقس والمواسم التي تزرع فيها هذه المحاصيل وأيضا تأثيرها علي كميات المياه اللازمة لزراعة هذه النوعية من المحاصيل التي تحتاج الي كمية كبيرة للمياه او المحاصيل الشرهة للمياه والتي تحاول كل دول العالم التخلص منها من خلال توظيف واستخدام الهندسة الوراثية أياًَ كان الأمر فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ليس بالحلم البعيد المنال ولكنه الواقع والمأمول الذي يمكن تحقيقه بمزيد من الجهد والعرق الذي هو متاح وممكن ولكن تحقيق ذلك الهدف لايتطلب الطبول الجوفاء والاصوات التي تصرخ هنا وهناك والتي تتخذ من أيه مشكلة بوقا لكي ما تكيل الاتهامات علي الحكومة وبأن مايحدث ليس هو أزمة زراعية ولكنه أزمة سياسية وان كل مايحدث هو تنفيذ لرغبة وسياسة الامريكيين كما يدعي البعض في العديد من المواقع علي الانترنت وهو مايخالف الحقيقة لانه ليس من المعقول ان تهمل الحكومة مثل هذه القضايا الرئيسية ولكنها لها فيها رؤية وهناك اعتبارات ومبررات ودوافع ومحددات هي التي تفرض اتباع هذا أو ذاك المسلك في الوصول الي تحقيق الهدف قد طرح البعض روشتات للعلاج للوصول الي تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي كأن يتم تحويل مياه النيل الي منخفض القطارة بدلا من البحر الاحمر وذلك للاستفادة من ذلك الماء المهدر في البحر وهذه الرؤية قد تكون صحيحة ولكن من المؤكد ان هناك العديد من الاعتبارات الاخري التي يجعل تطبيقها غير ممكن أو علي الأقل غاية في الصعوبة ولكن ذلك لايمنع بأن هناك طرقاً أخري عديدة قد تكون ذات كلفة وأنه لابد من التضحية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لمصر الذي يصبح في هذه الحالة بمثابة ضرورة حتمية لابد وان نسعي اليها مهما كان الثمن والتكلفة في ظل عالم متغير ومتقلب سياسياً وطبيعياً.